انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 799/مرصد مراغة ومكتبتها

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 799/مرصد مراغة ومكتبتها

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 10 - 1948



اللذان شيدهما نصير الدين الطوسي في بداية العصر المغولي

(صور لدنيا العرب والإسلام في ذلك العهد الرهيب)

للأستاذ ضياء الدخيلي

يقول الأستاذ قدري حافظ طوقان في كتابه (تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك) الذي نشرته مجلة (المقتطف): إن نصير الدين الطوسي أحد الأفذاذ القليلين الذين ظهروا في القرن السادس للهجرة، وأحد حكماء الإسلام المشار إليهم بالبنان وهو من الذين اشتهروا بلقب (علامة). ولد في بلدة طوس سنة 597هـ الموافقة 1201م ودرس العلم علي كمال الدين بن يونس الموصلي وعين المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي، وكان ينتقل بين قهستان وبغداد وتوفي سنة 682هـ ببغداد حيث دفن في مشهد الكاظم.

ويقال إن الطوسي نظم قصيدة مدح فيها الخليفة العباسي، وإن أحد الوزراء رأى فيها ما ينافي مصلحته الخاصة فأرسل إلى حاكم فهستان بخبره بضرورة مراقبته - وهكذا كان - فإنه لم يمضي زمن إلا والطوسي في قلعة الموت، حيث بقى فيها إلى مجيء هولاكو في منتصف القرن السابع للهجرة. وفي هذه القلعة أنجز أكثر تأليفه في العلوم الرياضية التي خلدته وجعلته علما بين العلماء. (وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو وكان يطيعه فيما يشير به عليه والأموال في تصريفه. . .) وقد عهد إليه هولاكو مراقبة أوقات جميعالممالك التي استولى عليها.

عرف الطوسي كيف يستغل الفرص فقد انفق معظم الأموال التي كانت تحت تصرفه في شراء الكتب النادرة وبناء مرصد مراغة الذي بدئ في تأسيسه سنة 657هـ. وقد اشتهر هذا المرصد بآلاته وبمقدرة راصديه. أما آلاته فمنها (ذات الحلق وهي خمس دوائر متخذة من نحاس: الأولى دائرة نصف النهار وهي مركوزة على الأرض، ودائرة معدل النهار، ودائرة منطقة البروج، ودائرة العرض، ودائرة الميل. والدائرة الشمسية التي يعرف بها سمت الكواكب) وأما عن راصديه فقد قال الطوسي: (. . . أني جمعت لبناء المرصد جماعة من الحكماء منهم المؤيد العرضي من دمشق والفخر المراغي كان بالموصل والفخ الخلاطي الذي كان يتفليس والنجم دبيران القزويني وقد ابتدأ في بنائه سنة 657 بمراغة. . .) ويروى كتاب آثار باقية أن محي الدين المغربي كان أيضاً أحد أعضاء لجنة المرصد، وكيفية مجيئه هي ان هولاكو لما استولى على حلب مقر حكومة الملك الناصر سمع رجلا يصيح أنا منجم، فأمر بالإبقاء عليه وبإرساله إلى مراغة حيث يقيم نصر الدين.

أما المكتبة التي أنشأها في المرصد فقد كانت عظيمة جدا أكثرها منهوب من بغداد والشام ولجزيرة، ويقدر ما كان فيها بـ400000 مجلد مكتوبة باليد. ونصير الدين من الذين كتبوا في المثلثات والهيئة والجبر وإنشاء الاسطرلابات وكيفية استعمالها

ومراغة التي أقام بها الطوسي المرصد والمكتبة يحدثنا عنها ياقوات الحموي (المتوفى سنة 626هـ) في المعجم أنها بلدة مشهورة عظيمة أعظم وأشهر بلاد أذربيجان طولها 13 73 درجة وعرضها 13 37 درجة؛ قالوا وكانت المراغة تدعى (افرازهروذ) فعسكر مروان بن محمد بن الحكم وهو وجيلان بالقرب منها وكان فيها سرجين (زبل) كثير، فكانت دوابه ودواب أصحابه تتمرغ فيها، فجعلوا يقولون ابنوا قرية المراغة، وهذه قرية المراغة فحذف الناس القرية وقالوا مراغة، وكان أهلها قد لجأوا إلى مروان فابتناها وتألف وكلاؤه أهلها فكثروا فيها وعمروها. ثم إنها صودرت مع ما صودر من ضياع بني أمية وصارت لبعض بنات الرشيد. فلما عاث الوجناء بن رواد الأزدي وافسد وولى خزيمة بن أرمينية وأذربيجان في خلافة الرشيد بني سورها وحصنها ومصرها وأنزل بها جندا كثيفا. فلا ظهر بابك الخزمي لجأ الناس إليها فنزلوها فسكنوها وتحصنوا فيها، ورم سورها في أيام المأمون عدة من عماله، ثم نزل الناس بربضها (في المنجد الربض على وزن الذهب هو ما حول المدينة من بيوت ومساكن وهو ايضا سور المدينة). وينسب إلى المراغة جماعة من المحدثين والفقهاء وبها آثار ومدارس وخانقاوات حسنة، وقد كان فيها أدباء ومحدثين وفقهاء وقد ابتنى الطوسي (كما يحدثنا ابن شاكر في فوات الوفيات، وقد توفى عام 764هـ أي بعد وفاة الطوسي باثنين وتسعين عاما) بمراغة قبة ورصداً عظيما (واتخذ في ذلك خزانة عظيمة فسيحة الأرجاء وملأها من الكتب التي نبهت من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على اربعمائة ألف مجلد وقرر بالرصد المنجمين والفلاسفة وجعل له الأوقاف.

