مجلة الرسالة/العدد 727/الأدب والفن في الأسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 727/الأدب والفن في الأسبوع

مجلة الرسالة - العدد 727
الأدب والفن في الأسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 09 - 06 - 1947



القراءة الأدبية في المدارس

وافق معالي وزير المعارف على اعتماد الكتب الآتية للقراءة الأدبية بالمدارس الثانوية في العام الدراسي القادم:

(الأيام - الجزء الأول) للدكتور طه حسين بك، و (الصديقة بنت الصديق) للأستاذ عباس محمود العقاد، و (نداء المجهول) للأستاذ محمود تيمور بك، و (الشاعر الطموح) للأستاذ على الجارم بك، و (عنترة) للأستاذ محمد فريد أبو حديد بك.

وذلك على أن يصرف إلى كل طالب كتاب من هذه الكتب على حسب ما يتقرر من طريقة التوزيع؛ وقد قصد بذلك أن تتصل أفكار الطلبة بالجو الأدبي العام، فيقرئوا كتبا مؤلفة للجميع لا خاصة بالمدارس، ولأول مرة تمنح المدرسة تلاميذها كتبا لم توضع عليها العبارة المشهورة المألوفة (قررت وزارة المعارف استعمال هذا الكتاب بمدارسها)، ولم يثبت على غلافها عديد من أسماء المؤلفين، ثم أعضاء اللجنة التي راجعت الكتاب، وقد بلغت هذه الأسماء في بعض الكتب ثلاثة عشر، وكم ناء بها كتيب صغير!

وسينفذ هذا القرار الأخير القاضي بتقرير تلك الكتب الأدبية العامة لجميع تلاميذ المدارس الثانوية، بشراء ما يلزم لهم منها، أي أن وزارة المعارف ستنزل إلى السوق الحرة كأي من الناس فتشتري لتلاميذها هذه الكتب بأثمانها، فتخرج بذلك على ما تتبعه من طبع الكتب المدرسية المقررة بالمطبعة الأميرية وتسعيرها على حسب نفقات الطبع المرتفعة، تلك الطريقة التي يستفيد منها المؤلفون، لا من حيث المكافأة القليلة التي ينالها كل منهم، بل من طبعها للمدارس الحرة بنفقات اقل من نفقات المطبعة الأميرية وبيعها بالسعر الرسمي المقرر، مما كان يؤدي إلى كثرة المؤلفين والمراجعين للكتاب الواحد.

ولا شك أن قرار وزارة المعارف الأخير ينطوي على كثير من المزايا الأدبية، في تثقيف الطلبة، والخروج بهم عن نطاق المواد الدراسية المحدودة، وتعويدهم القراءة الأدبية النافعة؛ وينطوي أيضاً على رغبة مشكورة في تشجيع المؤلفين، وإن كان الذين اختارت لهم الوزارة كتبا في غنى عن التشجيع، ولعله كان يصادف موقعه لو كان بينهم من هو أحوج إليه مع جدارته ولا يستطيع أحد أن يقول أن الإنتاج القيم محصور في طبقة معينة م المشهورين أو غيرهم.

قصص من السودان:

لست أدري أكان مقصودا، أم جاء عفوا، ولكنه على أيها كان جميلا، أن يحاضر الأستاذ إسماعيل الأزهري رئيس الوفد السوداني، بجمعية الشبان المسيحية، بعد محاضرة مكرم عبيد باشا في جمعية الشبان المسلمين.

وكان السودان موضوع كل من المحاضرتين، وكان حسنا ومفيدا أن يتحدث الأستاذ الأزهري عن السودان حديثا يتناول فيه مختلف الشؤون من ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، ولا أدل على مبلغ الحاجة إلى مثل هذا الحديث مما بدأ به الأستاذ إذ قال انه اجتمع في مصر منذ قليل بشاعر مصري زار السودان أخيرا ودار بينهما حديث قال فيه الشاعر إنه عندما هم بالرحيل إلى السودان جعل يفكر حائرا: بأي لغة يخاطب القوم في السودان؟ وكيف يتفاهم معهم؟ ولكنه ما حل بالخرطوم وأم درمان حتى ألفاهم يتكلمون لغة عربية لا تقل إبانة عن لغة شمال الوادي، بل إنه لقي هناك من الشعراء من طارحوه الشعر وجاروه في ميدان القريض، ولما عاد إلى مصر كان من نتاجه قصيدة رائعة نشرت بصدر الأهرام. ولم يسم الشاعر، ولكن كان مفهوما إنه الأستاذ محمد الأسمر.

