مجلة الرسالة/العدد 891/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 891/البريد الأدبي
أيقظة أم غفلة؟
بعدد المصور الصادر في الثالث عشر من هذا الشهر أقصوصة للسيدة أمينة السعيد بعنوان (يقظة) ما كدت استرسل في قراءتها حتى ذكرت أنني قرأتها قبل ذلك في لغة غير اللغة العربية. ورجعت إلى مكتبتي فوقعت على المجلة المنشورة بها القصة وهي مجلة سينمائية معروفة بإسم بعددها رقم 405 من المجلد السادس عشر الصادر في الخامس من شهر فبراير سنة 1927 وقد عرضت منذ سنوات على الستار الفضي بعنوان الأحمق
وما نأخذه على السيدة أمينة السعيد نأخذه كذلك على جمهرة القصصيين المصريين الذين يسقطون على القصص الأجنبي فيتناولونه بالمسخ والتشويه حتى غدت هذه الظاهرة من الظاهرات السخيفة الجديرة بالمحاربة ضناً على مجتمعنا من تلقيحه بالعادات الغربية والأخلاق الأجنبية - ذلك أننا نرى الواحد من هؤلاء القصصيين ينقل القصة الإفرنجية مع تغير لا يتناول غير أسماء الشخوص؛ فهي في القصة الأصلية شخوص أجنبية وفي القصة المنقولة شخوص مصرية؛ ولكن الناقل يفوته أن الشخوص المنقولة شخوص باهتة والجو الأجنبي يشي بالسرقة فتبدو القصة على الجهد المبذول لإخفاء السرقة أجنبية لحماً ودما.
ففي قصة (يقظة) التي نقلها السيدة أمينة السعيد عن قصة (الأحمق) السينمائية إخفاق تام في عرض الفكرة السيكولوجية التي تدور عليها حوادث القصة وهي فكرة (الخوف) وكيفية قهره على سند من علم النفس. . . هذا فضلاً عن أن (بارى) بطل القصة الأجنبية لم تستطع براعة الناقلة أن تجعله أحمد أو حسناً عند ما خلعت عن رأسه القبعة ووضعت عليه الطربوش للاختلاف الكبير بين العادات المصرية والأجنبية، ذلك الاختلاف الذي ظهر واضحاً في سلسلة الحوادث المفتعلة التي ساقتها والتي انتهت بمشهد التلاحم بالأيدي والأرجل في ناد راق من الأندية الرياضية الذي ينتظم في سلكه الجنسين؟.
. . وثمة بدهية أولية في فن القصة يجهلها أكثر النقلة عندنا وهي أن هذا الفن يقوم على دعامتين: دعامة الفن ودعامة الشخصية. . فلئن صح أن استطاع الناقل أن ينقل القصة نقلا سليما من الوجهة الفنية فإنه لا مشاحة ملغ شخصيته لأنه إنما ينقل شخصيات الكتاب الذين ينقل عنهم، وهكذا لا تكون له شخصية مستقلة أبداً. . . وهذا هو السر في أن أكث كتابنا القصصيين ليست لهم شخصيات متميزة. . . وهو السر أيضاً في ضعف القصة عندنا. . .
كمال رستم
في محيط التربية: (بين الرغبة والرهبة)
بعد تلك المناقشات التي دارت بين رجال التربية في مشاكل الأطفال والشباب وها قد وضح الداء وأستفحل ولم نصل بعد إلى الدواء فقد عز وندر، مما يجعلني أنظر إلى الوراء قليلا فأسطر مأخوذاً بموقف آبائنا من المربين في تربيتهم وطرق تأديتهم، وما كان لهم من أثر ملحوظ، وهمة مشكورة، وروحانية شاملة.
ولا أكون مغالياً إذا قلت: إن المربين في العصور السابقة كانت لهم شخصيات خاصة تمتاز بالفراسة المبنية على التجارب دون الاستعانة بعلم النفس أو بغيره من العلوم الحديثة.
ذلك أنهم كانوا يأخذون بالشدة ومن غير هوادة أو لين من يرونه بالبداهة جامد الحس بليد الذهن تصلحه العصا وما يتبعها من توبيخ وتقريع، ويتركون غيره المزمن يصقله ويهذبه ممن يلمسون فيه نوعا من الفهم والحذق تلهبه البشاشة وتزكيه الكلمة الطيبة الصغيرة والمعاملة الحسنة التي تشير من طرف خفي إلى محاسن الأخلاق والعادات.
ويزداد عجبي أن تسير تلك النظرة بخطة ثابتة على مر العصور تفتش وتستوعب بل وتعالج ذلك التنافر والتباين بين الأطفال من كل طبقة ووسط.
ولقد كانت تلك النظرة الممزوجة بالفراسة، هي العلاج الموحي إلى عقول الأطفال، فهي تهذب وتعالج في صمت دائم، يحس بذلك الطفل، وقد نظر إليه معلمه نظرة مناسبة لحاله، تشير إلى تأنيب شديد أو عقاب صارم. وما أمر تلك الحكمة الخالدة يخاف علينا (عصا المعلم من الجنة) فتراه يحاسب نفسه) فيزن أعماله بالميزان الذي يسير عليه العالم الذي حوله.
