مجلة الرسالة/العدد 862/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 862/البريد الأدبي
اقتبست ولم أسرق
قرأت في العدد 857 من مجلة الرسالة الزاهرة كلمة للأستاذ أنور المعداوي بعنوان (يسطون على أدب الزيات ثم لا يخجلون) قرأت المقال وقد اعتراني ذهول شديد إذ لم يسبق لي أن طالعت العدد المشار إليه من جريدة النهضة العراقية وذلك لوجودي خارج العراق، وقد أخذ العجب مني كل مأخذ، ونال الذهول مني كل منال، حين اتهمت بالسطو على أستاذي الكبير أحمد حسن الزيات. والحقيقة إني أحترم الأستاذ الزيات وأجل أدبه واحفظ من نثره ما لا أحفظ لغيره من كتاب عصره. ولفرط إعجابي بأسلوبه البليغ ومقالاته الرصينة حفزني ذلك إلى أن أنقل بعض فقرات من مقاله المنشور في صحيفة 262 من كتاب (وحي الرسالة) وقد حصرت هذه الفقرات بين أقواس كما يتضح لكل من اطلع على صورة مقالي المنشور في جريدة النهضة العراقية في السنة الماضية. ولعل الأديب السيد خالد ياسين الهاشمي يريد الدس فحرر هذه المقالة في جريدة النهضة بدافع غير شريف. وأخيراً أقدم كلمة عتاب متواضعة للأستاذ أنور المعداوي الذي تعجل في هجومه عليَّ من دون ذنب جنيته. وفي الختام أقدم لأستاذي الكبير الزيات إعجابي، ولمجلته الزاهرة خالص التجلة، وللأستاذ المعداوي بالغ الاحترام.
بغداد
عبد الخالق عبد الرحمن
أخي الاهواني
لن أثني مثنياً، وما بي ونى عن وفاء، أو فترة في أيفاء، أو مرود عن جزاء. لكنا أخشى الرائبة تريب أمرينا وتعدو طورها فتهرف بأنا عقدناه حواراً نستنظف به المديح.
وعذيري أنت إن أخضتك غير مخاضناً، فنفثت إليك شكاتي من أصاحيب رغبوا من كثر اللغة إلى قلها، ورضوا بنزرها دون وفرها. فما في غير المعروف المعدود مقنعهم، ولا دون ما انضمت عليه الجعبة منشود هم. ولو في حبلهم حطبنا، وعن قوسهم نزعنا لركمنا إلى الموات مواتاً، ونفضنا اليدين من ألفاظ ما ولدت إلا لتعيش، وما هي بالمتنافرة فتنبذ، ولا بالمخشوشنة فتلفظ.
وما أحشد العامة لما احشد له الخاصة، ولكل مقام مقال. وبعد، فالشوط بطين، احسبنا عند المدى أو دونه بقليل فلنختم الحديث هنا، لنبدأه بعد في غير حلبة النفس.
وأراك تذكر الحكيم الترمذي ولا تنظر إلى قول ابن العربي (اختلفوا في النفس والروح، فقيل هما شيء واحد وقيل هما متقاربان. وقد يعبر عن النفس بالروح وبالعكس، وهو الحق).
ونسيبه قول من عزب عن بالي ربه (النفس جوهر بخاري لطيف يحمل قوة الحياة والحس والحركة الإرادية، وتسمى بالروح الحيوانية).
وغير هذين فقولي في (التنفيس) رد للفرع إلى أصله المشتق منه، ويبهرك مسوق ابن فارس (شيء نفيس، أراد أنه ذو نفس بالتحريك). وتظنك مفسداً عليه مقيسه بخشاش الأرض وأصلالها.
وفاتك أن الحي ذا النفس نفيس، إن قيس بفاقده. ذاك أصله. واذكر علته (أراد أنه ذو نفس).
ويحضرني هنا لابن جنى في الاشتقاق الأكبر قوله (هو أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثة، أي الثلاثي والرباعي والخماسي، فتعقد عليه. وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه وإن تباعد شيء من ذلك رد بلطف الصنعة والتأويل إليه).
وإن شئت على ذلك مثلاً أو مثلين فخذ (ك ل م) و (ق ول) في تقليبهما الستة. فتجد تقليب أولاهما على القوة والشدة، وتقليب ثانيتهما على الإسراع والخفة.
(والنفث) يا سائلي أصل صحيح يدل على خروج شيء من فم أو غيره. فبينه وبين (النفس) جامعة الخروج. وأحدهما أعم والآخر أخص.
