مجلة الرسالة/العدد 83/صور من التاريخ الاسلامي
مجلة الرسالة/العدد 83/صور من التاريخ الاسلامي
1 - الفردوسي
للأستاذ عبد الحميد العبادي
احتفلت الأمة الإيرانية في أكتوبر الماضي بذرى مرور ألف سنة على ميلاد شاعرها الأكبر ابي القاسم الفردوسي، وقد دام احتفالها نحو شهر من الزمان كانت إيران كلها فيه متصلة الأعياد بادية البشر والسرور. ولم تكن الحفاوة بتل الذكرى مقصورة على الايرانيين وحدهم، فقد شاركهم فيها العالم المتحضر شرقه وغربه، فأوفدت ثماني عشرة دولةكبيرة إلى إيران من يمثلها في الاحتفال بذكرى الفردوسي، وزاد بعضها من قبيل المجاملة للإيرانيين والمبالغة في تقدير شاعرهم فاحتفى بتلك الذكرى احتفاء خاصاً في عواصمه. فعل ذلك الألمان في برلين، والانجليز في لندن، والفرنسيون في باريس، والايطاليون في رومية. وعما قريب تحذو مصر حذوهم فتهب ذكرى الفردوسي أسبوعاً من الزمن يتحدث فيه بالقاهرة نفر من فضلائها عن حياة الفردوسي وشعره، وعن أثر قومه في عالم الفن والأدب
وأريد بهذه المناسبة أن أعرض في هذا المقال وفي مقال آخر آت ببيان وجيز لسبب حفاوة الفرس وغير الفرس بذكرى الفردوسي. وسنرى أن البحث سيكشف لنا عن شخصية فذة عجيبة حقاً. شخصية استطاعت من جهة أن تستنفذ قومية ولغة كان يتنازعهما البقاء والعدم، ومن جهة أخرى ساهمت بنصيب موفود في ميراث العالم الأدبي الباقي على وجه الزمان
هو أبو القاسم الحسن بن علي الفردوسي، وكلمة (الفرودسي) لقبه الشعري، فقد جرت عادة الفرس من قديم أن يخلعوا على شعرائهم ألقاباً خاصة كالدقيقي، وملك الشعراء، ومحكم الشعراء وهكذا. ولد على رأى بعض الثقات حوالي عام 325هـ بقرية من قرى مدينة طوس بخراسان يقال لها (باز)، وورث عن أبيه ضياعاً كانت تغل عليه في صدر حياته كفايته من المال. وتعلم في حداثته ما كان يتعلمه أمثاله من ابناء الدهاقين في ذلك الزمان، فحذق الفهلوية والعربية، وشغف في صباه بقرض الشعر الفارسي والتوفر على مطالعة القصص الفارسي القديم. فأنشأ كل ذلك فيه اعتداداً بقومه واعتناقاً لمذهبهم الشيعي. وشد شيئاً من آراء المتكلمين من المعتزلة، فنشأ فارسي الهوى، شيعي المذهب، معتزلي الرآي
كان أمر خراسان في ذلك الوقت إلى الدولة السامانية، وهي دولة فارسية من الدول التي تقسمت سلطان الدولة العباسية بضعف السلطة المركزية في بغداد ابتداء من القرن الثالث الهجري. وقد جهد السامانيون في بعث الروح القومي الفارسي مستعينين على ذلك بما للتاريخ والأدب من القوة في إذكاء الروح القومي عامة. فنقل وزيرهم البلعمي برسم الأمير منصور الساماني تاريخ الطبري إلى الفارسية، وتقدم عاملهم على طوس أو منصور ابن عبد الرزاق إلى رجل يقال له أبو منصور المعمري في جمع أخبار الفرس القدماء في شكل تاريخ شعبي لفارس من أقدم عصورها إلى الفتح الأسلامي، فعهد بالأمر إلى أربعة من الفرس الزرداشتيين فجمعوا ذلك التاريخ من الكتب المحفوظة في قلاع فارس، وفي خزائن الموابذة والدهاقين. ثم كتبوا ذلك التاريخ بالفارسية الحديثة وسموه (الشاهنامة) أي (كتاب الملوك)، وكان ذلك حوالي عام 347هـ؛ وأراد السامانيون أن يسهل على الفرس تناول هذا التاريخ وتداوله فعهد الأمير نوح ابن منصور الساماني ينظمه شعراً إلى فتى فارسي شاعر يعرف بالدقيقي. فأخذ الدقيقي في ذلك فنظم منه ألف بيت ثم هلك غيلة حوالة عام 366هـ.