كان هذا الاستهلال ذا مغزى، فإن إخواننا بالجنوب يعتبون علينا لجهل أكثرنا بهم، وأظن أنا اعتبناهم، فقد اصبحنا في السنوات الأخيرة غير ما كنا.

وأخذ الأستاذ الأزهري في حديثه عن شؤون السودان. ومما يناسب المقام هنا ما ذكره من الجهود الثقافية التي بذلها المؤتمر السوداني إذ قال انه أنشأ في خمس السنوات الأخيرة من المدارس الابتدائية بمختلف البلدان السودانية ضعف ما أنشأته الحكومة السودانية منها في خمسين سنة!

ولما كان عنوان المحاضرة الذي نشر بالصحف (قصص من السودان) فقد كنا نتوقع أن نسمع قصصا حقيقية، ولكن كان المراد من كلمة (قصص) شئونا تتضمن وقائع تحكي في سياق الكلام.

أي الجيلين خير؟: دعت مجلة (الهلال) إلى ندوتها ثلاثة من أعلام الأدباء، هم الأستاذ عباس محمود العقاد وأحمد أمين بك والدكتور أحمد زكي بك، للمناقشة في هذا الموضوع (أي الجيلين خير. . القديم أم الجديد)، ونشرت هذه المناقشة في العدد الصادر أول الشهر الحالي.

رأى الأستاذ أحمد أمين إن الجيل الحاضر خير في جملته من الجيل السابق، وإن مجموعة الأخلاق أرقى الآن مما كانت في الجيل الماضي؛ ووافقه الأستاذ العقاد على تفضيل الجيل الحاضر في بعض نواحي الخلق، ولاسيما الأخلاق التي تتعلق بالحرية الشخصية، ولكن من المشكوك فيه أن تكافئ قوته ما زاد عليه من الواجبات والتكاليف، لأن مشكلات الحياة العالمية العامة، والوطنية الخاصة، ومعضلات الأخلاق والعقيدة، التي تواجه الجيل الحاضر، لم يكن لها نظائر واجهت لأجيال الماضية.

ويرى الدكتور زكي إن الجيل الحاضر من حيث النوع، ومن حيث الكم أيضا، لا يمكن أن يقل عن الجيل الماضي بل يزيد في العلم والثقافة والحضارة، ولكنه يرى - من الجهة الروحية - إن في أرواح القلائل من الجيل الماضي ما هو ارفع واثمن مما في أرواح الكثيرين من الجيل الحاضر، ومثل لذلك بالتضحية فقال (كنا قبلا نضحي لأجل التضحية وحبا فيها، وطلباً لهدف واحد، بغير من أو غرور، ولا نطلب على ذلك أجرا، بل ننتظر من وراء ذلك الغرم، ثم تطور معنى التضحية، فصارت تضحية نرجوا بها الثمن، أما معجلا أو مؤجلا، ثم تطور معناها مرة أخرى، فصارت في هذا العصر تضحية لها ثمن مضمون. . .)

وتستمر المناقشة متفرعة من هذه الأصول، إلى أن يقول الأستاذ العقاد (وأياً كان الأمر في الجيلين، القديم والحديث، فما شك فيه إن الإصلاح الإنساني، سواء كان في أمة واحدة أو في اكثر من أمة، متوقف دائما على التضامن بين الجيلين.

وتنتهي المناقشة برجائهم إلا تخلو الأمة المصرية والأمم الشرقية عموما، من صالحين بين الشيوخ، وصالحين بين الشباب، لتقوم دعائم الإصلاح على هؤلاء وهؤلاء.

