مجلة الرسالة/العدد 746/من شوارد الشواهد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 746/من شوارد الشواهد

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 10 - 1947



للأستاذ علي الطنطاوي

19 - ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني=يمينك فانظر أي كف تبدل

لمعن ابن أوس المزني، شاعر مخضرم مجيد معمر، من قصيدته التي يقول فيها:

لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تأتي المنية أول

وإني أخوك الدائم العهد لم أخن ... إن ابزاك خصم أو نبا بك منزل

أحارب من حاربت من ذوي عداوة ... واحبس مالي إن غرمت فأعقل

وإن سؤتني يوماً صبرت إلى غد ... ليعقب يوماً آخر مقبل

ستقطع. . . (البيت).

وفي الناس إن رثت حبالك واصل ... وفي الأرض عن دار القِلى متحول

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل

ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل

وهي طويلة جيدة، ومنها البيت السائر:

إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل

20 - فهبك يميني استأكلت فقطعتها=وجشمت قلبي صبره فتشجعا

لدعبل يعاتب مسلم ابن الوليد، من قصيدته التي يقول فيها:

أبا مخلد كنا عقدي مودة ... هوانا وقلبانا جميعاً معاً معا

فصيرتني بعد أن انتكاثك متهما ... لنفسي عليها أرهب الخلق اجمعا

غششت الهوى حتى تداعت أصوله ... بنا وابتذلت الود حتى تقطعا

وأنزلت من بين الجوانح والحشى ... ذخيرة ود طالما قد تمنعا

فلا تلحيني ليس لي فيك مطمع ... تخرقت حتى لم أجد لك مرقعا

فهبك. . . (البيت).

20 - فإما أن تكون أخي بحق=فاعرف منك غثّي من سميني

وإلا فاطرحني واتخذني ... عدواً أتقيك وتتقيني

للمثقب العبدي، وبعده: فما أدري إذا يممت أرضاً ... أريد الخير أيهما يليني

أالخير الذي أنا مبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني

22 - إن القلوب إذا تنافر ودها=مثل الزجاجة كسرها إلى يشعب

لصالح بن عبد القدوس، من قصيدته الطويلة في الحكم، ومطلعها:

صرمت حبالك بعد وصلك زينب ... والدهر فيه تصرم وتقلب

فدع الصبا فلقد عداك زمانه ... واجهد فعمرك مر منه إلا طيب

وبعدهما البيت السائر:

ذهب الشباب فما له من عودة ... وأتى المشيب فأين منه المهرب

ومنها:

لا خير في ود امرئ متملق ... حلو اللسان وقلبه يتلهب

يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب

23 - تمسك إن ظفرت بذيل حر=فان الحر في الدنيا قليل

من شعر الفقهاء، وهو لأبي اسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروز آبادا العالم العلم المعدود من أعلام الملة وقبله:

سألت الناس عن خل وفى ... فقالوا: ما إلى هذا سبيل!

24 - إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا=من كان يألفهم في المنزل الخشن

لإبراهيم بن عباس الصولي، الكاتب الشاعر، وقبله:

أولى البرية طراً أن تواسيه ... عند السرور الذي واساك في الحزن

25 - حسن قول (نعم) من بعد (لا) =وقبيح قول (لا) بعد (نعم)

للمثقب العبدي وهو عائد من محصن بن ثعلبه، شاعر جاهلي قديم كان في زمن عمرو بن هند وعمر حتى أدرك النعمان ابن المنذر، سمي المثقب (بالكسر) لبيت قاله وهو:

ظهرن بكلة وسدلن رقماً ... وثقبن الوصاوص للعيون

من قطعة له يقول فيها:

لا تقولن إذا ما لم ترد ... إن تتم الوعد في شيء: (نعم)

حسن قول (نعم). . . (البيت) إن (لا) بعد (نعم) فاحشة ... فب (لا) فابدأ إذا خفت الندم

