مجلة الرسالة/العدد 876/رسالة الشعراء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 876/رسالة الشعراء

ملاحظات: بتاريخ: 17 - 04 - 1950



في ليلة عيد

كثيراً ما يستلهم الشاعر قصة شعره من عالم الخيال ليجعلها مسرحاً لمعانيه. ولكنني - في هذا الذي بين يديك - كنت في غنى عن ذلك. فلقد نقلته من دنيا الواقع، إذ شهدت نهايته في لبنان، وعرفت بدايته هناك. . . (في البلد الذي تخف به حدائق الليمون). فقضى شيطان الشعر أن أسرده ففعلت.)

تناهت به سالفات الذكر ... إلى عالم من نعيم غبرْ

يهيم بأفيائه الوارفات ... وقد أغلفته صروف القدر

فأصباحه مشرقات في ركبه ... فينهل منها بشتى الصور

وبمرح ملء رداء الشباب ... فؤاد خلي وعيش نضر

إذا ذكر الصب عهد الحبيب ... وما ذاق من صده أو رضاه

وحدث عن أمسيات اللقاء ... وجفوة معشوق إن جفاه!

ففي أم طفلته ما أفاء ... عليه الحبور وبرد الحياء!

وجنبه موبقات اليسار ... وشط به عن مغاني هواه!

فعاش صدوقاً نقي الأزار ... بعيد الأماني فيما ابتغاه

وكر الزمان وئيد الخطى ... وطفلته شغله الشاغلُ

يفيض عليها ضروب النعيم ... ويغمرها عطفه الشامل

فتعبر دنيا صباها الغرير ... وبيرحها عهده الآملُ

وتقبل في خطوات الشباب ... كظبي تأثرَّه الحابلُ

تميس ببرد جمال مهب ... يسانده خلق كامل. .

ومرت خطوب تشيب الوليد ... بما حل من هولها المفزع

فيوم حصار كيوم الوعيد ... اقضوا به ساكن المهجع

ويوماً يساق أبات الرجال ... إلى محشر دافق مترع

فنمهم اذاقوه مر العذاب ... ومنهم تولى فلم يرجع

ومن قام يتلو نشيد السلام ... أفاق على نغم المداف وأقبل يوم كئيب الصباح ... بغيض المحيا لما جاء فيه!

فشيخ يعض على راحتيه ... ويندب في القوم صرعا بنيه

وطفل بدا هدفاً للرصاص ... فخر على مشهد من أبيه

وقوم حيارى أضلوا السبيل ... فكل أخ ذاهل عن أخيه

مضى بينهم ليس يدري المصير ... إلى هدف لم يكن يبتغيه

وفي أرض لبنان بعد العناء ... وطول السرى كان غب المسير

تناجيه (ليلى) غداة استقر ... أحلفت أمي وما من نصير؟

فيمضي يعللها بالمنى ... إذا أردفت بأين صوت الضمير!

غداً يا ابنتي الجحفل اليعربي ... يذيق أعاديك سوء النكير!

غداً يجمع الشمل بعد الشتات ... متى انقض جيش (العزيز) المغير

وتغمض إغماضة المطمئن ... وتغفو على الأمل المشرق

صباح غد هو عيد الأضاحي ... فكيف يطل ولم يألق!

ولم تك تعلم أن الزمان ... يداهم بالحادث المطبق!

وان أباها حليف الطوى ... يبيت من الهم في مأزق!

وان البلاد انتهت للعدو ... بكيد امرئ قط لم يتق. .

مواكب شتى من الذكريات ... تعيد له الصور الدامية

توالت عليه إزاء الغروب ... فكانت هي الظلمة الثانية!

لقد حطم اليأس آماله ... فخلفها مزقاً بالية

وأنحى عليه الضنى ما استطاع ... بقبضة سورته العاتية

فخر على وجهه للثرى ... وأسلم أنفاسه الواهية. .

فيالك عيداً تكالب فيه ... عديد من المحن القاصمة!

فأصبح يجمع أشثاثها ... لتحدق بالغادة النائمة!

فيا ليته امتد هذا الرقاد ... وظلت بآفاقه حالمة!

متى قاومت عاصفات الرياح ... وطغيانها الزهرة الناعمة!

هو الدهر أسلمها للهوان ... فآثرت الطعنة الحاسمة. .

ومتع بالعيد أصحابه ... وإن وسدوا الهالكين الثرى!

أما رددوا - إن قضى لاجيء ... (لقد باع أوطانه فاشترى)!

فيا أيها الشعب حتى متى ... يضللك الخصم فيما افترى!

تدبر أمورك قبل الضياع ... فها هو ذا العلج قد دبرا!

وبادر عدوك في وكره ... وإلا ارتقب يومك الأغبر!

محمد سليم الرشدان