مجلة الرسالة/العدد 845/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 845/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 845
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 12 - 09 - 1949



سلامة موسى يعارض التعليم الديني:

منذ أسابيع أصدر معالي وزير المعارف قراراً يجعل التعليم الديني مادة إجبارية في المدارس الابتدائية بعد أن كان مادة اختيارية لا يجب تحصيلها لاجتياز الامتحانات، فأصبح من المواد الأساسية التي لا بد من الامتحان فيها لبلوغ النجاح. وقد كان لهذا القرار موقع حسن في النفوس، اغتبط له كل من يقدرون أثر الدين في طبع الناشئة بطابعه، وتشُّرب نفوسهم روحه، وتبصيرهم بحقائقه، ليكونوا مواطنين متعاونين على الخير، متمسكين بالفضائل، متهجين نحو المثل العالية.

ولكن في مصر - مع الأسف - مفكراً حرا، أو هكذا يقولون، لم يغتبط لذلك، بل ابتأس له، واعتبره تخلفاً ورجعية. . . ذلك المفكر الحر المزعوم هو سلامة موسى، كتب مقالا في جريدة (النداء) بعنوان (الرجعية تتحدى الزمن) قال فيه: (ونحن نقرأ هذه الأيام عن حركات يراد منها تقييد التعليم في الجامعة، وبعث التعليم الديني في المدارس على الرغم مما سوف يحدثه من خلاف بل شجار بين المسلمين والأقباط) ولست أدري أين قرأ عن الحركات التي تقيد التعليم في الجامعة. وقال (. . . وعباس العقاد أيضاً يقول بأننا نكون شيوعيين حين نقول بفصل الدين عن الدولة، فهل فهم نهرو ذلك أيضاً؟ وهل كان شيوعياً عندما فصل دولة الهند عن ديانتها الهندوكية؟ إن لنهروا مذهباً في الوطنية وللرجعيين في مصر مذهباً آخر، فأيهما أصح؟) ثم قال (وأعود فأطلب المقارنة بين الساسة الهنود والساسة العرب في أقطار الشرق العربي كله، وأعود فأتساءل: هل نحن المصيبون وهم المخطئون أو العكس؟ لقد فصلت الهند الدين من الدولة في حين أننا شرعنا في تعليمه بالمدارس وجعلناه مادة أساسية).

وسلامة موسى، إذ يقول هذا الكلام ويفكر ذلك (التفكير الحر) إما أن يكون سيئ النية نحو الدين الإسلامي متعصباً ضده، وإما أنه يجهل حقائق هذا الدين فهو يكتب عن جهل ويدس أنفه فيما لا يعنيه، وقد يجتمع الأمران ولكني أوثر الإغضاء عن الأمر الأول، فحسبه جزاء عليه، إن كان، ما يجد من الغيظ في نفسه، وإذن لا أجد مناصاً من الأمر الثاني وهو جهل مفكرنا الحر حقائق الإسلام.

إن الإسلام ليس دين عزلة، وإنما هو نظام حياة وتشريع مجتمع، وتعليمه في المدارس يهدف إلى التهذيب والتثقيف وتطبيق شريعته على مسائل الحياة المختلفة. فهو يختلف عن الديانة الهندوكية، وأظن أن سلامة يعرف الهندوكية ويعرف ما يبرر فصلها عن الدولة في الهند، ولكن الذي لا يعرفه - على أحسن الفرضين السابقين - أن الإسلام ليس كالهندوكية في ذلك. فلا محل للمقارنة، التي بدأها وعاد إليها، بين ساسة الهنود وساسة العرب، وما كان أحراه أن يمسك بزمام (فكره الحر) فلا يدعه يخبط ذلك الخبط العجيب.

ومن جهل سلامة موسى أنه لا يعرف أن المجتمع الإسلامي عاش قروناً على الجمع بين الدين والدولة، وأن الأزمان التي أصابه فيها الضعف هي التي كان فيها الساسة يبعدون عن الدين، وأن المجتمع الإسلامي والدول الإسلامية كانت تحتضن علماء ومفكرين من غير المسلمين وتكرمهم وتحلهم المكان اللائق بهم، وأن هؤلاء وغيرهم من سائر المخالفين في الدين كانوا يعيشون مع المسلمين عيش المواطنين المتضامنين، فلم نسمع عن خلاف أو شجار حدث بسبب التعليم الديني بين المسلمين والمسيحيين، ولم نسمع أن أحداً من المسيحيين خرج على مقتضى الترابط الاجتماعي فآذى أحداً أو أطلق (أفكاراً حرة) كالتي يطلقها سلامة موسى في آخر الزمان. . .

