مجلة الرسالة/العدد 891/القصص

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 891/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 07 - 1950



وليم تل

مسرحية من شريدان

للأستاذ محمود علي السرطاوي

تقديم الكاتب

(ولد رتشارد برستلي بطلر شريدان في دبلن عاصمة أيرلندا في 30 - 10 - 1761من أم وأب يعشقان الأدب والفن الجميل، تعلم في هارو، واستقرت أسرته في مدينة باث، وتزوج في هذه المدينة اليزابث لينلي، أجمل نساء عصرها. كانت إلى جانب هذا الجمال النادر موسيقية لا يشق لها غبار في هذا الفن، فجمعت حولها جيوشاً من المعجبين والمفتونين والعشاق؛ وحلقت بهذا الزوج محمولا على أجنحة الحسن الأخاذ حتى وضعته على كرسي وزارة الخارجية عام 1728 وجعلته حديث الدنيا في محاكمة ورلن هاشنج حاكم الهند العام تلك المحاكمة التي أشتهر أمرها في التاريخ، وحينما أخذت ورود العز الحسن تصوح من الروض المعطار، أنفض عنها المعجبون، وهبت رياح الخريف على حياتها، فعاشت وزوجها في فقر مدقع ومات في 7 - 7 - 1816ودفن في كنيسة وستمنستر في مقبرة الخالدين في بلاد الإنجليز.

ومسرحيته (مدرسة الفضائح) المشهورة يعرفها عشاق أدبه الإنجليزي)

أشخاص المسرحية

جسلر: الحاكم النمساوي في سويسرا

وليم تل: قائد السويسريين في ثورة التحرر من حكم النمسا وقد وقع أسيرا مع أبنه البرت في قبضة جسلر

البرت: الن وليم تل وهو فتى في الثالثة عشر من العمر.

فرتر: صديق وليم تل

جنود: ضابط جمهور كبير من النساء والأولاد والرجال.

المنظر الأو جسلر: ما أسمك!

تل: اسمي؟ لا ضرورة لإخفائه عنك الآن. اسمي. . تل. .

جسلر: تل! وليم تل!

تل: أنه لكما تقول

جسلر: ماذا! ألست الذي أمتاز على أبناء جنسه بمهارته في السيطرة على قارب في البحيرة في يوم عاصف؟. . أولست الذي لم تخطئ سهامه أهدافها أبدا؟ لقد آن لي أن أنتقم منك انتقاماً طريفاً!. . أصغ إلى! سأمنحك وأبنك الحياة. . وأعفو عنكما. . . ولكن. . على شرط واحد!

تل: ما هو الشرط؟

جسلر: أريد أن تظهر مهارتك في تجربة تستعمل فيها قوسك الذي تحسن الرماية عنه!

تل: ما هي التجربة. . .؟

جسلر: أنك تنظر إلى ولدك: ويخيل إلي أنك قد فهمت بغريزتك ما أهدف إليه!

تل: أنظر إلى ولدي! ماذا تقول بذلك! أنظر على ولدي كأنني قد فهمت ما ترمي إليه! فهمت التجربة التي ستحملني عليها! فهمتها بغريزتي! أنت لا تعني. . كلا. كلا. . إنك،: لن تحملني على إظهار مهارتي على ولدي! مستحيل! أنني لم أفهم ما تريد. .

جسلر: أود أن أراك تصيب بسهمك تفاحة على مسافة مائة خطوة!

تل: هل تشترط أن يمسكها ولدي!

جسلر: كلا

تل: تقول كلا! إذن سينفذ سهمي منها

جسلر: ولكنها ستوضع على رأسه!

تل: يا إلهي! ماذا تسمع أذناي!

جسلر: أنك قد فهمت الآن ما عرضته عليك، وأنها الفرصة أنحتها لك لتظهر فيها مهارتك التي طالما تحدثت بها الركبان وليس أمامك غير الموت لك ولأبنك. . . فأختر لنفسك خصلة من الاثنتين. . . ولا مناص لك من الاختيار!

تل: أيها الوحش! جسلر: أتريد أن تختار!

البرت: لقد أختار!! لقد أختار!. . سيرمي التفاحة!