وكما يحدثنا ابن الفوطي في كتابه (الحوادثالجامعة) أن الطوسي استمر مدى حياته يجمع لمكتبة المراغة الكتب، فقد نقل أن الطوسي ورد بغداد عام 662هـ وجمع من العراق كتبا كثيرة لأجل المرصد الذي وضعه بمراغة عام 657 هـ وعين فيه جماعة يتولون عمله إلى أن أنجز سنة 672 (راجع حوادث سنة 675 من كتاب الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابقة لابن الفوطي)

وابن الفوطي هذا هو أمين مكتبة مراغة. قال العزاوي في كتابه (العراق بين احتلالين) نقلا عن شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي: إن ابن الفوطي صاحب الكتاب المعروف (الحوادث الجامعة) أسر في واقعة بغداد وخلصه النصير الطوسي الفيلسوف وزير الملاحدة فلازمه واخذ عنه علوم الأوائل وبرع في الفلسفة وغيرها وأمده بكتابة الزيج وغيره من علم النجوم واشتغل على غيره في اللغة والأدب حتى برع ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس، وأقام بمراغة مدة ولى بها كتب الرصد بضع عشرة سنة وظفر بها بكتب نفيسة وحصل من التواريخ ما لا يزيد عليه. وفي الوقت الذي يثني فيه بعض المؤرخين على جهود الطوسي في جمع تلك الكتب من التلف ولم شتاتها في مكتبة مراغة كما ترى العزاوي يقول في ترجمة الطوسي ص278 وهنا تقول إن أعمال هذا الرجل مصروفه إلى مناصرة العلماء والحكماء وأنه حينما ورد بغداد عام 662هـ تصفح أحوال بغداد ونظر أمر الوقوف والبحث عن الإجناد والمماليك، وفي هذه المرة جمع من العراق كتبا كثيرة لأجل المرصد الذي وضعه بمراغة فها أنت تراه يشايع ابن الفوطي في أن تكوين مكتبة مراغة ورفع قواعدها وجمع الكتب لها كان من عمل الطوسي وأن الأستاذ محمد كرد علي في كتابه (الإسلام والحضارة العربية) ج1ص302 بعد أن يعرض مأساة سقوط بغداد بصورة مؤلمة ويستعرض نهب نفائس دار الخلافة العباسية يذكر من ذلك نهب مكتبات بغداد وغيرها قال: (وبينما كانت في هذا الشرق القريب كتلة صغيرة تدافع الصليبيين عن سرة بلاد الإسلام مصر والشام فتخرب مدن وحصون وتندك معالم كان جنكيز يخرب في أواسط آسيا بلاد المسلمين. ولم تكد تدفع الشام عنها عادية الحروب الصليبية حتى جاء هولاكو بغداد يخربها ويقتل الخليفة المستعصم ويقضي على جلة الفقهاء ورجال الدولة بضع السيف في دار السلام أربعين يوما ويستخرج الأموال والتحف بأنواع العذب ويحرق معظم تلك المدينة الساحرة وزادت عدة القتلى عن ثمانمائة ألف عدا الأطفال ومن هلكوا في السراديب والقنى والآبار وأحرق قبور الخلفاء ونبش عظامهم وبنى بكتب العلماء إسطبلات الخيول وطوالات المعالف عوضا عن اللبن. وقيل إن ماء دجلة تغير لونه لكثرة ما ألقى فيه التتر من الكتب والأوراق، وقيل إنه أقام بكتب العلم ثلاثة جسور على دجلة هذا عدا ما نهب من البلاد التي احتلها فملافي (مراغة) خزانة عظيمة من الأسفار نهبها من بغداد والشام والجزيرة حتى تجمع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد.