وبعد فإن سلامة موسى يقول دائماً، ويردد مريدوه، إنه صاحب دعوة جديدة في الكتابة، تلغي العاطفة وتحكم العقل وتقوم على الاطلاع والبصر بالأمور، فهل ينطبق هذا على ما كتبه عن تعليم الدين الإسلامي بالمدارس ومقارنته بالهندوكية؟ لقد بينت أنه في ذلك إما صادراً عن التعصب أو الجهل أو كليهما، وفي التعصب (عاطفة) الكراهية، وفي الجهل جهل. . . فهل هذا من مقتضيات تلك الدعوة؟ أو هي (أفكار حرة والسلام!)؟

العصر الإذاعي:

تحدثت السيدة تماضر توفيق المذيعة، إلى محرر مجلة (الاستديو) بعد عودتهما من انجلترا حيث كانت تشترك في دراسات إذاعية بمحطة لندن، فجاء في حديثها عن الإذاعة البريطانية أنه لو حدث أن أذيع هناك حديث يخالف النهج المرسوم لأحاديث الإذاعة فإن المقالات تكتب في نقد هذا التصرف ولوم المشرفين على البرنامج الذين يهتمون بهذا النقد ويعملون على تحقيق ما يوجه إليه.

قرأت ذلك وقارنته بما يحدث عندنا فشعرت بالأسف. هناك الجمهور راض عن برنامج الإذاعة في جملته لأنه مرض فعلا، فإذا حاد منه شيء عن الجادة دفعه الحماس والغيرة إلى اللوم والنقد وهو يثق أن هناك من يصغي إليه. وهنا اعتاد الناس أن يسمعوا الإذاعة تخبط كما تشاء، لا منهج لها ولا غاية، وإنما هو الاعتساف والفوضى وسوء الاختيار، وما ينشأ عن كل ذلك من تقديم بضاعة ليس لأكثرها من فائدة إلا تزجية الوقت وسد الفراغ، فإذا كتب ناقداً أو صاح غيور وذهبت الكتابة والصيحة مع الريح، ولا نجد لها صدى إلا ما تنشره مجلة الإذاعة من أشباه البلاغات الرسمية التي تقول فيها إن ما تنشره الصحف والمجلان جميعاً عن الإذاعة غير صحيح. . .

وعلى ذكر مجلة الإذاعة أذكر أن محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية تصدر مجلة أول ما تقرأ فيها نقد برامج المحطة، وقد وزعت أبواب البرامج من أدبيات وتمثيليات وموسيقى على كتاب يتتبع كل منهم ما يذاع في بابه ويتناوله النقد. أما مجلة إذاعتنا فهي تشبه بعض صحف الأحزاب السياسية المتطرفة في الحزبية، لا هم لها إلا الدفاع عما هي لسان حاله ورمى المعارضين بكل الصفات الذميمة.

وقد أفضى كل ذلك إلى أن انصرفت قلوب الناس عن الإذاعة، وأيأسهم من صلاحها ضياع صيحاتهم مع الهباء، ولم يسمعهم إلا أن يسكتوا مسلمين أمرهم إلى الله، وقد وطنوا أنفسهم على احتمال الأذى وسماع جانبه صباح مساء. . . وأخذوا أنفسهم بالصبر على استبداد الإذاعة بهم وإسماعهم ما يكرهون وفرض برامجها عليهم ضريبة ثانية إلى جانب الضريبة المالية السنوية.

والعادة المتأصلة في المصريين أن ينفسوا عن أنفسهم وينتقموا من المستبد بهم بالفكاهة والتندر عليه، وما أكثر وأظرف ما نسمع من ذلك عن الإذاعة. ولباحث اجتماعي أو تاريخي أن يرجع هذه الظاهرة إلى أن الفترة التي تمر بها الإذاعة الآن تشبه عصور الاستبداد الماضية، فقد تسمى هذه الفترة بعد ذلك (العصر الإذاعي) نسأل الله الخلاص والسلامة. .