وهكذا قال الجيل القديم - ممثلا في أولئك الثلاثة الإعلام كلمته في المفاضلة بين الجيلين، ويستطيع القارئ أن يستخلص من جملة آرائهم رجحان كفة الجيل الجديد، ولكن الجيل الجديد لم يعلن رأيه في هذا الموضوع في جلسة ذات محضر ينشر كما حدث في (الهلال) فليت ثلاثة أدباء من الجيل الجديد يفعلون، ليسمع الأباء كلمة الأبناء.

سر الزخرفة العربية:

ألقى الدكتور بشر فارس مساء الخميس الماضي محاضرة في (سر الزخرفة العربي) بالمعهد الفرنسي للآثار الشرقية، وكانت هذه أول محاضرة يلقيها بالمعهد بعد تعيينه عضواً مصرياً فيه من الحكومة الفرنسية.

بين المحاضر أولا إن الزخرفة العربية فم له ذاتيته الابتداعية ولم يخضع للفن الفارسي الجامد ولا للفن اليوناني المتناهي الوحدات، لأن الفن العربي زاخر بالحركة والحياة، وهو إلى ذلك لا تنتهي حدوده، بحيث لو وضعت بجانب الزخرفة مثيلاتها اتحدت معها.

ثم تساءل: لماذا كان للزخرفة العربية تلك الخصائص، ولماذا برع المسلمون - من عرب ومستعمرين - في الزخرفة وخصت بهم زخرفتهم؟

أورد الرأي المشهور القائل بان الفنانين المسلمين ركزوا جهدهم الفني في الزخرفة لما حرم عليهم تصوير كل ذي روح، ثم فند هذا القول بأنه ليس في أصول الإسلام رأي قاطع بهذا التحريم، وعلى فرض أي الأمرين، الإباحة أو التحريم، فقد وجدت صور كثيرة ذات أرواح، إنسانية وحيوانية، صورت في العصور الإسلامية.

وانتهى من ذلك بان أرجح سر الزخرفة العربية وبراعة المسلمين في أشكالها وألوانها إلى جملة العقيدة الإسلامية في تفتيشها عن الله وخضوعها لحكمه وتعظيمها له، فكان الفنانون يتجهون إليه فيما يرسمون، وكانوا يحملون برسومهم المساجد والمصاحف ابتغاء الغبطة في السماء التي هي خير وأبقى من متاع الدنيا.

ولم يكن فن الزخرفة قاصراً على الأشكال والألوان، بل كان أيضاً في الخطوط كالخط الكوفي مثلا الذي كان له حظ كبير من الفن الزخرفي تم له من الفكرة الإلهية، إذ كانت تكتب به آيات القرآن الكريم؛ وقد أنحدر عن هذه الفكرة أيضاً تحسين الخط العربي في العصور الإسلامية الأخيرة، فقد كان الخطاطون يبتغون الثواب من الله على كتابهم المصاحف بالخط الجميل.

العامية وبرنامج الإذاعة: أخذنا على محطة الإذاعة المصرية - في عدد مضى من الرسالة - الإكثار من الإذاعة العامية في التمثيليات والأحاديث، سواء العامي منها والعربي (المكسر)

وفي الأسبوع الماضي اطلعت على إجابة للأستاذ محمد فتحي بك المراقب العام للإذاعة المصرية، عن أسئلة وجهتها إليه مجلة (دنيا الكواكب) اللبنانية، منها هذا السؤال. (نطالع في الصحف المصرية شكوى مستعمرة من ضعف برنامج الإذاعة المصرية، فما هي الطرق الفعالة لملافاتها؟)

أجاب الأستاذ فتحي بان الجمهور متباين المزاج مختلف الطبقات، ومن الصعب إرضاءه كله ببرنامج واحد، وإن الإذاعة في بريطانيا واجهت هذه المشكلة وعمدت إلى حلها بان قسمت الشعب البريطاني إلى ثلاث فئات، عامة، ومتوسطة، وعالية، ثم خصت كل فئة من هذه الفئات ببرنامج على محطة مستقلة إلى أن قال: (ونحن لو اتبعنا هذه الطريقة لاستطعنا أن نقضي على تلك الشكوى المستمرة قضاء مبرما فاستطعنا إذا وجدنا ثلاث محطات أن نقدم لكل من طبقات الشعب الثلاث برنامجا خاصا يتوافق مع مستواه وتفكيره، حيث نقدم للأولى رقصا بلديا وزجلا وحديثا باللهجة العامية وأحاديث دينية، بينما نقدم للطبقة الثانية وهي طبقة المثقفين برنامجاً يشتمل على معالجة الحالة السياسية والأخبار الدولية والمواضيع الاجتماعية والأبحاث والروايات الأدبية، وفي الوقت نفسه نذيع للطبقة العالية برنامجا يحتوي على موسيقى كلاسيكية وأحاديث وقصصاً لبرناردشو وشكسبير وأعلام الفلسفة).