ومن هنا يزداد الطفل إيماناً بأن لكل نفس مريضة دواءها، ولكل نفس تتوق إلى الشر والخمول عقابها، فتراه يقيس نفسه بمقياس ما يراه حوله - وتلك لعمري كانت حالنا في الأزمنة السابقة؛ أما حالنا اليوم وفي عصرنا الراهن فهو - مع الأسف الشديد - محاولة غمر الطفل بوابل من العطف والرأفة والرقة على حساب العلم، وإحاطته بسياج من الدلال وقوة القانون، ومن هنا شلت يد المربي فأصبح كالجندي الأعزل، حيث لم يحسب لميول الطفولة حسابها، وفيهم من تكفيه النظرة، ومنهم من لا يخاف ولا يرعوي إلا من العصا وما يتبعها من عقاب.
وقد نشأ عن ذلك ما نراه في هذه الأيام من تحلل في أخلاق الشبيبة، وعدم اهتمامهم بالقائمين على تربيتهم، إما بمعاكستهم وإغضابهم أو محاولة الاستهزاء بهم وإهانتهم بل وثورتهم على النظام والعلم، وما أمر تلك الحوادث المؤسفة التي حدثت أخيراً ببعيد.
وها نحن أولاء نشاهد تخلي الشباب عن القيم الأخلاقية وتحليه بما يسمونه الحرية وهي التي بعدت بهم عن العلم وآدابه، وبذلك رفع الإخلاص الذي كان حلقة اتصال بين المربي وتلميذه، فقل الاهتمام وزاد الجهل وغاض معين الوفاء وضاعت المروءة.
فيا ليت شعري أين نحن من الاحترام الذي كنا نحس به لمعلمينا الأماثل في الأزمنة الماضية، لقد كنا نحس بجلال وهيبة دونها جلال الوالدين. بل أين نحن الآن من تلك الآداب السامية وقد جرد منها - مع الأسف - أكثر شبابنا في هذه الأيام؟
على أنني لست أدري - وقد حفيت أقلامً الباحثين - ما منشأ هذه الحالة الأليمة التي وصل إليها شبابنا: أمن تطور الزمن وهو هو لم يتغير -؟ أم من آثار تلك الحرية التي أعطيت بلا حساب فكانت كسلاح حاد سلط على نحورهم وأخلاقهم؟ أم من تهاون المربين؟ أم من فساد الضمائر؟
لقد حيرني ما أراه بعيني في هذه الأيام فمن لي بمن بدلني على سبب ذلك الجحود وهذا الاستهتار الذي يباعد عن الاستفادة من العلم والاغتراف من مناهله العذبة:
ولكني أعتقد مع ذلك اعتقادا جازما بأن التربية الصحيحة والأخلاق المرضية تحيا وتترعرع في ظل الرغبة والرهبة على شريطة استعمالها استعمالاً صحيحاً مبنيا على الفراسة الملهمة والتجارب السديدة السليمة.
شطانوف
محمد منصور خضر جاسوس لا جسوس
كتب في العدد 42 من مجلة الشرق العربي، أحد الزملاء يقول: (يغلط كثير من المصريين في هذا الاسم فيقولون جاسوس والصواب جسوس بفتح الجيم وضم السين المشددة. . .) وأعتقد أن الاستعمال الأصح هو جاسوس لا جسوس كما يقول الزميل. فقد جاء في الصباح المنير مادة (جس): جسه بيده جساً من باب قتل واجتسه ليتعرفه، وجس الأخبار وتجسسها تتبعها، ومنه الجاسوس لأنه يتتبع الأخبار ويفحص عن بواطن الأمور، ثم أستعير لنظر العين؟ والجاسة لغة في الحاسة والجمع الجواس.
وكذلك جاء في القاموس ج2 طبع المطبعة اليمنية:
الجس: المس باليد كالاجتساس وموضعه المجسة، وتفحص الأخبار كالتجسس، ومنه الجاسوس والجسيس لصاحب الشر، والجواس الحواس، وفي المثل: أحناكها مجاسها؛ لأن الإبل إذا أحسنت الأكل اكتفى الناظر بذلك في معرفة سمنها من أن يجسها. وجسه بعينه أحد النظر إليه، والجساسة دابة تكون في الجزائر تجس الأخبار فتأتي بها الرجال.
وعبد الرحمن بن جساس من أتباع التابعين. وجس بكسر الجيم زجر البعير. ولا تجسسوا أي خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله عز وجل ولا تفحصوا عن بواطن الأمور وتبحثوا عن العورات. واجتست الإبل الكلأ رعته بمجاسها.
ومثل هذا ما جاء في لسان العرب وغيره من كتب اللغة. وللزميل تحيتي وتقديري
عبد الموجود عبد الحافظ