مجلة الرسالة/العدد 778/من تاريخ الطب الإسلامي
مجلة الرسالة/العدد 778/من تاريخ الطب الإسلامي
لصاحب السعادة الدكتور قاسم غني
سفير إيران بمصر
- 3 -
لقد كان بدء نقل الكتب العلمية إلى اللغة العربية كما ذكرنا آنفاً - بعد استقرار الحكم العربي، وأن اكثر المترجمين كانوا من أمم غير عربية، وأحياناً من غير المسلمين كالسريان والعبريين ومن الإيرانيين المسلمين منهم، والنصارى واليهود والمجوس، غير أن النهضة العلمية الحقيقة بدأت في العصر العباسي، وكان للإيرانيين حينذاك نفوذ كبير وشأن في الدولة عظيم.
ففي هذا العصر ترجمت كتب علمية على درجة كبيرة من الأهمية، ولاسيما في زمن خلافة المأمون. وكانت أمه وزوجته إيرانيتين، وكان نفوذ الإيرانيين قد بلغ في عهده غايته، ففي هذا العصر حصل العرب بطريق الفتح، أو بإيفاد بعوث خاصة إلى بلاد الإمبراطورية البيزنطية، أو بالشراء أو المبادلة على كثير من الكتب اليونانية النفيسة، أو ترجمتها السريانية، فجمعوها في مكتبة الخليفة المسماة (بيت الحكمة)، وقام بتعريبها مهرة المترجمين. ويروي بعض المؤرخين المسلمين عن سبب اهتمام المأمون بالعلوم الفلسفية وغيرها قصة ملخصها أن المأمون رأى أرسطو في منامه وسر من كلامه، فرغب في قراءة مؤلفاته. لذلك أحضر كتبه وأمر بترجمتها إلى العربية.
ويروي ابن النديم بهذا الشأن هذه الرواية:
(إن المأمون رأى في منامه كأن رجلا أبيض اللون، مشرباً حمرة، واسع الجبهة مقرون الحاجب أجلح الرأس أشهل العينين، حسن الشمائل، جالس على سريره. قال المأمون: وكأني بين يديه قد ملئت له هيبة، فقلت من أنت؟ قال: أنا أرسطاليس. فسررت به وقلت: أيها الحكيم، أسألك؟ قال سل. قلت ما الحسن؟ قال ما حسن في العقل. قلت ثم ماذا؟ قال ما حسن في الشرع، قلت ثم ماذا؟ قال ما حسن عند الجمهور. قلت ثم ماذا؟ قال ثم لا ثم. وفي رواية أخرى قلت زدني، قال من نصحك في الذهب، فليكن عند كالذهب. وعليك بالتوحيد.
وهو يعتقد أن هذا المقام كان من أوكد الأسباب في إخراج الكتب، غير أننا نرى كما سبق القول في ذلك، أن ظهور الفلسفة والعلوم في الإسلام كان أمراً طبيعياً وكان من مستلزمات الحضارة، وأن اتصال المسلمين بالأمم المتحضرة كان يوجب عليهم الاكتساب من علومهم ومعارفهم.
وكما أن اللغة اللاتينية كانت لغة العلم في جميع البلاد الأوروبية طوال القرون الوسطى، أصبحت اللغة العربية بالتدريج، لغة العلم والعلماء بين المسلمين. وكان العلماء والمسلمون من كل قوم ولغة يؤلفون مؤلفاتهم بها ليستفيد منها جميع المسلمين. وبتوالي الزمن أصبحت المصطلحات العلمية التي وضعت في اللغة العربية، كالنقد الرائج يتلقاها الجميع بأحسن قبول.
هذا ولا يفوتنا أن نشير هنا إلى أن للغة العربية خصائص ومزايا تجعلها صالحة لوضع المصطلحات الجديدة فهي عن أغنى لغات العالم، ففي اللغة العربية مثلا وزن (فُعال) وأكثر الكلمات التي على هذا الوزن، مثل صداع وزكام وجذام ودوار وبحار (دوار البحر) وخمار وغيرها تدل على الأمراض، وتلك مزية قلما تتوفر في لغة أخرى، إلى غير ذلك من مزايا لا تعد ولا تحصر.