أما عن المرصد فإن محمد باقر الخونساري في كتابه (روضات الجنات) يحدث نقلا عن كتاب (محبوب القلوب) لقطب الدين الأشكوري وعن صاحب (مجالس المؤمنين) إن هولاكو خانبعد أن قضى على الخلافة العباسية ببغداد أمر بالرصد واختار محروسة مراغة في أعمال تبريز لبناء المرصد فرصد فيه، واستنبط الطوسي عدة من الآلات الرصدية، وكان من أعوانه على الرصد من العلماء وتلاميذه جماعة أرسل إليهم الملك هولاكو خان، منهم العلامة قطب الدين محمود الشيرازي صاحب شرف الأشراف والكليات وهو فاضل حسن الخلق، ولسيرة مبرز في جميع أجزاء الحكمة محقق مدقق مفيد ومستقبله في صحبة الطوسي، ومنهم مؤيد الدين العرضي الدمشقي وكان متبحرا في الهندسة وآلات الرصد توفي بمراغة فجأة سنة 604، وفخر الدين كان طبيبا فاضلا، حاذقا ونجم الدين القزويني وكان فاضلا في الحكمة والكلام، ومحي الدين الحلاطي وكان فاضلا مهندسا في العلوم الرياضية، ومحي الدين المغربي وكان مهندسا فاضلا في العلوم، وضبطوا حركات الكواكب، ومات المحقق الخواجه نصير الدين وبان النقص في كتاب الزيج ولنقصهم عن ذلك لم يتموه وقد أضاف إليهم عباس بن محمد رضا القمي في كتابه (الكني والألقاب) نجم الدين الكاتب البغدادي قال وكان فاضلا في أجزاء الرياضي والهندسة وعلم الرصد.

ونقل ابنشاكر في فوات الوفيات وصلاح الدين خليل ابن أيبك الصفدي في الوافي بالوفيات (ج 1ص112) قلا شمس الدين الحريري (وفي الوافي أنه الجزري) قال حسن ابن أحمد الحكيم صاحبنا سافرت إلى مراغة وتفرجت في الرصد ومتوليه صدر الدين على بن الخواجة نصير الدين الطوسي وكان شابا فاضلا في المنجم والشعر بالفارسية، وصادفت شمس الدين ابن المؤيد العرضي وشمس الدين الشرواني والشيخ كمال الدين الأيكي وحسام الدين الشامي فرأيت فيه آلات الرصد شيئا كثيرا منها ذات الحلق وهي خمس دوائر متخذة من نحاس الأولى دائرة نصف النهار وهي مركوزة على الأرض ودائرة معدل النهار ودوائر منطقة البروج ودائرة العرض ودائرة الميل ورأيت الدائرة الشمسية التي يعرف بها سمت الكواكب وإسطرلابا تكون سعة فطره ذراعا وإسطرلابات كثيرة وكتبا كثيرة.

وأخبرني شمس الدين العرضي أن نصير الدين أخذ من هولاكو بسبب عمارة هذا الرصد ما لا يحصيه إلا الله تعالى خارجا عن الجوامك (المرتبات) والرواتب التي للحكماء والقومة (يقصد القائمين على الأمر والقيم على الأمر هو متوليه كقيم الوقف ونحوه).

وإن هذه الزيارة التي قام بها حسن بن احمد الحكيم لا شك في أنها كانت بعد وفاة الطوسي وتولى شئون لرصد ابنه صدر الدين وكذلك بعد وفاة مؤيد الدين العرضي وأخذ مكانه من قبل ابنه شمس الدين كما سنبين ذلك عند نقل ما ترجمته أنا من كتاب جورج سارتون (المقدمة إلى تاريخ العلوم) ولنصغ إلى الطوسي نفسه يحدثنا عن المرصد فقد قال في كتابه (الزيج الا يلخان) إنني جمعت لبناء المرصد جماعة من الحكماء منهم المؤيد العرضي من دمشق والفخر المراغي كان بالموصل والفخر الخلاطي الذي كان بتفليس والنجم دييران القزويني وقد أتبدأ في بنائه سنة 657 بمراغة والأرصاه التي بقيت قبلي وعليها كان الاعتماد دون غيرها هي رصد أبرخس وله مذ بني (1400) سنة وبعده رصد بطليموس بـ (285) سنة وبعده في ملة الإسلام رصد المأمون ببغداد وله (430) سنة والرصد البتاني في حدود الشام والرصد الحاكمي بمصر ورصد بني الأعلم ببغداد ولهما (250) سنة.

وقال الأستاذون إن أرصاد الكواكب لا تتم في أقل من ثلاثين سنة لأن فيها تتم دورة هذه السبعة (الكواكب) فقال هولاكو أجهد في أن رصد هذه السبعة يتم في اثنتي عشرة سنة قلت اجتهدت في ذلك.

قال ابن شاكر وكان النصير قد قدم من مراغة إلى بغداد ومعه كثير من تلامذتهوأصحابه فأقام ببغداد ومات وخلف ثلاثة أولاد.

وقد نقل العزاوي في كتابه (تاريخ العراق بين احتلالين) في الملحق ناقلا عن كتاب تركي (إسلامده تاريخ ومؤرخلر) إن الطوسي حين ورود هلاكو إيران اتصل بعلماء الصين وأنه يأمر من هولاكو اقتبس الزيج الايلخاني من عالم صيني جاء إلى ايران يدعى (توميجي) وكان قد استفاد منه كثيرا مما يتعلق بقواعد النجوم فكان بينهما تبادل علمي واتصال وثيق

(البقية في العدد القادم)

ضياء الدخيلي