اطلع الفردوسي على الشاهنامة المنثورة وعلى ما نظم الدقيقي منها من نسخة أعاره إياها صديق له يقال له (محمد لشكري). وأشار عليه ذلك الصديق أن يتم ما شرع فيه الدقيقي، وصادف ذلك هوى في نفسه، فامتثل الاشارة وعكف على نظم الشاهنامة من حيث انتهى صاحبه، فقضى في ذلك ثلاثاً وعشرين سنة أتم فيها نسخة الشاهنامة الأولى (389هـ) ثم أهدى تلك النسخة إلى كبير من كبراء الفرس الظاهرين بأرض أسبهان يقال له أحمد الخالنجاني، فأجازه عليها بجائزة يسيرة
في تلك السنين الطوال كانت خراسان قد تبدلت بها الحال، لاضطراب أمر الدولة السامانية القومية المستنيرة، وعراها ما يعرو البلاد عادة عند التأذن بذهاب دولة وقيام أخرى. فأهملت المرافق العامة وخاصة مرافق الري، والبلاد يعدُ بلاد زراعية، فشح الماء، وجف الزرع، وأجدبت الحقول، ونالت ملاك الأراضي شدة تعذر علبهم معها أداء الخراج الموضوع على أراضيهم. وكان الفردوسي بطبيعة الحال من ضحايا تلك الشدة الاقتصادية، وزاده ضنكا وسوء حال انصرافه إلى حية الأدب المحصن، واضطراره إلى أن يستكفي غيره النظر في شئون ارضه. ويظهر أثر تلك الحال واضحاً قي ترديده في شعره الشكوى من الفاقة وتنكر الزمان.
وقد اضطر آخر الأمر إلى مسألة أصدقائه، فأعانه منهم نفر كرام النفوس أوفياء القلوب، كافأهم عن صنيعهم بأن نوه بذكرهم في الشاهنامة. والحق أن الفردوسي، وقد فقد الانتفاع بأرضه أصبح يرى أن من حقه على الناس أن يكافئوه على جهوده الأدبية بمال يزوج منه ابنته الوحيدة، ويفق منه على نفسه في شيخوخته.
وطفق لذلك يبحث عن أمير نبيل او ملك جليل يهدي إليه الشاهنامة فيجيزه عنها بجائزة تحقق أمنيته، وسرعان ما وجد ذلك الملك الجليل في شخص السلطان محمود الغزنوي.
والسلطان محمود الغزنوي أوحد ملوك الاسلام لذلك العهد، واحد أبطال التاريخ الاسلامي على الإطلاق. قد شاد بعزمه وهمته ملكاً عريضاً وسع الهندستان، وخراسان وتركستان، وطبرستان، وفارس. وأصبحت قاعدته (غزته) بمساجدها ومدارسها وخزائن كتبها وعلمائها الأعلام من أمهات المدن الاسلامية. ويقال إنه يجتمع قط في مدينة أسيوية في وقت واحد من أعيان الأدب وأقطاب العلم والفلسفة مثل من اجتمع بغزته على عهد السلطان محمود. ذلك بأن السلطان كان شغوفاً بالعلم والأدب، حريصاً على اجتذاب العلماء من مختلف البلدان الاسلامية ليقيمهم بحضرته، فيزدان بهم بلاطه، وتكون له من قربهم شهرة أدبية تضاف إلى شهرته الحربية التي طبقت الآفاق. ومن العلماء الذين حفلت بهم غزته على عهد، البيروني والعتبي المؤرخان، والفارابي الفيلسوف، وأبو الفتح البستي الشاعر العربي، والمسجدي والعنصري والفرخي، وكلهم من سباق شعراء الفرس في الاسلام. وكان الرئيس أبو علي بن سينا قد قصد حضرة السلطان ثم بداله فعدل عنها إلى جهة أخرى.