وقد وضع العرب في بعض الأحيان بمهارة متناهية، كلمات عربية تؤدي معاني الكلمات اليونانية بدقة مثل كلمة تشخيص مقابل كلمة ديا جنوسيس وتقدمة المعرفة مقابل بروجنوسيس كما أنهم كانوا في أحيان أخرى يأخذون نفس الكلمات اليونانية بصورتها الأصلية مع تحريف بسيط يناسب النطق العربي مثل كلمات (ذوسنطاريا) و (إيلاوس) و (ذياييتوس).
وهذه الكتب المترجمة إلى العربية هي التي ترجمت من العربية إلى اللاتينية في القرون الوسطى، وترجمت معها المؤلفات الطبية لمحمد بن زكريا الرازي، وعلي بن العباس المجوسي الأهوازي، والشيخ الرئيس ابن سينا، وأبي القاسم الزهراوي وإضرابهم، ودرست في مدارسهم وبعد ذلك بزمن طويل أي في العصور الحديثة عرف الأوربيون المتون اليونانية الأصلية لتلك التراجم؛ وبعد العثور على المتون الأصلية، فقدت التراجم العربية رونقها السابق.
يذكر ابن النديم في الفهرست أسماء ما يقارب السبعين مترجماً من هؤلاء المترجمين مع ذكر الكتب التي قاموا بتعريبها واللغة المترجم عنها، كما أنه يذكر ضمن بيان ترجمة الحكماء والأطباء اليونانيين أسماء مؤلفاتهم التي ترجمت إلى العربية مع ذكر أسماء الذين قاموا بترجمتها، أو الذين قاموا بإصلاح الترجمة بعد مراجعتها على الأصل اليوناني أو السرياني، غير أن أكثر هذه الكتب قد ضاع مع الأسف على أثر الحوادث المختلفة.
وها نحن أولاء نذكر هنا كنموذج أسماء بعض كتب بقراط وجالينوس المهمة المترجمة إلى العربية مع ذكر أسماء الذين قاموا بترجمتها.
1 - كتاب عهد بقراط تفسير جالينوس: ترجمة إلى السريانية حنين بن إسحق ثم نقله إلى العربية حبيش وعيسى بن يحيى
2 - كتاب الفصول لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمة حنين بن إسحق في سبع مقالات إلى العربية.
3 - كتاب تقدمة المعرفة لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمة حنين بن إسحق إلى العربية.
4 - كتاب الأمراض الحادة لأبقراط تفسير جالينوس: ترجم عيسى بن يحيى ثلاثاً من مقالاته الخمس إلى العربية.
5 - كتاب أبيذيما لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمه عيسى بن يحيى إلى العربية:
6 - كتاب الأخلاط لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمه عيسى بن يحيى إلى العربية.
7 - كتاب الماء والهواء لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمه حنين بن أسحق إلى العربية.
8 - كتاب طبيعة الإنسان لأبقراط تفسير جالينوس: ترجمه حنين بن أسحق وعيسى بن يحيى إلى العربية.
ويلاحظ أن معظم كتب جالينوس نقلت إلى العربية بواسطة حنين بن أسحق أو تلاميذه، مثل عيسى بن يحيى، وحبيش.
كان حنين بن أسحق من أشهر علماء عصره وأكثرهم إنتاجاً، فإن سبعة أعشار مؤلفات بقراط قد ترجمت بواسطته، والقسم الباقي منها، وكذلك الشطر الأكبر من مؤلفات جالينوس قام بترجمته هو أو بعض تلاميذه.