وإذا قلت (نعم) فاصبر لها ... بنجاز الوعد إن الخلف ندم

أكرم الجار وراعي حقه=إن عرفان الفتى الحق كرم

إن شر الناس من يمدحني ... حين يلقاني وان غبت شتم

26 - منذ الذي ما ساء قط=ومن له الحسنى فقط

للحريري، من المقامة الشعرية، وأول المقطوعة:

سامح أخاك إذا خلط ... منه الإصابة بالغلط

وتجاف عن تعنيفه ... إن زاغ يوماً أو قسط

واعلم بأنك إن طلبـ ... ت مهذباً رمت الشطط

27 - وان امرءاً يمسي ويصبح سالماً=من الناس إلا ما جنى لسعيد

للمعلوط بن بدل القريعي وقبله:

متى ما يرى الناس الغنى وجاره ... فقير يقولوا عاجز وجليد

وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسمت وجدود

إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً ... فمطلبهاً كهلاً عليه شديد

وكائن رأينا من غني مذمم ... وصعلوك قوم مات وهو حميد

وإن امرءاً. . . (البيت)

28 - نوائب الدهر أدبتني=وإنما يوعظ الأديب

لسليمان بن وهب، وزير المهتدي قاله في نكبته، وبعده:

قد ذقت حلواً وذقت مراً ... كذاك عيش الفتى ضروب

ما مر بؤس ولا نعيم ... إلا ولي فيها نصيب

29 - اخلق بذي الصبر إن يحظى بحاجته=ومدمن القرع للأبواب أن يلجأ

لمحمد بن بشير الرياشي، شاعر عباسي ماجن ظريف هجاء، لم يفارق البصرة ولم يتكسب بشعره، وقبله:

كم من فتى قصرت في الرزق خطوته ... ألفيته بسهام الرزق قد فلجا

لاتيأسن - وإن طالت مطالبة - ... إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا إن الأمور إذا انسدت مسالكها ... فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا

اخلق بذي الصبر. . . (البيت).

30 - من راقب الناس مات غماً=وفاز باللذة الجسور

لسلم الخاسر، ابن عمرو بن حماد، وسمي الخاسر لأنه باع (كما قالوا) مصحفاً كان له واشترى بثمنه طنبوراً، أخذه من قول (أستاذه) بشار:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

31 - فلا وأبيك ما في العيش خير=ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

رواه أبو تمام في الحماسة، ولم ينسبه، وقبله:

وأعرض عن مطاعم قد أراها ... فاتركها وفي بطني انطواء

يعيش المرء ما استحيا بخير ... ويبقى العود ما بقي الحياء

فلا وأبيك. . . (البيت).

32 - يريد المرء أن يعطى مناه=ويأبى الله إلا ما يشاء

لقيس بن الخطيم الأوسي، شاعر فارس قتل على جاهليته من قطعة له يقول فيها:

وما بعض الإقامة في ديار ... يهون بها الفتى إلا بلاء

وبعض خلائق الأقوام داء=كداء البطن ليس له دواء

يريد المرء. . . (البيت)

وكل شديدة نزلت بقوم ... سيأتي بعد شدتها رخاء

ولا يعطى الحريص غني لحرص ... وقد ينمى على الجود الثراء

غنى النفس ما عمرت غنى ... وفقر النفس ما عمرت شقاء

33 - أضاعوني وأي فتى أضاعوا=ليم كريهة وسداد ثغر

للعرجي، وهو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان، شاعر إسلامي حجازي كان ينحو منحى ابن أبي ربيعة في غزله، قاله لما حبس، وبعده:

وصبر عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنتها لنحري

أجرر في المجامع كل يوم ... فيا لله مظلمتي وقصري

كأني لم اكن فيهم وسيطاً ... ولم تك نسبتي في آل عمرو عسى الملك المجيب لمن دعاه ... سينجيني فيعلم كيف شكري

فأجزى بالكرامة أهل ودي ... وأجزي بالضغائن أهل وتري

34 - أشاب الصغير وأفنى الكبير=كر الغداة ومر العشى

للصلتان العبدي، وهو قثم بن خبيه من عبد القيس، شاعر إسلامي خبيث اللسان، وبعده:

