مجلة الرسالة/العدد 858/بين الأمير شكيب وعزت باشا
مجلة الرسالة/العدد 858/بين الأمير شكيب وعزت باشا
كان المغفور له الأمير شكيب ارسلان صديقا حميما لصاحب المقام الرفيع عبد العزيز عزت باشا. وقد أقاما بسويسرة سنين متقاربين متقابلين وكان يتحف صديقه من وقت إلى أخر بفكاهة أو نكتة مليحة تسلية له وللأصدقاء.
وحصل أن مرض الأمير شكيب وقام بعلاجه طبيبة الدكتور بيكل أحد مشاهير الأطباء في جنيف، وصارت بينهما وبين هذا الطبيب مودة، فنظم الأمير بعد شفائه قصيدة ثناء على الدكتور لاهتمامه به ونجاجه، وقد ضمنها أشياء أخرى من باب تسليه دفعها اصدقه رفعة الباشا ليترجم للدكتور مضمونها. وقد فعل.
ولقد ضمني ورفعة الباشا مجلس قص علينا فهي ما كان للأمير شكيب من حسن المحاضرة وجميل العاشرة؛ ومن بين ما عرضه علينا من آثار تلك القصيدة التي حوت مع أفاكه على حد قوله تحميداً وتوحيداً، فرأيت تسلية إقواء الرسالة بها إذا راقت لصاحبها الأستاذ الجليل والسلام.
أحمد نجيب برادة
قصيدة الأمير شكيب ارسلان
سيدي لا عدمته
أريد أن أسليك وأن افكهك من وقت إلى أخر. فإن اللذات لعقلية اهادور لا ينكر. فهذا آبيات نظمتها لتطربك، فيها نكات وملح، وفيها مواعظ وحكم، وفيها تحميد وتوحيد، والله المستعان.
أقول لبيكل مذ قد غدا ... يساوره دائي المعضل
قضى بك ربي شفاء لسقمي ... وربي لما شاءة يفعل
تفردت في حكماء الزمان ... فأنت بحق لهم أول
وأحسنت ترقيع شيخوختي ... فلله درك يابيكل
وكنت قليل الرجا في الحياة ... فعادت حياتي كما أومل
وذقت لعمري لذيذ الرقاد ... وهل للكرى مثل يعد وزاد اشتهائي لقضم الطعام ... فقد صلح النوم والمأكل
وقد كان لي نفس ضيق ... إذا بات يصعد أو يسفل
فقد رجعت رئتي حرة ... يجول بها النفس الأطول
وقد كنت أمشي ببطيء عظيم ... كمن قد غدا جبلا يحمل
وما كان خطوي خطوا ولكن ... خطى سحبتني بها الأرجل
فها أنذا صرت أمشي سريعا ... على قدر ما شئت أستعجل
وقد كنت أرجف بردا وإن ... تلك النار في جانبي تشعل
فقد صرت مستغنياً عن صلاها ... وأخرج ليلاً ولا أسأل
نعم قد أتاني أخيراً زكام ... وهذا بكل الورى ينزل
وكان سعال ومن ذا الذي ... يمر الشتاء ولا يسعل
على أنه قد مضى كله ... وعاد إلى صفوه المنهل
ومهما يكن المرء مستقصيا ... فلا بد من أن أنه يغفل
وينسى ولاسيما إن غدت ... هناك الخطوب التي تذهل
فاستغفر الله إني نسيت ... فللثوم في صحتي مدخل
وما في النبات لعمري نبات ... أجل من الثوم أو أمثل
كريه الروائح لكنما ... ثناه هو المسك والمندل
وأن الشرايين عند الشيوخ ... لتيبس من فرط ما تذبل
فبالثوم يمكن تليينها ... ومجرى الدماء به يسهل
فحييت ياثوم من بقلة ... خيوط الحياة بها توصل
معيد الشباب وفيه أكله ... يطول السباب ولا يأفل
وبيكل الثوم مستحسن ... ومن ذا الذي فضله يجهل
فحمدا لربي على صحتي ... إلا إنه وحده الموئل
عليه توكلت وهو اللطيف ... الذي من يرجيه لا يخذل
ولا بد لي من معاد ولكن ... معاد إلى الحق ولا يثقل
ومن حل يوماً بدار الكريم ... فياليت شعري هل يهمل نحب الحياة ولسنا لندري ... لعل الذي بعدها افضل
ولكن عمرا طويلا يلذ ... ويحلو لكل امرئ يعقل
وإنا برغم كروب الحياة ... لنرغب في أنها تمهل
وإن حياة الرجال العظام ... حياة لغيرهم تشمل
وإن حياة الرجال الكرام ... دوام الدعاء لها يجمل
فأبقاك ربي يا سيدي ... بثوب ألهنا دائماً ترفل
وأبقى ذويك جميعاً بخير ... سحائبه أبداً تهطل
عملت من الخير شيئاً كثيراً ... فأنعم فذا خير ما يعمل
الداعي شكيب أرسلان