مجلة الرسالة/العدد 754/رحلة إلى الهند

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 754/رحلة إلى الهند

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 12 - 1947


15 - رحلة إلى الهند

للدكتور عبد الوهاب عزام بك

عميد كلية الآداب

مدينة أكرا

القلعة

وتوجهنا من مزار جلال الدين أكبر إلى تاج محل، دخلناه بعد الغروب ثم عدنا إلى زيارته صباح اليوم التالي ومساءه - وسأفرد له مقالاً.

ويوم الأحد رابع عشر جمادى الأولى ذهبنا إلى قلعة أكرا. وهي قلعة كبيرة تمتد أسوارها ميلاً ونصف ميل على نهر جمنه. وفيها من المساكن والدواوين والأبراج والمساجد ما لا أستطيع وصفه في هذا المقال.

وقد ذكرت من قبل قلعة دهلي ووصفت بعض ما فيها، وهذه القلعة تشبهها سعة وضخامة وكثرة أبنية، ولكن هذه أقدم، بناها جلال الدين أكبر وزاد فيها ابنه جهانكير ثم شاهجهان أعظم سلاطين هذه الدولة عمارة، وأجملهم آثاراً. بز في هذا الشأن سلفه وخلفه على عظم ما شادوا وجميل ما اثر عنهم في التاريخ وفخامة ما تركوا على الأرض.

وفي قلعة أكرا آثار لأكبر على أسلوب العمارة الهندية القديمة كالدار التي بناها لزوجه الهندكية. وكان مولعاً بالجمع بين الأساليب المختلفة وقد أسلفنا أنه حاول أن يجمع الناس على دين واحد.

وقلعة دهلي فيها تأنق شاهجان في التشييد والتجلة، وهي فيما رأيت، أحسن آثاراً وأجمل بناء، وأبقى رونقاً.

وكلتا القلعتين من شواهد الملك الضخم الفخم، والحضارة ذات الثراء والصناعة، والرفاهية والأبهة.

ومن آثار القلعتين الديوان الخاص وهو مجلس السلطان على خاصته، والديوان العام وهو مجلسه للعامة.

ومع هذا المقال صورتا الديوان العام والخاص في قلعة أكرا، والأول مبنى بالحجر الوردي وعليه طلاء يخيل لرائيه أنه من الرخام. وطوله 198 قدماً في عرض 67 بناه شاهجهان سنة 1057هـ والديوان الخاص من آثار شاهجهان كذلك بناه سنة 1046هـ وهو من المرمر مرصع بالجواهر. وطوله 65 قدماً في عرض 34.

مزار اعتماد الدولة

وبعد أن رأينا من آثار القلعة، ما اتسع له الوقت خرجنا من بين الآثار العظيمة الكثيرة إلى أثر صغير جميل هو ضريح مرزا غياث الدين الملقب اعتماد الدولة وهو وزير السلطان جهانكيز وأبو نورجهان زوج السلطان.

وقد بنيت هذه الأعجوبة الهندسية نورجهان في عهد زوجها. تخليداً لذكرى أبيها.

ومزار اعتماد الدولة يشبه في مدخله وفنائه وخطته المزارات الأخرى التي شادتها هذه الدولة العظيمة ولكنه أضيق رقعة وأصغر حجماً.

وهو بناء مربع في أركانه أربع أبراج جميلة مصنعة وفوقه قبة أو ظلة مستطيلة. وفي وسط البناء تحت القبة قبران لاعتماد الدولة وزوجه. وفي جوانب البناء حجرات فيها قبور لأمراء وأميرات: حجرة فيها أصف جهان وامرأته، وهما والدا ممتاز محل دفينة التاج. وسنذكرها في مقال تاج محل، وحجرة أخرى فيها كريم بك أخو اعتماد الدولة الخ.

وفي البناء جدره وقبته وأبراجه من إبداع الهندسة وعجائب التلوين بالرخام، وأفانين الصناعة في التخريم والترصيع ما يسحر الزائر ويحيره، وفيه من الجمال ما يأنس به الزائر ويسكن إليه، إلى بساطة في التخطيط تشيع النور في أرجائه، وتأذن للزائر وهو تحت القبة أن يسرح طرفه في الفناء المحيط بالبناء.

وهو يشبه في زينته وترصيعه تاج محل. وقد كمل هذا المزار قبل الشروع في بناء التاج بثلاث سنوات. واستغرق بناؤه ثماني سنوات.

وفي المقال الآتي أحاول وصف الأثر الجميل الذائع الصيت الذي يضئ ذكره في الأجيال والآفاق. وذلكم تاج الآثار الإسلامية الهندية المسمى (تاج محل).

عبد الوهاب عزام