وكان حنين ينقل على الأغلب الكتب اليونانية إلى السريانية ثم يقوم تلاميذه بنقلها من السريانية إلى العربية، ثم يراجعها هو بنفسه ويصححها. وقد قام هو بنقل بعض الكتب من اليونانية إلى العربية مباشرة، ويتضح من مجموعة ترجماته أنه كان متضلعاً للغات في الثلاث: اليونانية والسريانية والعربية تضلعاً تاماً
وقد قام حنين بن أسحق وابنه أسحق بن حنين وتلاميذه بترجمة بعض مؤلفات جالينوس بالكيفية التي ذكرناها في ترجمة كتب بقراط منها كتاب (الصناعة) وكتاب عن (النبض) وكتاب في (العلاج) و (المقالات الخمس في التشريح) وكتاب (الاسطقصات) وكتاب (المزاج) وكتاب (القوى الطبيعية) وكتاب (العلل والأعراض) وكتاب عن أمراض (الأعضاء الباطنية) وكتاب كبير عن (النبض) وكتاب عن (الحميات) وكتاب عن (بحران المرض) وكتاب عن (أيام البحران) وكتاب في (حفظ الصحة) وكتاب (التشريح الكبير) وكتاب عن (اختلاف التشريح) وكتاب (تشريح الحيوان الميت) وكتاب (تشريح الحيوان الحي) وكتاب عن (علم بقراط في التشريح) وكتاب عن (علم أرسطو في التشريح) وكتاب (تشريح الرحم) وكتاب (حركات الصدر والرئة) وكتاب (علم النفس) وكتاب (الصوت) وكتاب (حركات العضل) وكتاب (الحاجة إلى النبض) وكتاب (الحاجة إلى التنفس) وكتاب (العادات) وكتاب (آراء بقراط وأفلاطون) وكتاب (فوائد الأعضاء) وكتاب (سوء المزاج) وكتاب (الأدوية المفردة) وكتاب (الأورام) وكتاب عن (المولود في الشهر السابع) وكتاب عن (سوء التنفس) وكتاب (تقدمة المعرفة) وكتاب عن (الفصد) وكتاب عن صرع الأطفال وكتاب عن الأغذية وكتاب (الكيموسل) وكتاب معالجة الأمراض الحادة وكتاب تركيب الأدوية وكتاب في أن الطبيب الفاضل (فيلسوف) وكتاب عن الكتب المنسوبة إلى بقراط، وبيان الكتب المقطوع بصحة نسبتها إليه، وكتاب في الترغيب في درس الطب، وكتاب عن اختبار الطبيب، وكتاب في أن قوة النفس تابعة لمزاج البدن، وكتب أخرى ترجمت جميعها بهمة حنين بن اسحق وتلاميذه مثل حبيش بن الحسن الأعشم وعيسى بن يحيى واصطفن بن بسيلي وإبراهيم بن الصلت ونجله اسحق بن حنين وأخرين.
وقد نقلت مؤلفات أخرى لمشاهير الأطباء اليونانيين إلى العربية مثل كتاب (تشريح الأحشاء) وكتاب (الأدوية المستعملة) لأوريباسيوس وكتب عدة من مؤلفات روفس ' منها كتاب تسمية أعضاء الإنسان وكتاب اليرقان، وكتاب أمراض المفاصل، وكتاب عن أمراض الحنجرة والبلعوم والذبحة، وكتاب عن النساء العواقر، ووصايا صحية، وكتاب الصرع، وكتاب حمى الريح وكتاب ذات الجنب وذات الرئة وكتاب عن القيء وكتاب عن الدوار القاتل وكتاب عن أمراض الكلبة والمثانة وكتاب في الجراحات وكتاب عن صحة الشيوخ وكتاب عن التوليد وكتاب احتباس الطمث وكتاب الأمراض المزمنة على رأي (بقراط) وكتب أخرى منها كتاب عن (أمراض العيون وعلاجها) وكتاب عن الدودة الوحيدة من مؤلفات الطبيب الشهير اسكندروس طرالتيوس وبعض كتب بولس الأجانطبي ' منها كتاب أمراض النساء وكتاب (الأدوية المفردة) لديسقوربدس وهو من أعاظم علماء الأدوية والعقاقير وقد قام برحلات كثيرة للبحث عن خواص الأعشاب والنباتات إلى كثير من البلاد والجزائر النائية.
ولحنين بن اسحق العبادي المترجم العظيم المذكور المتوفي حسب رواية ابن النديم في صفر من العام الستين بعد المائتين من الهجرة، غير كل هذه الكتب المترجمة مؤلفات هامة كثيرة منها. كتب في الطب مثل كتابه في الأطعمة وكتاب في تقسيم علل أمراض العين وعلاجها وكتاب عن الأسنان واللثة وكتاب عن أوجاع المعدة وعلاجها وكتاب عن المولود في الشهر الثامن.