وكان السلطان كلما فرغ من حرب وأقام بعاصمته متودعاً، جلس إلى أولئك العلماء يحدثهم أو يستمع إلى حديثهم، وهو في تصيده العلماء ومباهاته بهم يذكرنا بسيف الدولة الحمداني، والحكم المستنصر الأندلسي، وبفردريك الأكبر ملك بروسيا، ولويس الرابع عشر ملك فرنسا
ذلك هو الملك الجليل الذي رآه الفردوسي مهوى فؤاده ومحط آماله. فأخذ يعد العدة لانتجاع حضرته والاعتراف من فبض جوده. فجعل يراجع الشاهنامة، مطامنا بين أجزائها، مكملاً ما نقص منها، مستدركاً ما فاته في نسختها الأولى ومحلياً فصولها بَمدَح سنية بطوق بها جيد ذلك الملك العظيم. وقد قضى في ذلك إحدى عشرة سنة، فقد فرغ من إعداد النسخة الثانية للشاهنامة عام 400 هـ وبلغت عدة أبياتها ستين ألفاً
توجه الفردوسي إلى غزنة ومعه راوية ونسخة الشاهنامة، فلقى وزير السلطان الرئيس الكبير أبا العباس الفضل بن أحمد، وكان معيناً بشر الفارسية، ولا ريب أنه أدرك أنها ثمرة مجهود عقل جبار، ولكنه مع ذلك لم يتقبلها بقبول حسن. والروايات القديمة مجمعة على أن الوشاية والكيد قد عملا عملهما في إفساد قلب السلطان على الوزير والشاعر معاً. ولكن الأمر أجل من ذلك وأعظم. فليس من شك في أن ذلك السلطان التركي المسلم، الذي أنفق من الجهد في إعلاء كلمة الأسلام في الهند ما أنفق، والذي كان نصيراً للسنة، وخصماً ألد للباطنية والمعتزلة، هذا السلطان لم يعجبه أن يشيد الفردوسي بمجد حازه الفرس أيام مجوسيتهم، كما لم يعجبه أن ينفخ في بوق العصبية الفارسية، وأن يدير كتابه على الحروب التي وقعت في القديم بين إيران وطوران، كما لم يعجبه تشيعه وجهره بآرائه الدالة على اعتزاله. كل ذلك قعد بالسلطان أن يجيز الشاعر بالجائزة التي كان يتوقعها، والتي كان يعلق عليها آمالاً كباراً. فيقال إنه بعث إليه بعشرين ألف درهم فقط مكافأة على مجهود خمس وثلاثين سنة
لكن الفردوسي لم يكن الرجل الذي يحتمل هذا التقصير في حقه. فقد جزى السلطان شر جزاء. فيقال إنه دخل حماماً فلما خرج منه شرب فقاعاً، ثم قسم عطية السلطان بين الحمامي والفقاعي. وبلغ ذلك السلطان فهاج غضبه، وهم بأن يبطش بالشاعر، فلاذ الفردوسي بالفرار من غزنة، وظل مختبأ بمدينة هراة ستة أشهر نظم فيها مائة بيت من الشعر هجا فيها السلطان هجاء لاذعاً موجعاً. فلما سكن عنه الطلب خرج إلى طرستان ونزل على صاحبها الأصبهبد بأن الأمر لم يعرض عليه كما ينبغي، واشترى منه هجو السلطان بأن الأمر لم يعرض عليه كما ينبغي، واشترى منه هجو السلطان بمائة ألف درهم، ثم محا ذلك الهجو من الشاهنامة محواً. بيد أن الفردوسي رأى أنه غير آمن على نفسه في طبرستان لأنها داخلة في حكم السلطان محمود، فخرج عنها إلى العراق العربي، ونزل على أميره سلطان الدولة البويهي. ونظم له قصة (يوسف وزليخا) وهي من قصص القرآن الكريم.
