انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 780/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 780/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة - العدد 780
الأدب والفنّ في أسبُوع
ملاحظات: بتاريخ: 14 - 06 - 1948



لماذا خاضت مصر معركة فلسطين؟

كان هذا عنوان الحديث الذي ألقاه بالإذاعة معالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا وزير المواصلات، ولم يكن هذا الحديث كالذي عهدناه من الوزراء والسياسيين الذين تحكمهم الرسمية والدبلوماسية، ولم يكن حديث رجل فارق الشباب، إنما كان حديث (شاب) مصري عربي، استشعر مصريته وعروبته، وواتاه البيان العربي، فراح يتدفق في حماس وقوة، ولم يقف في الحق عند حد، بل كان صريحاً جريئاً لاذعاً. حمل على الولايات المتحدة حملة شعواء، إذ قال: إننا دخلنا الحرب مضطرين بسبب المعاملة الجائرة التي عاملتنا بها هيئة الأمم والولايات المتحدة على الخصوص، وهي التي كانت في أثناء الحرب تنادي بالمبادئ السامية، فأصبحت تزود عن المطامع الصهيونية. وليس هناك ظل من الشك في أنها ضغطت على الدول لتحصل على أغلبية تقول بالتقسيم، وقد اعترف ممثلو تلك الدول بذلك وأعلنوه. وندد معاليه بموقف الرئيس ترومان قائلا: إن موقفه يدعو للعجب والدهشة، فهو في سبيل عدد ضئيل من الصهيونيين لا يبلغ نصف مليون من المشردين والأفاقين والمرتزقين من حثالة الشعوب لفظتهم بلادهم فانهالوا على فلسطين من كل فج لا على أساس من الجنسية أو اللغة أو أي مقوم من مقومات الشعوب، بل على أساس الدين وحده - في سبيل هذه الحثالة يمزق الرئيس ترومان ميثاق هيئة الأمم المتحدة، ويعبث بالمبادئ التي أعلنها العالم بأسره ممثلا في تلك الهيئة من احترام الحريات وحقوق الشعوب والمساواة بين الأمم؛ ومن أجل هذه الحثالة الشريرة المحتالة يقف الرئيس ترومان إلى جانب ويزمان زعيم الصهيونية، فينزله في البيت الأبيض، ويحمله على الظهور بجانبه في صورة فوتغرافية وهو يقبل منه التوراة هدية، وفي صورة أخرى وهو إلى جانبه يحتضن شارة العصابة الصهيونية متلعفاً بها فخوراً رغم أنف العدالة الدولية. من أجل هذه الحثالة يعرض بلاده لعداوة ثلثمائة مليون من المسلمين في أنحاء الأرض - الرئيس ترومان المحب الواله والصب المدنف والمغرم المدله المشغوف بالصهيونية!

ثم قال معاليه: دخلت مصر الحرب مكرهة، لأنها لم تجد عدلا لدى هيئة الأمم، فاعتقدت أن العدل لن يكون إلا إذا دعمه السلاح. دخلت مصر الحرب دفاعاً عن فلسطين وعن نفسها، فإن قيام دولة صهيونية تتاخمها فيه القضاء عليها من كل وجهة، وقد اكتشفنا بعد التوغل في فلسطين أننا كنا نعيش على فوهة بركان، لأن استعداد الصهيونيين بمصر، وضبط العدد الهائل من الجهازات اللاسلكية والمدافع والبنادق والخرط الدقيقة وقوائم الاكتتابات، مما يدعو للأسف والدهشة ويضعف حجتي في إقناع الكثيرين بوجوب التفرقة بين اليهود والصهيونيين. دخلت مصر الحرب - كما قال صديقنا فوزي بك في مجلس الأمن - لأن النار اشتعلت في دار جارنا، فوجب علينا أن نطفئها. وكان من حقه أن يقول بأن النار اشتعلت في بيتنا، لأننا والجار نسكن بيتاً واحداً. دخلناها تضامناً مع البلاد العربية الشقيقة المحبوبة، التي عاهدناها على أن نكون يداً واحدة، إذا هددنا خطر وقفنا ندافع عن حياتنا ونذب عن كياننا، والعالم بأسره يتطلع إلينا، فلا يحسبنا بعد الآن كمية مهملة ولقي لا يساوي قلامة!!