تل: (في ذهول. . .) أيها الوحش الضاري! أتريد من الأب أن يقتل أبنه بيديه!!

جسلر: حلوا وثاقه إذا قبل بما عرضته عليه. .

تل: (مستمرا في ذهوله) يقتل أبنه بيديه. . .!

جسلر: هل قبل!!

البرت: نعم لقد قبل!

(يشير جسلر إلى ضباطه فيتقدمون إلى تل ويحلون يديه من الأغلال وتل في ذهول عميق لا يحس ما يفعلون)

تل: (مستمرا. .) يقتل أبنه بيديه! نعم! يريد من الأب أن يقتل ولده! يا لرحمة السماء! أنه أمر فظيع تهتز منه رواسي الجبال!!. . . أنه أمر وهيب. . . يا إلهي. .! (يحلون جميع الأغلال فتسقط السلاسل على الأرض ويسمع لها صوت يعيد تل إلى وعيه) أيها الأوغاد ماذا كنتم تفعلون! أعيدوني إلى الأغلال أعيدوني إليها! إنني لم أقتل ولدي إرضاء لجسلر!

البرت (باكيا) أني!. . أني!. . أني. . .! إن سهمك لن يؤذيني!

تل: لن يؤذيك؟ كيف يمكن ذلك؟ إن لم تحطم السهم دماغك فسيذهب بإحدى عينيك! وإذا لم يذهب عينيك فسيمزق هذا الخد الذي طالما رأيت شفتي أمك تغمره بقبلات الحنان والشوق الشديد، والحب الجارف العميق. . لن يؤذيك يا إلهي!. . إن قلب أمك سيحطم لو مست شعرة من رأسك!

جسلر: هل رضيت!

تل: هل رضيت بقتل ولدي أيها الطاغية!

البرت: كلا يا أبي كلا! إنك بذلك تنقذني! أنني واثق من مهارتك وقدرتك على إصابة الهدف. . أبي! (باكياً) ألا تريد أن تنقذ حياتي.!

تل: إذن. . . هيا بنا. . . . هيا بنا. . . سأجرب هذه التجربة القاسية!

البرت: شكراً لك يا أبي!

تل: أتشكرني! امقدر أنت جسامة ما أنت مقدم عليه! كلا. . . كلا. . . لن أقبل بهذه التجربة! إنها تجربة تكون نهايتها أن أحمل ولدي بين ذراعي جثة هامدة إلى أمه!

جسلر: إذن فسيموت أمامك هذه اللحظة! وستكون أنت سبب ذلك. أتيحت لك الفرصة لإنقاذ حياتها فلم تهتبلها!

تل: حسناً! سأفعل! سأفعل!

البرت: أبي!

تل: صه! لا تتحدث إلي! لا تجعل لي مجالا لسماع صوتك

كن حيث اللسان! ليمت كل شيء حولي! الأرض والمخلوقات والانسام. . . أيتها السماء! أرسلي صواعق غضبك وامنعي وقوع هذا الجرم الفظيع. . .! إلى. . . إلى. . . بقوسي! وبجعبتي!

جسلر: ليس الآن! سيعطيان لك في الوقت المناسب!

تل: هيا بنا؛ إلى الجرمية الرهيبة؛ إلى العمل الوحشي الفظيع؛ إلى الموت.

المنظر الثاني

يدخل جمهرة من الرجال والنساء. والأولاد والبنات. . . يسيرون سيراً بطيئاً - جسلر - وتل - والبرت وجنود يحمل أحدهم قوس تل وجعبته، ويحمل الآخر سلة من التفاح)

جسلر: قف في هذا المكان. وستقاس المسافة من هذا الموضع مائة خطوة قيسوا المسافة؛

تل: هل المسافة مائة خطوة بالضبط

جسلر: ما شأنك وهذا؟

تل: وأنت ما شأنك أيضاً؛ قد يكون الخطأ صغيراً وصغيراً جداً. . . خطوة. . . وخطوتين. . . أو أكثر من ذلك. . . أمور تافهة! أتحسبني أفوق سهمي إلى ذئب!