ومن كبار المترجمين الذين يدين الشرق لخدماتهم العلمية قسطا بن لوقا البعلبكي ويقول ابن النديم في ترجمته (كان يجب أن يقدم على حنين لفضله ونبله وتقدمه في صناعة الطب، ولكن بعض الإخوان سأل أن يقدم حنين عليه وكلا الرجلين فاضل).
إن معظم ما قام بترجمته قسطا بن لوقا في الهندسة والأعداد والموسيقى، غير أن له كذلك تراجم جيدة جداً في الفلسفة والطب منها كتاب (الدم) وكتاب (البلغم) وكتاب (الصفراء) وكتاب (السوداء) وكتاب (علة الموت الفجاءة) وكتاب (أيام البحران) وكتاب (الفصد).
وينتسب عدد كبير من كبار مترجمي اللغة العربية لمدينة حران. وكانت تسمى هلنو بوليس لحبهم العظيم للمعارف اليونانية وعرف هؤلاء بالصابئين. وليس هنا مجال التحدث عن أصلهم وديانتهم.
وأشهر علماء حران ومترجميها ثابت بن قرة ونجله أبو سعيد سنان بن ثابت ونجل هذا الأخير أبو الحسن وآخرون من أنجاله وأحفاده وقد اشتهروا جميعاً بالعلم وحسن الترجمة.
ومن أعاظم علماء القرن الثالث الهجري أبو يوسف يعقوب ابن اسحق الكندمي المعروف بفليسوف العرب، وكان متبحراً في علوم القدماء، وله مقالات ومؤلفات نفيسة في كل فرع من فروع العلوم المختلفة ومنها الطب. وينسب له ابن النديم في سياق ذكر مؤلفاته في العلوم والفنون المختلفة الكتب الآتي ذكرها في الطب:
رسالة في (طب بقراط) ورسالة في (الأطعمة والأدوية القاتلة) ورسالة في (الأبخرة التي تنقي الهواء وتزيل منه آثار والأوبئة) ورسالة عن (الأدوية التي تزيل آثار الروائح المؤذية) ورسالة في (كيفية الأدوية المسهلة وجذب الأخلاط) ورسالة في (حفظ الصحة) ورسالة في (أسباب بحران الأمراض الحادة) ورسالة عن (الأعضاء الرئيسية في الإنسان) ورسالة عن (كيفية تركيب الدماغ) ورسالة عن (علة الجذام والشفاء منه) ورسالة في (عضة الكلب الكلِب) ورسالة في (الأعراض التي تظهر بسبب البلغم) ورسالة عن (علة موت الفجأة) ورسالة عن (أوجاع المعدة والنقرس) ورسالة عن (الطحال) ورسالة عن (فساد جسد الحيوان) ورسالة عن (مقدار فائدة صناعة الطب) ورسالة عن (الطعام) وأخرى عن (فساد الطعام).
والآراء جد مختلفة في قيمة هذه التراجم ومبلغ جودتها أو رداءتها.
يقول بونيون (وكان قنصلا لفرنسا بحلب وقد طبع عام 1903 المتن السرياني لأحد مؤلفات بقراط مع ترجمته في لييزيك) أم التراجم السريانية غامضة ومعقدة وهي تراجم لفظية لدرجة أن معاني بعض الجمل لا تفهم، وأن تركيب الجمل والعبارات فيها مشوش، ومفردات اللغة مستعملة لغير ما وضعت له من المعاني. وسبب ذلك أن المترجمين كانوا يجتهدون في أن تكون ترجمتهم صادقة ومطابقة للأصل على قدر الإمكان، ولذلك كانوا عندما يواجهون جملة صعبة يكتفون بوضع الترجمة اللفظية للكلمات اليونانية مكان الكلمات الأصلية دون أن يفكروا في معنى العبارة كلها، وإن جهلوا معنى الكلمة اليونانية اكتفوا بكتابتها عيناً بالحروف السريانية؛ لذلك كله ترى في تلك التراجم كثيراً من العبارات غير الصحيحة والجمل غير المفهومة.