العالم يطل على مصر

يتحدث الأستاذ محمد رفعت بك في الإذاعة عن شئون عالمية تتصل بمصر، وكان يسمى سلسلة أحاديثه (مصر تطل على العالم) فلما شغلت مصر بال العالم منذ دخت جيوشها فلسطين للقضاء على الصهيونية، أطلق على تلك الأحاديث (العالم يطل على مصر) وفي هذا الأسبوع تحدث عن المسألة الفلسطينية فتناول عدة نقط هامة، منها أن الغرب لما هاله انتصار الشرق، أراد أن يقاومه بالدبلوماسية، فلجأ إلى مسألة الهدنة، وهو ليس مخلصاً في ذلك وإنما يريد أن يحمي الصهيونية من بطش العرب، في الوقت الذي يغض فيه عن أعمال الهولنديين بأندونسيا، وهو ينتصر للعصابات الإرهابية في فلسطين في الوقت الذي يساعد فيه على العصابات الشيوعية في اليونان. وقال الأستاذ: إن ما كان مجلس الأمن قرره من وقف القتال بأندونسيا لم يحسم الموقف هناك بل صارت الحال أسوأ مما كانت لاستمرار حرب العصابات، مما يدل على أن القتال لا ينتهي بوقف الحرب بين الجيوش النظامية مادامت أسبابها قائمة.

ومن النقط التي تناولها رفعت بك، أن العرب حينما يستجيبون لطلب الهدنة إنما يستجيبون لنداء الإنسانية والشرف الدولي؛ ولا يفيدهم وقف القتال ما دامت شروط الهدنة تنص على احتفاظهم بمراكزهم، لأنهم قابضون على معظم المراكز الهامة في فلسطين وخاصة أنهم الآن يطوقون تل أبيب وكر الصهيونيين ومقر حكومتهم المزعومة. وقال إن اليهود إن أخلوا بشرط من شروط الهدنة فللعرب أن يستأنفوا القتال كما تنص على ذلك القوانين الدولية.

أعمال المجمع اللغوي:

أرسل مجموع فؤاد الأول للغة العربية إلى إدارة التسجيل الثقافي بوزارة المعارف، بياناً شاملا بمثابة تعريف بالمجمع بناء على طلب الإدارة لتضمينه السجل الثقافي لسنة 1948 الذي تعمل الآن في إعداده.

ومما تضمنه ذلك البيان موجز عن أعمال المجمع منذ إنشائه إلى الآن، ونوجز هذا الموجز فيما يلي:

1 - اتخذ المجمع طائفة من القرارات العملية واللغوية في قياسية الصيغ والتعريب والاشتقاق والتضمين ونحو ذلك، لتوسيع آفاق العربية والعون على أداء الأغراض العلمية والفنية التي جاءت بها الحضارة الحديثة.

2 - وجه المجمع أكبر همه إلى المصطلحات العلمية والفنية ولاسيما ما يدخل في التعليم الثانوي، فاستخرج طوائف منها في علوم الأحياء والرياضة والطبيعة والموسيقى والطباعة والتصوير والكهرباء واللاسلكي وتاريخ القرون الوسطى والمغنطيسية وغير ذلك، وتبلغ هذه المصطلحات نحوا من عشرة آلاف مصطلح، وقد دخل كثير منها في كتب التعليم وفي قوانين بعض الأمم العربية والثقافية العامة.