جسلر: أحمد الله أيها الوغد الحقير! إنك تحت رحمتي! وأنا الذي منحتك الحياة التي أنت فيها الآن!

تل: سأكون شاكراً فضلك وجميلك يا جسلر! (يتلفت إلى الذي يقيس المسافة) أيها الوغد! إنك تقيسها في اتجاه الشمس!

جسلر: وما شأن الشمس في المسافة؟ ماذا تستفيد من ذلك إذا كانت المسافة في اتجاه الشمس أو في عكسها؟ تل: أفضل أن تكون الشمس ورائي. ينبغي أن يشع نور الشمس على الهدف وليس على وجه الرامي. ليس في مقدوري أن ارمي والشمس في وجهي. . . ولن أفعل ذلك أبداً.

جسلر: ليكن ما تريد أن السبب الذي ذكرته قد حرك الرحمة في قلبي!

تل: سوف أذكر ذلك. . . أود أن أرى التفاحة التي ستكون هدف سهمي!

جسلر: قف أبى بسلة التفاح هي تلك

تل: أنك قد تخيرت أصغرها حجما

جسلر: لقد تعمدت ذلك!

تل: أو صحيح ما تقول لكن لونها معتم كما ترى! أفضل أن تكون بيضاء اللون لأراها جيدا!

جسلر: لا يمكن تبديلها. . . وستكون مهارتك عظيمة إذا أصبتها!

تل: نعم. . . نعم. . . إن ذلك لم يدر بخلدي مطلقا. . . أن العجب ليأخذني من هذا المنطق. . . أرجو أن تتيح لي فرصة أنقذ بها حياة ولدي، (يرمي التفاحة إلى الأرض بكل قوته) لن أقترف جريمة قتل ولدي إذا كان ذلك في استطاعتي. لو أفعل ذلك تخاذلا أمام مظاهر القوة التي لا تعرف الرحمة.

جسلر: إذن تخير التفاحة التي تريدها.

تل: (يحملق في الجمهور المحتشد حوله) أيها الناس الذين حولي أبينكم صديق؟

فرتر: (يتقدم إليه مسرعا) أنا الصديق ياتل!

تل: شكراً لك يا فرتر، أنك الصديق الذي أرسلته السم ليمد إلى يد العون في أحرج ساعات حياتي تهتز وتضطرب في أرجوحة القدر أمام عيني. أصغ إلى يا فرتر! مهما تكن نتائج هذه الساعة الحرجة، فعليكم الثبات إلى النهاية. لا تجعلوا نور الغد يشرق وعلم الطاغية يرفرف في الفضاء فرتر. فرتر. يا صديقي أتحسب أن لدى الولد شجاعة تجعله يحتمل ذلك الموقف الرهيب وهو في جفن الردى.

فرتر: نعم.

تل: (دون أن ينظر إلى البرت) كيف ترى ملامح وجهه

فرتر: طلق المحيا. كثير الابتسام، وإذا شككت في ذا فأنظر إليه؟ تل: كلا! كلا! حسبي أن أسمع ذلك منه يا صديقي!

فرتر: أنه ليبدو في شجاعة لا تتناسب مع عمره!

تل: إنني أعرف ذلك. إنني أعرف ذلك!

فرتر: ويبدو في ثبات منقطع النظير!

تل: إنني متأكد من ذلك.

فرتر: وينظر إليك بعينين يفيض منهما الحب العميق والتقديس

تل: حسبك يا فرتر! كفى بربك! أصمت رحمة بي! لا تحدثني عنه بهذه اللهجة فأخانا أبوه الذي سيكون جلاده بعد لحظات! لا تحدثني عنه يا صديقي! سأحمل بين جنبي قلباً أقسى من الصوان! أقسى من الصوان! أقسى من قلب الطاغية! لا تجعلني أحس بعاطفة الأبوة! خذ البرت وأوقفه متجها بظهره إلى! دعه يركع على ركبته! وضع التفاحة على رأسه! وليكن عنقها في اتجاهي! أطلب منه أن يكون شجاعا! وأن لا يتحرك وأكد له أنني سأصيب التفاحة. . . قل به كل هذا بأقل الكلمات؟

