مجلة الرسالة/العدد 844/القاهرة الإسلامية:
مجلة الرسالة/العدد 844/القاهرة الإسلامية:
جامع الأشرف جانبلاط
مدرسته وضريحه
للأستاذ أحمد رمزي بك
كتب الجبرتى في تاريخه عن حوادث شهر ذي الحجة الحرام سنة 1215 هجرية (وانقضت هذه السنة بحوادثها وما حصل فيها، فمنها توالي الهدم والخراب، وتغير المعالم وتنويع المظالم، وعم الخراب خط الحسينية، خارج باب الفتوح والخروبى، فهدموا تلك الأخطاط والجهات والحارات والدروب والحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وما بها من الدور والقصور المزخرفة وجامع الجنبلاطية بباب النصر، وما كان به من القباب العظام، المعقودة من الحجر المنحوت المربعة الأركان الشبيهة بالأهرام، والمنارة العظيمة ذات الهلالية، واتصل الهدم خارج باب النصر وباب الفتوح وباب القوص إلى باب الحديد، حتى بقى ذلك كله خراباً متصلاً وبقى سور المدينة الأصلي ظاهراً مكشوفاً).
لماذا أقدم الفرنسيون على هذا التدمير والتخريب وإزالة هذه العالم؟.
وما الذي جنته الآثار الإسلامية لكي تسوى بالأرض وتزال من الوجود؟.
واستمر الجبرتي يحدثنا عن المساجد والمدارس والدور والآثار التي هدمت، والنفس تفيض أسى وحسرة، ثم ختم بقول (قصدوا بذلك إنشاء عدة قلاع ومتاريس وتحصينات لحماية القاهرة).
كنت أسمع للمؤرخ المصري وكأنه ينتزع بكلامه عن كل أثر قطعة مني لأني قاهري مولداً ونشأة، وأرى في القاهرة مدينة حية خلال العصور الماضية إذا أصابها سوء فكأنه أصابني. وأعجب لقوم لا يشعرون بشعوري، ولا يقدرون عظمة القاهرة الإسلامية! وقمت مسرعاً في سيارة وقد حملت في يدي خريطة الحملة الفرنسية وأخرى مفصله لتلك الناحية، ونظرت إلى باب القصر وإلى باب الفتوح، وقلت من هنا مر صلاح الدين وبعده نابليون، وهذا جامع الحاكم: ترى لو كان مع غيرنا هل يتركونه على حالته؟ أم كانوا يعيدون إليه رونقه، ويجعلونه بيتاً للعبادة؟ وفتحت أطالس الفرنسيين وعثرت على جامع الأشرف ورسمه وشكله فإذا بي أكون فكرة عما كان عليه المسجد قبل هدمه، ومن نظرة واحدة تعرفت على ركن قائم منه في زاوية من سور القاهرة في الجهة الشرقية من باب النصر.
ونظرت إلى الباقي منه أنادمه منادمة من يصبو إلى بانيه وواضعه، ويرثى لسقطة هادميه ويقول ألم يجدوا لقلاعهم وخنادقهم غير حجارة هذا المسجد!
وما الذي كسبوه بإزالة معالمه؟ لقد أصبح مكانه قضاء كساحة خالية، فأخذت أسير فيها وقد تملكتني رهبة، ثم مر بخاطري المنظر الآتي:
كيف جاء صاحب المسجد بعد زيارته لقبر قايتباي فكشف عن عمارة هذه المدرسة، ثم دخل من باب النصر وشق المدينة فكان آخر عهده بها إلى أن أحضرت جثته من الإسكندرية في شوال سنة 906 في عهد الغوري فدفنت بتربة الأشرف قايتباى ثم تقدمت مماليكه (فقالوا لا ندفن أستاذناً إلا في تربته التي بباب النصر (فنقل إليها وهذه ثالث نقلة لجثمانه.
ومررت منذ مدة فإذا الركن الذي كان عالقاً بالسور عند باب النصر وبقى من هدم جيوش نابليون قد أزيل بدوره. وذهبت المدرسة وضاع الضريح. ويقول حارس الأضرحة إن جماعة يسكنون في جهة تحت الربع كانوا يدفنون موتاهم في أرض المدرسة ويقولون إنهم من سلالة الأشرف جانبلاط الرابع والأربعين من ملوك الترك، والثامن عشر من ملوك الجراكسة بالديار المصرية. قلت نعم وهو الذي تولى إمارة ركب المحمل المصري سنة 894 وكان قاصداً (سفيراً) لدى بني عثمان سنة 896 هجرية ثم نائب مصر بحلب ثم بالشام ثم أتابك العساكر المصرية بعد الأنابكي أزبك.
وانتهى أمره وأمر مدرسته وعهده وضاعت معالم قبره وتذكرت أبا الطيب المتنبي وقوله:
بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها ... وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمة
(شارع الأهرام بالجيزة)
أحمد رمزي