(والنفش) مرده كما قلت إلى التفرقة والانتشار. أو ليس انفصال شيء عن شيء وخروجه عنه انتشاراً وتفرقاً؟
وتصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني غور من العربية لا ينتصف منه. من ذاك (ج ب ل) و (ج ب ن) و (ج ب ر) فجميعها من الالتئام والتماسك. فالجبل لشدته وقوته، والجبان لأنه يستمسك ويتوقف ويتجمع، والجبر في العظم وغيره لتقويته.
وأصول الثلاثي: حرف يبتدأ به، وحرف يحشى به، وحرف يوقف عليه. ومعنانا الذي ندور حوله هنا كما تقول محاكاة صوت وحرفه السين أو ما تنقلب إليه والفاء حشو، والنون ابتداء.
وبعد ألم أحدثك حديثي عن طول نفس الأديب، ألم أسق إليك ما وصى به أبو سفيان ابنه شاهداً.
وطيبه، ألم اسق إليك فيه علته، وان النفس مشموم بما يصدر عنه. وهو من الأديب نتاجه، وأنت حين تشم أنفاس العطور فتراح لأشد نشوة حين تسمع إلى قول الشاعر:
العذل والتفنيد غير صواب ... مع أربع أصبحن من أصحابي
نفس الربيع وصبوة عذرية ... ومدامة تجلي وشرخ شباب
إبراهيم الابياري
إلى الأستاذ كامل محمود حبيب
قد اطلعت على مقالك المعنون بحماقة آب في العدد 858 من الرسالة فخلبتني موسيقية ألفاظه وطلاوة عبارته وبراعة أسلوبه ورصانته، وسحرني ما خلعت عليه من عرائس البيان التي ترنمت فأطربتني لكن بغير لسان، وتركت في الفؤاد أثراً دونه وقع رنات المثان!
ولما انتهيت إلى قولك: (والآن ماذا يختلج في فؤادك الخ) لم ترقني خاتمته على هذا النحو؛ لأن القارئ يميل إلى أن يعرف نهاية القصة بأسلوب ترتاح إليه نفسه، ويطمئن له قلبه، وتسكن عنده خلجاته. وأنت قد أبهمت مصير حياة الرجل فلم نعرف: أتخاذل أمام الحزن فهلك تحت كلكله؟ - أم صارع أمواجه ولم يستسلم له؟ وهل رضيت زوجته بمرارة الفقر المفاجئ، وسفعات البؤس المباغت؟ أم فرت إلى بلهنية العيش ورغد الحياة في كنف أسرتها؟
وتعبيرك في آخر القصة (وتنوء تحت أثقال ثلاثة من الفاقة والشيخوخة والوحدة) يفيد أن الرجل فقد كل شيء حتى زوجته وأنت لم تنوء بها في حوادث القصة كما نوهت بفرار الابن. وكيف كان أخوته إزاء حالته؟ أشمتوا به جزاء ما فعل معهم فكانوا عليه ضغثاً على إبالة؟ أم دفعوا إساءته إليهم ومقاطعته إياهم بإحسانهم إليه بمواساته؟
وهل الحامل للابن على الفرار هو خشية أن يصمه عار الفقر وذل السؤال كما قلت أم خشية أن يتساقط لحم وجهه خجلاً حينما ترنو إليه عين أبيه بعدما أفرخ الدهر بيضته وكشف سرّه؟ أظن أن الثاني أقوى تدعيماً لفكرة الفرار. كل ذلك مما يلفت الأنظار. ويثير الارتياب عند قراءة المقال!
أما اختتامه بما يدور في خلده ويختلج في فؤاده دون أن تبين على أي حال استقرت سفينة حياته لا ينقع للنفس غلة ولا يشفي منها علة. .!!
