مجلة الرسالة/العدد 756/حجج تاريخية
مجلة الرسالة/العدد 756/حجج تاريخية
للدكتور جواد علي
يطالب الصهاينة بأرض الميعاد، أو (الأرض الموعودة) وبعنوان ذلك ما جاء في التوراة وعداً (لإبرام) (إبراهيم) (وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم).
وفي هذه الآية وفي آيات أخرى أن إبراهيم جد العبرانيين الأعلى لم يكن من أرض (كنعان) أو (أرض فلسطين) بل كان من أرض أخرى وأن فلسطين كانت أرض (الكنعانيين) وقال الرب لإبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت لأبيك إلى الأرض التي أريك فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة، وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض). وجاء بعد ذلك (وظهر الرب لإبرام وقال لنسلك أعطي هذه الأرض).
وقد خصصت هذه الأرض (أرض كنعان) (بإبراهيم) وبنسله ومن نسله العرب واليهود وفي القرآن الكريم إن إبراهيم هو أبو العرب، والعرب يطالبون بحكم القرآن الكريم بحقهم كذلك في أرض إبراهيم، وقد حددت التوراة الأرض التي أعطاها الله لإبراهيم وذريته على النحو الآتي (في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقاً قائلاً لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات).
وجاء في موضع آخر من التوراة (وكان بعد موت موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً موسى عبدي قد مات، فالآن قم أعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل، كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى، من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحيثيين وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم).
وجاء في التوراة كذلك (وشاخ يشوع تقدم في الأيام فقال له الرب أنت قد شخت تقدمت في الأيام، وقد بقيت أرض كثيرة جداً للامتلاك هذه الأرض الباقية: كل دائرة الفلسطينيين وكل الجشورين من الشجور الذي هو إمام مصر إلى تخم عقرون شمالاً تحسب للكنعانيين أقطاب الفلسطينيين الخمسة الغزى والأشدودي والأشقلوني والجني والمقروني والموبين، من التيمن كل أرض الكنعانيين ومغارة التي للصيدونيين إلى أفيق إلى تخم الأموريين وأرض الجبلين وكل لبنان نحو شروق الشمس من بعل جاد تحت جبل حرمون إلى مدخل حماة، جميع سكان الجبل من لبنان إلى مسرفوت مايم جميع الصيدونيين، أنا اطردهم من أمام بني إسرائيل).
فأرض الميعاد التي تتغنى بها الصهيونية أرض واسعة تشتمل على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن وكل الأراضي التي لم يتمكن أنبياء وملوك بني إسرائيل من امتلاكها.
والصهيونية تدين بالقومية المتطرفة التي تعلو على قومية (الوطنية النازية) التي حاربها الحلفاء فإنهم ينظرون إلى أنفسهم بنظرية (الجنس المختار) و (الشعب الذي وضعه الله فوق الشعوب، ولذلك فهي تنفر من سائر شعوب الأرض وتنظر إلى نفسها نظرة إعجاب وكبرياء وقد استمدت نظريتها هذه منذ القديم حيث جاء في التوراة (لأنكشعب مقدس للرب إلهك وقد أختارك الرب لكي تكون له شعباً خالصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض). وتدين بالقوانين التي وضعها (عزرا) (فاعترفوا الآن للرب إله آبائكم واعملوا مرضاته وانفصلوا عن شعوب الأرض وعن النساء الغريبة). تلك القوانين التي غدت نموذجاً لقوانين (نورمبرك).
إن الصهيونية لا تقبل إلا بإحياء الدولة اليهودية المتطرفة، ولا ترضى بفلسطين وحدها، جاء في كتاب (الدولة اليهودية تتحقق) (لهوبرت بولاك) أعلن بوضوح في المؤتمر الصهيوني العشرين وفي مناسبات علنية أخرى أن مشروع تقسيم فلسطين هو أصغر من أن يحل المشكلة اليهودية، ولهذا السبب فإن مثل هذه الدولة لا يمكن أن تتفق مع الأماني اليهودية، ولا مع روحية الصهيونية، ثم إن فلسطين نفسها لا يمكن أن تحل المشكلة اليهودية لأنها أصغر من أن تحل هذه المعضلة، فلابد من ضم شرقي الأردن؛ لأنها في حالة ازدحام فلسطين ازدحاماً تاماً لا يمكن أن تتسع لأكثر من سبعة ملايين نسمة. وفي حالة تقدم الدولة تقدماً كبيراً فسيكون بها حوالي ثلاثة ملايين من العرب، ولذلك فإنه لا يمكن أن تتسع هذه الدولة في مثل هذه الظروف لأكثر من أربعة ملايين يهودي، وإذن لا يمكن أن تتكون دولة يهودية بدون شرقي الأردن).
وبحث عن المشكلة اليهودية فقال (إن هذه المشكلة لا يمكن حلها إلا إذا نزل الشعب اليهودي بأجمعه في أرضه الأصلية كلها، وتحت حماية دولته الوطنية، وفي هذا المعنى فقط تحل المشكلة اليهودية ولهذا الهدف تسمى الحركة الصهيونية).
وقال (هرتزل) مؤسس الحركة الصهيونية في كتابه (الدولة اليهودية) (وفي حالة ما إذا أعطانا جلالة السلطان فلسطين فإننا سنتمكن عندئذ من الإشراف على مالية الإمبراطورية العثمانية، وتكون في متناول يدنا، وسنكون بالنسبة لأوربا سداً منيعاً أمام آسيا؛ وسنكون مركز حماية الثقافة أمام البربرية).
ولما فشل في إقناع الحكومة العثمانية بإعطاء فلسطين للصهاينة وضع مشروعاً سريعاً لغزو فلسطين، وقد نفذت المؤسسات الصهيونية هذا المشروع، ويتلخص في أن يقوم اليهود بإقناع الدول الكبرى بتأييد القضية الصهيونية وبالاعتراف بحق اليهود في تكوين دولة لهم بفلسطين وبتوجيه أنظار اليهود نحو فلسطين وحثهم على الهجرة إليها حتى تتكون فيها جاليات يهودية قوية تتمركز في الأرض المقدسة تشتري الأرض والأملاك إلى أن يكون لليهود عدد كبير في فلسطين فيثور هؤلاء ويطالبون عندئذ بحقهم في تكوين الدولة اليهودية. ومتى تكونت الدولة تطرد الأقليات العربية منها وتصبح الدولة اليهودية حقيقة واقعة).
وقد اتخذت الصهيونية لها شعاراً هو (تقوية المركز اليهودي في فلسطين)
وقد طبقت هذه السياسة فعلاً؛ ولا تزال تطبق هذه الخطة السرية لاحتلال كل الأراضي التي يطلقون عليها (أرض الميعاد).
جواد علي