الموضوع في قنوتنا:

أقصد بهذه الفنون السينما والغناء والموسيقى، وأعني بالموضوع فيها فكرة التأليف، وهي تكاد تكون معدومة في هذه الفترة من زماننا. والملاحظة أن تلك الفنون قد تقدمت وارتفعت فيما عدا الموضوع، وخاصة السينما، فالتمثبل فيها جيد على العموم وكذلك ما يسمونه (حرفية السينما) وعندنا بعض المخرجين الذين يجيدون فنهم، وإن كان بعضهم يفرض نفسه على التأليف فيأبى إلا أن يكون مخرجاً ومؤلفاً في آن فلا يكون شيئاً. . . أما القصة فهي بيت الداء في السينما المصرية، وتسعة وتسعون في المائة من قصص الأفلام المصرية لا موضوع لها، فهي حوادث يتخللها غناء ورقص وإضحاك، وأحسنها ما كانت هذه الأشياء فيه ممتعة بعيدة عن السخف، ومن اللوازم التي تتكرر في معظم الأفلام أن تنزل بالبطلة كارثة، أو تقع في أزمة، فتضطر إلى كسب رزقها، ولابد أن تكون مطربة، فتلتجئ إلى ملهي تغني وترقص فيه، وهنا تجئ الفرصة الذهبية لتقف حوادث القصة ريثما يستمع المشاهدون ببرنامج الملهى الطويل. . . وبعد ذلك وعلى مهل يعثر الأب على ابنته والأخ على أخته والمحب على حبيبته حيث تعمل في الملهى، بعد أن يشبع الناس من السماع والنظر والضحك. وهذا كله قد يكون لا بأس به ولكن على أن يغلف شيئاً، أما أن يكون فارغاً فإنه لا يدل إلا على الفراغ الهائل في ذهن المؤلف.

ومن المضحك أن بعضهم يحاول أن يجعل لقصّته موضوعاً (تلبية لرغبة الصحافة والنقاد) وقد قرأت هذه العبارة التي بين الأقواس على الشاشة في تقديم أحد الأفلام، يحاول المؤلف أو المخرج ذلك فيدس فيها شيئاً من قبيل الوعظ الخلقي أو بعض العبارات الوطنية الجوفاء، فلا تزيد الفلم إلا بروداً وسماجة، وذلك للتكلف وإيراد الشيء في غير موضعه. ومما يدعو إلى الضحك والأسف معا أن يقولوا في الدعاية عن الفلم إنه يعالج مشكلة اجتماعية، وليس فيه عن المشكلة إلا بعض مناظر عابرة أو كلمات متناثرة لا تبرز ناحية ذات شأن من المشكلة فضلاً عن معالجتها.

ويدعى هؤلاء المؤلفون أنهم ينزلون إلى مستوى الجمهور، وهذا ليس صحيحاً، لأنهم ليسوا في مستوى أعلى ينزلون منه. . . والنزول إلى مستوى الجماهير لا يكون مفيداً إلا إذا كان مع النازل شيء يقدمه إلى من ينزل إليهم بالاحتيال على إساغتهم إياه.

هذا وفي وزارة الشؤون الاجتماعية لجنة للنهوض بالسينما، لست أدري ماذا تعمل لهذا النهوض إن لم تكن في مقدمة ما تعمله العناية بهذا النقص في الأفلام. وهناك رقابة تمنع ما يخالف الآداب العامة أو يمس الأمن العام، ولست أدري لماذا لا تكون هناك رقابة تمنع ما يفسد الذوق العام.

أما الغناء والموسيقى والأغاني الفكاهية (المنلوجات) فهي كذلك في مجموعها، ينقصها الفكرة والموضوع، وقد كانت الأغاني الفكاهية تدور حول موضوعات وطنية واجتماعية ولكنا الآن صرنا لا نكاد نسمع من الإذاعة غير (ورد عليك فل عليك) وأشباه ذلك. وأغاني الأفلام تصلح بصلاحها إن صح العزم على ترقيتها. أما الأغاني التي تقدمها الإذاعة فالله المستعان عليها وعلى الإذاعة.

عباس خضر