حمدي محمد فرغلي عثمان
العدد الممتاز
صدر العدد الهجري الممتاز حافلاً كشأنه بالموضوعات الحيوية الممتازة مملوءاً بالمقالات القيمة التي تكشف عن سر عظمة التشريع الإسلامي صاحب ذلك التشريع، وتبين ما تحويه الهجرة من معان سامية وآيات عالية هي قيام ذلك الدين وارتفاع بنيانه وإعزاز أهله وانتشار روح الحب والإخاء والإيثار بين أتباعه، وترفع الستار عن مواقع الزلل وبؤر الفتنة والغواية التي تردينا فيها وارتدغنا في حمأتها فتنكبنا الطريق وضللنا السبيل وعمينا عن الحق والواجب وأصبحنا في هذه الحياة نحيا حياة السوائم في مرعى اللئام. اللئام الذين أسكناهم فطردونا، وأشبعناهم فأكلونا، وكسوناهم فعرونا، وأعززناهم فأذلونا. . وإني لأتساءل في لهفة وحرقة هل يقرأ عظماؤنا ومن بيدهم مقاليد الأمور (في ذلك البلد المسكين) هذا الكلام وهل يعيرونه انتباهاً ويلقون إليه بالاً؟ وهل يدور بخاطرهم ويمر بخيالهم أننا كنا في يوم من الأيام نسيطر على هذا العالم وندير دفته ونملأه بالعدل والفضيلة ونحوطه بالعناية والرعاية؟ وهل يذكرون أن الرشيد مرت فوق رأسه سحابة فقال لها (أيتها السحابة أمطري أينما شئت فإن خراجك لي).
هل يذكرون هذا أم هم في غمرة ساهون؟
أرجو أن يذكروا هذا فتتيقظ قلوبهم وتتنبه نفوسهم وتضيء بين جوانحهم وتلك الومضات التي أطفأها الزمن وذهب بنورها تقلب الليل والنهار (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) عندئذ نستطيع أن نهتف في سمع الزمن قائلين (هذه بضاعتنا ردت إلينا)
سليمان محمود عطا
معهد قنا الديني
أخطاء مطبعية:
لم يخل مقالي (إيمان عظيم) المنشور بالعدد الهجري من الرسالة من بعض أخطاء مطبعية تركت أثرها في السياق، أما هذه الأخطاء فقد رأيت أن أثبتها هنا مع التصحيح حتى لا أظلم فطنة القراء.
وردت في المقال هذه العبارة: (وفي الفن تسطع ومضات الرؤى ويتوهج الأحلام، وفي الإنسانية تشف ببضات الهوى وتفيض منابع الأحلام. . ثم: (وحسبها أن تهب قلبها لمن تحب، وحسبها أن تفنى فيه وتذر له الحياة) صحتها: (وحسبها أن تفنى فيه وتنذر له الحياة). . كما ورد هذا البيت:
فما الحمد في ذا، ولا ذاك لي ... ولكن الحمد في ذا وذاكا
وصحته:
فما الحمد في ذا، ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
بعد هذا وردت هذه العبارة، وإني لأرى ذراعي قد سمن لأحزن) وصحتها: إني لأرى ذراعي قد سمن فأحزن). . ثم: (وما أروع العقاب حين يصل المجد وصحتها: وما أروع العقاب المحب ثم أو في لحظة الهوى التي يخفت فيها صوت الشعور والوجدان) وصحتها: (لأنها في لحظة الهوى الصارم التي يخفت فيها العقل ليرتفع صوت الشعور والوجدان). . ثم: يضبر لي رأي من هذا العقاب الذي خطر لها يوماً أن تتوجه به إلى رحاب الخلق العظيم) وصحتها: لا ضير في رأيي.
أسف واعتذار:
بين يدي عدد كبير من رسائل القراء في مصر والبلاد العربية بعضها يحمل إلي أسئلة في محيط الأدب والفن تنتظر الجواب، وبعضها ينقل إلي عواطف نبيلة وتقديراً كريماً، وبعضها يطلب إلي أن أكتب (قصة الدموع التي شابت). . أما أصحاب القسم الأول من هذه الرسائل فيؤسفني جد الأسف ألا أستطيع الرد على أسئلتهم في الوقت الحاضر، حيث يشغلني عن ذلك ما أقوم به الآن من دراسة مطولة لشعر المغفور له الأستاذ علي محمود طه. ومما يؤسف له مرة أخرى أن تحول بعض الظروف بيني وبين كتابة المقال الخامس من هذه الدراسة في هذا العدد، وإلى العدد المقبل إن شاء الله. . وأما أصحاب القسم الثاني من هذه الرسائل فلهم شكري خالصاً على هذه النفحات الروحية السامية التي يوجهونها إلي من حين إلى حين. . ويبقى بعد ذلك: أصحاب القسم الثالث من هذه الرسائل وإليهم أقدم أسفي للمرة الثالثة واعتذاري، أن أبطال القصة التي يطلبونها إليَّ عرضها على صفحات (الرسالة) سيفجر مداد القلم - كما سبق أن قلت - دماء جراحهم إذا ما كتبت ولكنني أعدهم بكتابتها - كما سبق أن قلت أيضاً - يوم أن تهدأ الرياح وتلتئم الجراح، وتكسر أمواج المحنة على شواطئ النسيان.
أنور المعداوي.