والفردوسي يصرح في صدر هذه القصة بأنه نظمها تكفيراً عن إضاعته عمره في نظم الشاهنامة، التي حشوها أساطير الفرس الأولين، ولكن يظهر أن الفردوسي أراد بنظم تلك القصة أن يلائم بين نفسه وبين البيئة العربية التي أدى به تطوافه إليها
ومهما يكن من شيء، فلا شك أن الفردوسي رأى نفسه غريباً بالعراق، وأن سراج حياته يوشك أن ينطفئ، وأحب ان يوافيه أجله في مسقط رأسه، قريباً من ابنته ووسط أهله ومعشره، وهون الخطب عليه أن السلطان كان قد ذهب عنه غضبه عليه، وأن أمره كان قد نسى أو تنوسي ببلاط غزنه. فخرج من العراق شاخصاً نحو طوس، فبلغها شيخاً فانياً مهدود القوى قد جاوز الثمانين
وتذكره السلطان محمود في ذلك الوقت، وذلك أنه كان راجعاً من الهند الى عاصمة ملكه، فعرض له ثائر في قلعة حصينة، فأرسل السلطان الى الثائر رسولاُ أن (إيت غدا، وقدم الطاعة واخدم حضرتنا، والبس التشريف، وارجع) فلما كان الغد ركب السلطان والى جانبه وزيره أحمد بن الحسن الميمندي. فلما بصر السلطان بالرسول مقبلاً قال للوزير (ترى ماذا يجعل من الجواب؟) فتمثل الوزير ببيت من الشاهنامة معناه (إذا لم يكن الجواب كما أريد، فأنا والجرز والميدان وافراسياب) فقال السلطان (لمن هذا البيت الذي تنبعث الشجاعة منه؟) قال (للمسكين أبي القاسم الفردوسي الذي أحتمل العناء خمساً وعشرين سنة وما جني أية ثمرة) قال السلطان (أحسنت بما ذكرتني، إني ليحزنني أن يحرم عطائي هذا الرجل الحر، ذكرني في غزنة لأرسل اليه شيئاً) فلما قدم الوزير غزنة ذكر السلطان، فقال السلطان (مر لأبي القاسم بستين ألف دينار بعطايا نيلجا، ويجحمل على الإبل السلطانية، ويعتذر اليه)
غير أن القدر الساخر شاء ألا تنفذ مشيئة السلطان، فيقال إنه عندما وصلت الابل التي تحمل الهدية إلى طوس، كان الفردوسي قد أسلم الروح (411هـ)، وإنه بينما الابل داخلة من بعض أبواب المدينة، كانت جنازة الشاعر خارجة من باب آخر
وأراد رسل السلطان أن يدفعوا الهدايا الى ابنة الفردوسي، ولكنها اعتذرت من عدم قبولها.
عند ذلك أمر السلطان أن ينفق المال في بعض وجوه البر، فعموا به رباطاً للمجاهدين على حدود أقليم طوس. وكذلك نفي السلطان عن نفسه آخرة الأمر تهمة لتقصير في حق الشاعر الكبير. فان ادعى مدح أنه ظلمه في الأولى فقد أنصفه في الثانية، ودل بذلك على نفس كبيرة وحلم عظيم
تلك بالاختصار سيرة الحكيم أبي القاسم الفردوسي. وهي سيرة تفصح عما أوتيه ذلك الشاعر من قوة تتمثل في صدق عزيمته، وبهد همته، وعظم غايته، وثبات مقصده، كما أنها تفصح عن ضعفه الذي يبدو في حدة مزاجه، وكثرة شكواه من الفاقة وتبرمه بالناس والزمن، ثم في ندمه في ملع قصته الثانية على ما أنفق من جهده واضاع من عمره في نظم ملحمته الأولى. على أن ذلك كله ليس مناط تعظيم قومه لذكراه، إنما مناط ذلك هو الصنيع الجليل الذي أسداه الى القومية الفارسية واللغة الفارسية الحديثة.