3 - وضع المجمع نظما ثابتة لتعريب الأعلام الأجنبية للممالك والبلدان، حتى يزول الاضطراب في كتابتها أو النطق بها، واستحدث رقوما وعلامات تلحق بالحروف العربية ليمكن النطق بالعلم الأجنبي على وجه الدقة، وأصدر قائمة بأعلام بلاد السودان والحبشة والصومال وشمال إفريقية وغرب آسيا على وجهها الصحيح

4 - عنى المجمع بمشكلة الكتابة العربية قصداً إلى وضع نظام يكفل أن تؤدي الحروف إلى نطق الكلمة نطقاً سديداً، وقد أرصد جائزة مقدارها ألف جنيه لمن يقدم له أحسن اقتراح في تيسير الكتابة العربية، وقد تلقى المجمع في هذه المسابقة أكثر من مائتي مقترح، وما تزال قيد النظر.

5 - عنى المجمع بمشكلة القواعد ومناهجها في التعليم رغبة في التيسير على الناشئين، وقد درس مشروعاً لهذا التيسير على أساس المشروع الذي وضعته لجنة ألفتها وزارة المعارف من قبل لهذا الغرض، وبعثت به إلى وزارة المعارف لوضع كتاب على أساسه، وفي هذا العام قرر المجمع أن تضع لجنة فنية هذا الكتاب.

6 - قرر المجمع تأليف معجم لغوي لأوساط المثقفين يجري في ترتيبه وتنسيقه على أحدث الأساليب العصرية، على أن يتضمن إلى الألفاظ العربية أشهر الكلمات المستحدثة، وتوضح أعلام الحيوان والنبات بالصور والرسم، وقد أنجز معظم هذا المعجم.

7 - قرر المجمع الشروع في وضع المعجم اللغوي الكبير الحاوي لألفاظ اللغة العربية واستعمالاتها مع التوسع في اختلاف المعاني وأصول الكلمات.

8 - قرر المجمع أن يؤلف معجما لألفاظ القرآن يراد به أن يعين المثقفين على أن يتزودوا من ألفاظ القرآن الكريم وتعابيره.

9 - يقوم المجمع بالإجابة عما توجهه إليه شتى المصالح الحكومية وطوائف العلماء والمؤلفين، لترجمة ما يحتاجون إليه من المصطلحات وما يرغبون في تصحيحه من الألفاظ.

10 - قرر المجمع طبع معجم الدكتور فيشر أحد أعضائه، وهو معجم لغوي تاريخي يعتمد على النصوص الأدبية القديمة، وقد توقف العمل في هذا المعجم لانقطاع الدكتور فيشر عن مصر بسبب الحرب.

11 - قرر المجمع جمع ألفاظ الحضارة الحديثة والحياة العامة قصداً إلى العمل على التقريب بين الفصحى وبين لغة الحياة الاجتماعية.

12 - عنى المجمع بتشجيع الإنتاج الأدبي الحديث، وذلك يعقد مسابقات أرصد لها ثمانمائة جنيه سنويا في ميزانية المجمع.

13 - نشر المجمع أربعة أجزاء من مجلته، وقريباً يصدر العدد الخامس من المجلة مشتملا على القسم الرسمي في الدورات التي لم تتضمنها الأعداد السابقة

تعدد المجامع في البلاد العربية:

ومما تضمنه البيان السابق أغراض المجمع، وأهمها أن يحافظ على سلامة اللغة العربية، وأن يجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون في تقدمها ملائمة على العموم لحاجات الحياة في العصر الحاضر.