إذا ليلة هرمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتى

نروح ونغدو لحاجتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي

ويسلبه الموت أثوابه ... ويمنعه الموت ما يشتهي

تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقى

35 - لئن سأني أن نلتني بمساءة=لقد سرني أنى خطرت ببالك

لابن الدمينة، عبيد الله بن عبد الله الخثمعي، والدمينة أمه، شاعر إسلامي غزل مجيد، من قصيدته التي أرويها كلها لنفاستها:

قفي يا أميم القلب نقض لبانة ... ونشك الهوى ثم افعلي ما بدا لك

سلى البانة الغيناء بالأجرع الذي ... به البان هل حييت أطلال دارك

وهل قمت بعد الرائحين عيشة ... مقام أخي البأساء واخترت ذلك

وهل هملت عيناي في الدار غدوة ... بدمع كنظم اللؤلؤ المتهالك

أرى الناس يرجون الربيع وإنما ... ربيعي الذي أرجو نوال وصالك

أرى الناس يخشون السنين وإنما ... سني التي أخشى صروف احتمالك

ومنها:

ليهنئك إمساكي بكفي على الحشى ... ورقراق عيني رهبة من زيالك

ولو قلت طأ في النار أعلم أنه ... هوى منك أو مدن لنا من وصالك

لقدمت رجلي نحوها فوطئتها ... هدى منك لي أو ضلة من ضلالك

أبيني: أفي يمنى يديك جعلتني ... فأفرح أم صيرتني في شمالك

لئن سأني. . . (البيت)

تعاللت كي أشجى وما بك علة ... تريدين قتلي؟ قد ظفرت بذلك

36 - ولي كبد مقروحة من يبيعني=بها كبد ليست بذات قروح له - من قصيدة له فيها إقواء. وبعده:

أبى الناس ويب الناس لا يشترونها ... ومنذا الذي يشري دوىً بصحيح

37 - كل امرئ صائر يوماً لشيمته=وإن تخلق أخلاقاً إلى حين

لذي الإصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرب، من قصيدة له طويلة أولها:

يا من لقلب طويل البث محزون ... أمسى تذكر ريا أم هارون

ومنها:

ولي ابن عم على ما كان من خلق ... مختلفتان فاقليه ويقليني

أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني

ولا تقوت عيالي مسبغة ... ولا بنفسك في العزاء تكفيني

فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني

38 - فإن تكن الأيام فينا تبدلت=ببؤسي ونعمي والحوادث تفعل

فما لينا منا قناة صليبة ... ولا ذللتنا للتي ليس تجمل

لإبراهيم بن كنيف النبهاني، من شعراء الحماسة، من قطعة له، منها:

تعز فإن الصبر بالحر جميل ... وليس على ريب الزمان معول

فلو كان يغني أن يرى المرء جازعاً ... لحادثه أو كان يغني التذلل

لكان التعزي عند كل مصيبة ... ونائبة بالحر أولى وأجمل

فكيف وليس كل يعدو حمامة ... وما لامرئ عما قضى الله مزحل

فإن تكن. . . (البيتين).

ولكن رحلناها نفوساً كريمة ... تحمل مالا يستطاع فتحمل

وقينا بحسن الصبر منا نفوسنا ... فصحت لنا الأعراص والناس هزل

39 - وإنما أولادنا بيننا=أكبادنا تمشي على الأرض

لحطان بن المعلي، شاعر إسلامي من شعراء الحماسة، من قطعة له يقول فيها:

أنزلني الدهر على حكمه ... من شامخ عال إلى خفض

وغالني الدهر بوفر الغنى ... فليس لي مال سوى عرضي أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضى

لولا بنيات كزغب القطا ... رددن من بعض إلى بعض

لكان لي مضطرب واسع ... في الأرض ذات الطول والعرض

وإنما أولادنا. . . (البيت).

لوهبت الريح على بعضهم ... لامتنعت عيني من الغمض

علي الطنطاوي