ولبيان ذلك ينبغي أن نرجع مع الزمن الى أوائل القرن الأول الهجري، فقد حمل العرب إذ ذاك على الدولة الفارسية، وما هي إلا سنوات معدودات، حتى كانوا قد قضوا على ملك آل ساسان، وصيروا فارس أقليماً من أقاليم الخلافة العربية، وانتشر الاسلام بعقب ذلك في فارس حتى كاد يقضي على الدين الزرادشتي، كما انتشرت العربية بين الفرس حتى أخملت الفهلوية وكادت تمحوها
قبل الفرس الاسلام عن طواعية نفس وطيب خاطر. أما القومية فقد جاهدوا من أجل الاحتفاظ بها جهاداً عظيماً. وقد تطور هذا الجهاد من مجرد مطالبة بالحقوق العامة قام بها الموالي زمن الدولة الأموية، الى مؤازرة للثائرين عليها من الخوارج والشيعة، الى ثورة عامة انجلت عن سقوط الدولة الأموية العربية، وقيام الدولة العباسية التي كانت فارسية في أكثر أوضاعها العامة، الى استقلال سياسي يسره ضعف السلطة المركزية ببغداد، الى سعي حثيث في أن يكون للفرس وجود قومي صحيح
الى هذا المجهود الضخم الموجه الى الاحتفاظ بالقومي، قام الفرس بمجهود آخر رائع من أجل إنهاض لغتهم وتعميم استعمالها في بلادهم
لقد طغت العربية على الفهلوية في العصر العربي الأول طغياناً كان من أثره أن انحصر استعمال هذه اللغة في حدود إقليمية ضيقة: في فارس وخراسان وطبرستان، ولم تسلم الفهلوية في معاقلها هذه من التأثر بالعربية، فقد أصبحت تكتب بالحرف العربي ودخلتها ألفاظ وتعابير عربية أحالتها الى طور جديد من تاريخا عرفت فيه بالفارسية الحديثة. وبتنبه الشعور القومي عم استعمال اللغة المذكورة في تلك الأقاليم الثلاثة، حتى كادت العربية تنمحي من بعضها، كما يؤخذ من قول المتنبي:
مغاني الشعب طيبا في المغني ... بمنزلة الربيع من الزمان
ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان
ملاعب جنة لو سار فيها ... سليمان بترجمان
وقد عول ساسة الدول الثلاث: الطاهرية والقارية والسامانية، على ان يجعلوا الفارسية الحديثة لغة أدب وتدوين، فشجعوا الشعراء على النظم بالفارسية، وأمر السامانيون بتدوين تاريخ قومي للفرس، ونظمه بهذه اللغة كما تقدم القول
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الفرس في أمر قوميتهم ولغتهم فانهم في أواخر القرن الرابع بحاجة الى مدد أدبي ممتاز يبعث في القومية الفارسية روحاً قوياً، ويثب دعائم الفارسية الحديثة وينهضها على أساس ثابت، وقد أمد الفردوسي قومه بهذا المدد. فالشهنامة تعي بأبسط عبارة وأبلغ تصوير تاريخ الفرس القدماء ومفاخرهم وآدابهم وأساطيرهم. لذلك اضحت في حياة ناظمها - وهذا أمر منقطع النظير - ملحمة قومية، ولم يمض طويل زمن حتى غدت (قرآن القوم) على حد تعبير صاخب المثل السائر
لقد أدى الفردوسي (رسالته الخاصة) أحسن الأداء، وأصبح فضله على قومه ولغته باقياً من بقي قومه ولغته وقد عرف له قومه هذا الفضل فذكروه في هذه الأيام فأحسنوا ذكراه، وشادوا فوق رفاقه بناء عالياً، وهذا جهد مثوبة الحي للميت. وان الانسان ليذكر في هذا المقام دانتي الإيطالي، وكورياس اليوناني، فكلاهما أذكى الروح القومي في بلهد، وجدد بمجهوده الخاص دارس لغته، هذا بنثره، وذاك بشعره.
البقية في العدد القادم
عبد الحميد العبادي