وقد أتيت في عدد مضى من الرسالة على أغراض المجمع العلمي العراقي الذي أنشئ في أوائل هذا العام، وأهم أغراض هذا المجمع المحافظة على سلامة اللغة العربية والعمل على جعلها وافية بمطالب العلوم والفنون وشئون الحياة الحاضرة. وفي سورية، من زمن المجمع العلمي العربي، وهو يتفق مع مجمعي مصر والعراق في الغاية التي يعمل لها، فالثلاثة مجامع لغوية عربية أهم ما تعني به سلامة اللغة ومسايرتها للحياة العصرية، وهذا يقتضي بطبيعة الحال وضع ألفاظ ومصطلحات، وقد يضع أحدها لفظاً لشيء غير الذي يضعه الآخر لنفس الشيء، بل لابد أن يحدث هذا. ونتيجة ذلك اختلاف البلاد العربية ذات اللغة الواحدة في بعض كلمات هذه اللغة ومصطلحاتها، بل إن هذا الاختلاف واقع فعلا فلم لا تتجمع هذه المجامع في مجمع واحد تكون له صفة (العالمية العربية) ويكون من عمله توحيد ما تختلف فيه البلاد العربية من أسماء لمسميات حديثة، وتوحيد المنهج في العمل لتحقيق الأغراض اللغوية والأدبية والثقافية التي تتصل بمهمة هذه المجامع ويكون المجمع المنشود فوق كل ذلك صرحاً من صروح الوحدة العربية التي أصبحت حقيقة واقعة. وبدل أن يكون كل مجمع من المجامع الحالية مرتبطاً بحكومته المحلية، يصبح المجمع الموحد مرتبطاً بجامعة الدول العربية.

هدف لغوي:

في إحدى ليالي هذا الأسبوع سمعت متحدثاً بالمذياع أثار انتباهي بطريقة إلقائهن والعناية بإعراب الكلمات، وإخراج الحروف من مخارجها، ومراعاة قواعد الوقف والوصل، وتعطيش الجيم، وما إلى ذلك. ولم يكن الحديث في اللغة ولا في الأدب، فالإذاعة لا تذيع في اللغة، والأدب فيها قليل. . على أن أحاديث الأدب لا تظفر بمثل هذه العناية التي يبذلها محدثنا، وإنما كان الحديث في السياسة، ولهذا كان انتباهي وعجبي. وقد زاد هذا العجب عندما انتهى المتحدث وقال المذيع: سمعتم الدكتور فلان بك. لأن الرجل ليس من أهل ذلك. . ولم يعهده أحد من قبل على مثل هذه الحال من إخراج القاف من أقصى الحلق، وقضم همزة الوصل، وملء الشدقين باللفظ، وتنعيم حرف اللين الأخير. .

ومن قبل ذلك سمعت الرجل بأحد النوادي يقلي محاضرة يخيل إلى أنه اختار عنوانها كلمة معينة، ليذكر جهادة في أنه أول من اهتدى إلى استعمالها في مدلولها الحديث، ولكن أسلوبه في هذه المحاضرة كان على عهد الأول، ولم يكن قد بلغ هذا الطور الذي بدا في إذاعته الأخيرة.

قل لي هكذا! كدت أصبح بهذه الكلمة عندما سمعت اسم صاحبنا يتردد في أثناء الحديث عن شغل الكرسي الذي خلا بمجمع فؤاد الأول للغة العربية بوفاة أنطوان الجميل باشا.

ومن أعمال المجمع ذات الأثر الحميد أنه قرر تأجيل شغل هذا الكرسي متجهة نيته إلى شغله في العام القادم. وأثر هذا القرار المفيد ظاهر في صالح اللغة العربية كما رأيت على لسان المتحدث الفاضل، ومن يدري فقد ينهج آخرون مثل هذا النهج القويم، ولا شك أن استمرارهم عليه عاماً يكسبهم قدرة على الفصاحة ويعيد إلى الدقة اللغوية اعتبارها لدى بعض (التقدميين)

من طرف المجالس:

كان بيد أحد الجالسين مطبوع صغير كتب عليه (ملحمة) وهو نشيد طويل قدمه صاحبه إلى جامعة الدول العربية ليكون (نشيد العروبة) وقدم له بتقاريظ من بعض الكبراء والزعماء

ودار الحديث حول انتقاد هذا الصنيع وهو إقحام الكبراء في الكم على الشئون الأدبية والفنية.

ثم أقبل أحد الأصحاب وأخذ مجلسه، فقال لمن بيده (الملحمة):

- ما هذا؟

- نابلسي فاروق. . .

العباس