مجلة الرسالة/العدد 754/صليبية من نوع جديد!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 754/صليبية من نوع جديد!

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 12 - 1947


شتان بين الغزوات الثمانية التي شنتها أوربا النصرانية على الشرق المسلم في مدى قرنين من العصر الوسيط، وبين هذه الصليبية التاسعة التي تشنها أوربا وأمريكا على فلسطين في هذه الأيام من عصرنا الحديث!

تلك غزوات كان مبعثها الفروسية المسيحية والعصبية الدينية، صدرت عن الإيمان وابتغت مرضاة المسيح، وهذه غزوة بعثتها اللصوصية الدولية والطماعية الدنيوية فصدرت عن الكفر وابتغت مرضاة يهوذا! ويهوذا هو اليهودي الذي باع المسيح إلى عدوه بدوانق معدودة قبل أن يصيح الديك؛ وهو الذي روى بالدم المسفوح شجرة الصليب فأثمرت العذاب للناس والخراب للأرض!

ولا يزال يهوذا المسيح ينافس في الشر إبليس آدم: يبغي الغوائل لأتباع عيسى كما ينصب الحبائل لأتباع محمد؛ فلكل مصلح من يديه صليب، ولكل نهضة من وساوسه نصيب، ولكل أمة من دسائسه فتنة!

ومن أعجب الأمور أن تتعاون اليوم دول النصرانية على أن تجعل صانع الصليب سادناً لقبر المسيح وكاهناً لكنيسة القيامة!

لقد كان بطرس الناسك ولويس التاسع أدنى إلى الإيمان من بلفور الواعد وستالين المساعد وترومان المنفذ! كانا يؤلبان حملة الصلبان على أن ينتزعوا مفاتيح الأقداس المسيحية في فلسطين من أيدي المسلمين سدنتها الشرعيين ليضعوها في أيدي النصارى الغربيين سأماً فقد حملوا الأمم المتحدة المسيحية على ظان تجود بها على سلائل (اسخريوط) من صهاينة اليهود؛ والجود بما لا تملك على من لا يستحق أغرب حوادث الجود!

ليست المسألة إذن مسألة دين أو جنس؛ إنما هي مسألة استعمار وتنافس. وليست مدافعة الصهيونيين عن قلب العروبة أمراً يعني فلسطين وحدها أو المسلمين وحدهم، إنما هو أمر يعني الأقطار العربية جمعاء، ويهم العرب مسلمين ومسيحيين على السواء!

ذلك لأن الهيضة ظهرت جراثيمها في (القرين)، ثم ظهرت أعراضها بعد أيام في (قنا). والسرطان إذا نشبت جذوره في عضو نجمت فروعه في كل عضو. والصهيونية إذا عشش بومها في خرائب (سليمان) طبقت أفراخها الأرض ما بين النيل والفرات. والعلق إذا فشا في ماء شق على ذي الدم الحار أن يعيش فيه. واليهود علق البشرية يمتصون دمها ثم يفرزونه كالعنكبوت خيوطاً من الذهب يصيدون بها الذباب والبعوض من ساسة أوربا وأمريكا! وما دام أمر الصهيونيين والمستعمرين قائماً على العدوان والجور، فإن الفيصل بيننا وبينهم هو القوة. والقوة منذ جعلها الله قواماً لهذا الكون أودعها الإيمان والذهب والحديد. فأما الإيمان فيجيش في الصدور العربية جيشان السيل المزبد الهادر فتسمع اصطخابه في كل بلد. وأما الذهب فيفيض من الخزائن والجيوب ولن يبخل عربي على فلسطين بمال ولا ولد. وأما الحديد فسيصوغه الذهب بأساً للإيمان وروحاً للجلاد ومعنى للجلد. ومتى اجتمعت هذه الثلاثة للجيش المجاهد فهيهات أن يقف في سبيله أحد!

أحمد حسن الزيات