فترى هذا الحل المترتب على الإمكان يتضمن إرضاء طبقة الشعب بالتحدث إليه باللهجة العامية، فهل هذه الطبقة تشكو من العربية حتى نترضاها بالعامية؟ أو من الحق أن الشعب يستثقل العربية الفصيحة؟ إننا نعتقد إن إسماع الشعب لا تنفر إلا من الأساليب غير البينة والإلقاء الرديء، وانه من الممكن أن تجتذب الإسماع بالبيان السهل الواضح والإلقاء الحسن، وإذا كنا نكتب الحكايات والقصص للأطفال بلغة عربية فصيحة سهلة فيستسيغونها ويقبلون عليها، أفلا نستطيع أن نخاطب الكبار في الإذاعة بمثل لغة الأطفال على الأقل؟ وكيف إذن يكون تثقيف الجمهور ورفع مستواه؟

على أن للشكوى من برنامج الإذاعة وجها آخر غير تباين الأذواق الذي تمنى الأستاذ فتحي وجود ثلاث محطات لمواجهته بتنويع البرامج، ذلك الوجه هو قصور المحطة ذاتها وضنها على تحسين البرنامج وتجديده، ويتلخص ذلك في تكرار التسجيلات بل دوامها وخلودها. . وفي اختيار الأرخص والمرضي عنه، ولقد كان من المخجل - على سبيل المثال - أن تريد المحطة إحياء ذكرى شوقي فلا يكون ذلك إلا بإدارة (اسطوانات) قديمة لعبد الوهاب من شعر أمير الشعراء!

المحاضرات بالمصطاف:

حل الصيف، واشتد القيظ، واتجهت الأنظار إلى المصايف، وفي مقدمتها الإسكندرية، وقرأنا في الصحف إن بلدية الإسكندرية قد اهتمت بتيسير وسائل الاصطياف في هذه المدينة وضواحيها، وأنشأت مكتبا لذلك، وقد أذاع هذا المكتب بيانا بالحفلات الكبرى التي تقرر إقامتها في هذا الصيف، وهي حفلات رياضية وتمثيلية وموسيقية.

قرأت ذلك في الصحف ثم رجعت البصر إلى القاهرة، فأسفت لأنها تكاد تخلو في الصيف من النشاط الفكري الذي كان يجري قبل هجوم الحر في أنديتها ومجتمعاتها ومعاهدها محاضرات ومناظرات في مختلف الفنون والشؤون.

ثم استمعت إلى الدكتور إبراهيم جمعة مدير نشر الثقافة بوزارة المعارف يحدث بالمذياع يوم الاثنين في (الاصطياف في الإسكندرية) قديماً سمعته يقول انه كان بشاطئ الإسكندرية في العصر الروماني حمامات وأحواض للسباحة، يأخذ الجسم حقه من الرياضة فيها، ثم يستريح في بعض الحجرات التي زودت بالفرش والكتب، أو في الحدائق ذات الجواسق الجميلة، أو في استماع المحاضرات العامة ببعض القاعات التي أعدت لهذا الغرض في أبنية الحمامات.

فيما ليت بلدية الإسكندرية أو أية هيئة أخرى تلتفت إلى ناحية الثقافة في المصطاف، فتعيد إليه ما كان في العصر الروماني من تنظيم المحاضرات العامة، مستغلة في ذلك وجود بعض رجال الأدب والفكر هناك، ويا ليتني أكون معهم فأفوز فوزا عظيما.

(العباس)