إن هذا العيب يصدق إلى حدّ ما على بعض هذه التراجم ولا سيما الكتب التي ترجمت في مبدأ تعرف المسلمين على فلسفة اليونان وعلومهم، فقد كان لهذه التراجم نواقص كثيرة من وجهة فن الترجمة، ولذلك كثيراً ما نرى ابن النديم يقول في الفهرست (قام بترجمة الكتاب فلان وأصلحه فلان).
وكان من أسباب نقص هذه التراجم نقص اللغة السريانية نفسها وضيق أفقها بالنسبة للغة اليونانية التي تعتبر من أغنى لغات العالم وأوسعها دائرة، وقد كانت لغة الخطاب والتأليف قروناً عدة ألف بها أمثال هومبروس واشيل وتوسيديد وديموستن وبقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم.
ومن أسباب نقص هذه التراجم غير ما ذكرنا عدم وجود مصطلحات علمية وفلسفية لدى السريان أو عدم معرفة مترجمي الحقبة الأولى منهم بتلك المصطلحات.
ومن البديهي أنه عندما ترجمت هذه الكتب المترجمة مع ما فيها من العيوب والنقائص التي يشير إليها بويون إلى اللغة العربية ازدادت عن أصلها بعداً وأضيفت إلى غموض الترجمة وإبهامها الشيء الكثير وأصبحت استفادة الطب منها من أصعب المشكلات.
يقول الشيخ الرئيس ابن سينا في ترجمة حياته التي أملاها على تلميذه أبي عبيد عبد الواحد بن محمد الفقيه الجرجاني
(وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم ما فيه والتبس على غرض واضعه حتى أعدت قراءته أربعين مرة وصار لي محفوظاً وأنا مع ذلك لا أفهمه ولا أعرف المقصود به، وأيست من نفسي وقلت هذا الكتاب لا سبيل إلى فهمه، فإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في سوق الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه فعرضه على فرددته رد متبرم معتقد أن لا فائدة في هذا العلم، فقال لي اشتر مني هذا فإنه رخيص وصاحبه محتاج إلى ثمنه فاشتريته بثلاثة دراهم فإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة ورجعت إلى بيتي وأسرعت إلى قراءته فانفتح على في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه كان صار لي محفوظاً على ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكراً لله تعالى)
ويفهم من هذا أن الترجمة كانت في بعض الأحيان ضعيفة ورديئة لدرجة أن قريحة كقريحة ابن سينا كانت تحتار في تفهم معناه وتيأس من ذلك.
فإن شئنا أن لا نعدو الحق والأنصاف في حكمنا يجدر بنا أن نذكر أن نشر العلوم اليونانية وتعميمها ووضعها في متناول طلبة العلم وتقريبها لفهمهم كان بفضل الطبقة الثانية من المترجمين الذين كانوا قد فهموا تلك العلوم بأنفسهم فهماً جيداً. وكانت ترجمتهم واضحة يفهمها طالب العلم بسهولة، وبفضل هؤلاء وببركة دراساتهم وتحقيقاتهم العلمية وتصحيحهم للتراجم السابقة حلت المشكلات العويصة.
أما قول بعض النقاد أن التراجم لا تفهم دون مراجعة الأصل فمبالغ فيه.
يعتقد لو كلرك أن النقل المباشر من اليونانية إلى العربية حسن بصورة عامة، والكتب المترجمة بهذه الطريقة مترجمة بذكاء عظيم وقريحة وقادة وذوق سليم، غير أن النقل من العربية إلى اللاتينية، وكان يقوم به مترجمون غير ملمين باللغات، كان ناقصاً ومشوهاً، فالذين يحكمون على الترجمات العربية عن طريق ترجمتها اللاتينية قد سلكوا طريقاً خطأ. ويذكر لوكلرك مثالا حياً لهذا فيقول إن بعض أقسام القانون لابن سينا لا يفهم جيداً، أو قل لا يفهم أبداً باللاتينية؛ والسبب هو أن المترجم لم يكن يعرف العبارة العربية في الأصل، أو لم يكن يتقن اللاتينية التي ترجم إليها.
(يتبع)
قاسم غني