فرتر: اتبعني يا البرت؟ (يمسك بيده)

البرت: ألا تسمح لي بالتحدث إلى أبي قبل السير؟

فرتر: كلا؟

البرت: أريد أن أقبل يديه؟

فرتر: يجب أن لا تفعل ذلك؟

البرت: يجب أن أفعل. . . لا أقوى على مغادرته دون ذلك؟

فرتر: أنه يريد منك أن لا تفعل شيئا من هذا النوع؟

البرت: أهي اراؤه؟ إنني راض بها. . . هيا بنا؟

تل: إذا كنت لا تستطيع أنت ترني قبل وداعي يا البرت فكي أحتمل ذلك أذهب الآن، وأذكر وأنت في موقفك الرهيب أن أباك يجيد الرماية. لا تتحرك فسأصيب التفاحة. . . أذهب يا بني. . . ليرحمني ويرحمك الله أذهب أذهب أين قوسي (يقدمون له القوس يخاطبه وهو نظر إليه) أحب أنك لن لا تخذلن في أرهب ساعة من ساعات حياتي يا قوسي لقد كنت الساعد والعون في الماضي وأنا واثق في إخلاصك إلى بجعبتي جسلر: أعطوه سهماً واحد فقط

تل: (ينظر إلى الجندي) أتجيد الرماية؟

الجندي: نعم

تل: أذن كيف اخترت لي هذا السهم أيها الصديق؟ ألا ترى أن رأسه غير مدبب، وأسفله مكسور (يكسره وبرميه إلى الأرض) هذا ما يصلح له. . . .

جسلر: أعطوه سمهاً آخر.

تل: أنه أحسن من الأول؛ ولكنه لا يصلح لهدف من هذا النوع. أنه ثقيل. أنني لن أرني به عن القوس. (يرميه إلى الأرض) اسمحوا لي بجعبتي - أحضروها. أنني لا تخير سمهاً من عشرين لأرمي به حمامة؛ فكيف بحمامة كالتي أمامي!

جسلر: أعطوه الجعبة ولا مانع لدي!

تل: (لفرتر) انظر إلى الولد هل هو مستعد!

فرتر: أنه كذلك.

تل: وأنا كذلك أيضا. أصمت يا فرتر إكراماً لله ولا تتحرك - وأبتهل إلى الله بصلواتك. أدعو الله وأشهد فيما إذا أصيب بأنني ما أقدمت على ذلك إلا حرصاً على حياته (يتلفت إلى الناس) أيها الأصدقاء. . . رحمة بي. . . لا تتحركوا وأصمتوا (يفوق السهم. تنبعث أصوات الفرح كهزيم الرعد من الجمهور يسقط على الأرض مغمي عليه. . .

فرتر: (مسرعا يا لبرت) لقد أنقذ الولد، ولم يمس السهم شعرة من رأسه.

البرت: (باكيا) أبي! أبي! لقد أنقذتني، أبي! العزيز! لقد أنقذتني من الموت! أبي! تحدت ألي! أستمع إلى صوتي!

فرتر: أنه لا يستطيع التحدث إليك أيها الصبي أصمت البرت (إلى جسلر) أوهبت له الحياة!

جسلر: لقد وهبت لكما الحياة.

البرت: وعفوت عنا؟

جسلر: نعم

البرت: شكراً لك يا إلهي شكر لك يا ربي فرتر: (إلى الجمهور المحتشد حول تل) أيها الناس ابتعدوا عنه افتحوا صداره دعوا الهواء الطلق ينفذ إليه (يفتح البرت صدار والده. يسقط سهم تحت الصدار فيراد جسلر. يعود تل إلى وعيه فيرى البرت منضمة إلى صدره.

تل: ولدي! ولدي! حبيبي!

جلسر: لماذا أخفيت هذا السهم في صدرك؟

تل: لا قتلك به أيها الطاغية إذا نفذ سهم القدر في ولدي!

أصوات الفرح تنبعث من الجمهور وتتلاشى رويدا رويدا ستار

دار المعلمين الريفية - بغداد

علي محمد سرطاوي