مجلة الرسالة/العدد 816/اقرأ معي
مجلة الرسالة/العدد 816/اقرأ معي
للأستاذ إيليا حليم حنا
كان الملك هنري الرابع ملك فرنسا يقول دائماً للولاة والحكام:
أوصيكم بالفقراء والوضعاء خيراً فإنهم عماد المملكة ولولاهم لما كنتم ولما كنت أنا شيئاً يذكر؛ ففي استطاعتهم أن يستغنوا عنا؛ أما نحن فليس في استطاعتنا أن نستغني عنهم!
عندما حاصر الإمبراطورية (كنراد الثالث) دوق بافاريا وتغلب عليه وافتتح أمر رجاله بقتل الدوق مع كل رجاله الأخصاء فمثلت زوجة الدوق ونساء قصرها بين يدي الإمبراطور وطلبن منه أن يسمح لهن بالخروج من القصر إلى مكان أمين حاملات ما يقدرن على حمله. ولما سمح لهن بما طلبن خرجت كل واحدة منهن حاملة زوجها على ظهرها. فلما رأى الإمبراطور ذلك أعجب بأمانتهن وحبهن لأزواجهن وعفا عنهم.
كان قدماء اليونان إذا نبغ فيهم صانع أو شاعر أو خطيب أقاموا له الأعياد وسيروا المواكب ونظموا الحفلات وقدموا له تاج فخار مصنوع من أغصان الشجر المسمى بشجر الغار الذي كانوا يعتبرونه من الأشجار المقدسة الخاصة بالآلهة ولا سيما (أبولون) إله الشعر والفنون الجميلة. وكان القوم يهرعون إلى تلك الحفلات من كل جانب وينسلون إليها من كل حدب فيذهبون من برقة وصقليا وإيطاليا إلى أثينا للاشتراك في تكريم نوابغهم.
وكذلك كان الرومان، لكنهم كانوا يجعلون تلك الحفلات التكريمية مقصورة فيها للمحتفل به الهدايا والمكافآت.
على أن هذه كانت أيضاً من عادات العرب قبل الإسلام. قال أبو الحسن بن رشيق القيرواني في الجزء الأول من كتاب العمدة (كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها وصنعت الأطعمة واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في الأعراس وبتباشر الرجال والولدان لأنه حماية لأعراضهم وذود عن أحسابهم وتخليد لمآثرهم وإشادة بذكرهم. وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد أو شاعر ينبغ)
وفي عهد الإسلام وخاصة في عصر الدولة العباسية رفع الخلفاء والأمراء قدر العلماء والشعراء وأجزلوا لهم العطاء. وروى عن المأمون أنه كان يعطي زنة الكتاب المترجم ذهباً.
يقول الدكتور أدلر أحد أقطاب علم النفس الحديث إن معظم ما يرى في بعض الناس لا يرجع إلى امتياز طبيعي وإنما يرجع في الحقيقة إلى نقص فيهم وخاصة في أجسادهم وهذا النقص يدفعهم إلى الاعتقاد بأنهم دون غيرهم كفاية فيضاعفون جهدهم لكي يبلغوا نوعاً من التبرز يغطون به هذا النقص. والإنسان العادي الذي ليس به أي نقص في رأى أدلر محدود الأطماع والجهود لا يرى ما يدفعه إلى التبرز. أما الناقص فإنه دائم الإحساس بنقصه يدأب على أن ستره بتفوقه في ناحية من النواحي. وقديماً حاول الروماني الألكن أن يكون خطيباً وتغلب على لكنة لسانه وأصبح أكبر خطباء الرومان. وقلما نجد رجلا نابغة إلا وبه شيء من النقص الطبيعي حاول أن يعتاض عنه بكفاية جديدة فحذق فنا أو طريقة حتى زاد حذقه عن المعتاد فنبغ.
خطب عمرو بن حجر إلى عوف بن محلم الشيباني ابنته ام إياس فوافق والدها وخلت بها أمها فقالت: أي بنية. . . أنك فارقت بيتك الذي منه خرجت، وعشك الذي درجت، إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فكوني له أمة يكن لك عبداً واحتفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخراً.
أما الأولى والثانية، فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة، فالتفقد لموضع عينيه وأنفه، فلا تقع عينيه منك على قبيح، ولا يشتم منك إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة، فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبه، وتنغيص النوم مغضبه.
وأما السابعة والثامنة، فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة، فلا تعصي له أمراً، ولا تفشي له سراً، فإن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره. وإياك والفرح بين يديه إذا كان ترحا، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً. فاحفظي وصيتي واعملي بنصيحتي.
قرأت في مقال أعده مكتب رئيس البوليس في مدينة لندن ما يلي عن بصمات الأصابع:
إن تطور علم بصمات الأصابع قد ثبتت أهميته العظمى لنفع الجنس البشري الذي يعيش في العصر الحديث. أخذ بصمات الأصابع لا يساعد على اقتفاء آثار المجرم وعلى إثبات جريمته فقط، بل إنه يعمل كذلك على حماية البريء ضد اتهامات لا يكون لها أساس من الصحة.
عندما تنظر إلى راحة يدك ترى خطوطاً عرضية وفجوات صغيرة تبدو أنها تتجه في جميع الاتجاهات؛ وعندما ننظر إلى أطراف أصابعك ترى أن تلك الخطوط تنظم نفسها في نموذج خاص. وهذا النموذج وتلك الفجوات كانت موضع دراسة العلماء لعدة سنوات وكان من نتيجة أبحاثهم أن توصلوا إلى هذه الحقيقة العجيبة وهي أن الخطوط التي توجد على راحة اليد تتكون قبل مولد الإنسان إلا أنها لا تغير شكلها مهما طال عمر الإنسان وتظل واضحة على اليد حتى يتحلل الجسم بالموت. ولم يكتشفوا أن بصمات أصابع كل أنسان تختلف عن غيره فحسب بل أن كل إصبع في اليد الواحدة يختلف عن غيره في تفاصيل النموذج.
ولو انفق وحدثت إصابة سطحية على الجلد الذي يغطي الإصبع نتيجة حرق أو نتيجة القبض على شيء ساخن فإن الخطوط قد تختفي مؤقتاً ولكنها لا تلبث أن تعود إلى الظهور مرة أخرى متخذة شكلها السابق. ولكن إذا جرحت راحة اليد أو الأصابع جرحاً عميقاً تظل هناك علامة دائمة.
ويعمل بنظام أخذ بصمات الأصابع في معظم أنحاء العالم المتمدن منذ ما يقرب منتصف قرن. وهذا النظام من الدقة بحيث لم يخفق مرة واحدة في تحقيق الشخصية.
الأبيض - سودان
إيليا حليم حنا