مجلة الرسالة/العدد 72/من شعر الشباب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 72/من شعر الشباب

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 11 - 1934



عيد الجهاد

للأستاذ محمود الخفيف

تزيد صباحه الذكرى جلالا ... وقد لبست به الدنيا جمالا

ترى في أفقهشفقاً خضيباً ... ترقرق في جوانبه وسالا

دم الأحرار ألبسه وشاحا ... يتيه به على الزمناختيالا

تخذناه من الأيام عيدا ... هو النيروز والأضحىمثالا

عقدنا حول مفرقه صليبا ... وفرق مسيل غرته هلالا

صباح تسفر الآمال فيه ... فتجتاح التردد والملالا

يزيدالسلمُ ساحته وقارا ... ويبسط في جوانبها الظلالا

ترفرف فيه أرواح الضحايا ... وتقرؤنا التحية والسؤالا

تطل من الغمائم سابحات ... خوافق تسبق الريح انتقالا

تطوف بكعبة الوادي خفافا ... ولا تبغي عن الركن ارتحالا

تقبل حائط الحق ابتهاجا ... وتملأ ساحة البيت ابتهالا

وتمسح منبراً ولدت عليه ... عقيدتنا وكان لها مجالا

ترى نور القضية في ذراه ... وتسمع صوتها سحراً حلالا

وتلمح من جلال الغار ظلا ... ومن طهر الحطيم له خِلالا

تطالع وجه حسَّان لديه ... وتسمع في مشارفه بِلالا

سيطوي الدهرَ حائطه المفدى ... ويُفنى رأسُه العالي الجبالا

رعى الموْلى على الأجيال يوما ... بدأنا فيه للحق النظالا

سيوف الظافرين به نشاوى ... ونار البطشتشتعل اشتعالا

دعا داعي الجهاد به فسرنا ... ولم نخش الأسنة والنصالا

سل الحرية الحمراء عنا ... ألم نوسع أعادينا قتالا؟

ألم نرخص به المهج الغوالي ... ونملأ جانب الدنيا صيالا؟

ألم نبذل غداة الروع أمنا ... وأبناء وأقواتاً ومالا؟ ولم نرهب من المحتل بطشا ... وإعداماً ونفياً واعتقالا

تطوف الشائعات بنا فنمضي ... إلى الميدان لا نألو نزالا

يقاسي شيخنا في الأسر ظلماً ... ولكن لا يحس له كلالا

يريهم في صلابته مثالا ... من الإيمان ظنوه محالا

وقد ألفوا من الشرق انقياداً ... لسيفهمو وذلا وامتثالا

وكان أعز بالأعزال جندا ... وأرهف من أسنتهم مقالا

لقد ترك الأماثل من بنيه ... وحمل راية الحق الشبالا

فما وهنوا بمصر وما استكانوا ... وخاضوا الموت أياماً طوالا

يُتوج هامهم شرف وفخر ... وإن جال الردى فيهم وصالا

وأعظم ما تكون الحرب هولا ... إذا الأحرار شنوها سجالا

سأذكر ما حييت صباح يومٍ ... كسته شمس آذار جمالا

سلخت من السنين لديه تسعاً ... نعمت حيالها باللهو بالا

ولكني صحوت على هتاف ... وألحان وأسماء توالى

رأت عيني الغريرة مهرجاناً ... قد انتظم الأوانس والرجالا

مشى الشبان إثرهم جموعا ... خفافاً في مواكبهم عجالا

يجيبون النداء ولم يحسوا ... لما هتفوا به إلا خيالا

وأعذب ما يكون الحق صوتا ... إذا هتف الشباب به ارتجالا

ولن أنسى وجوهاً سافرات ... وكانت قبل غضبتها وجالا

وصوتاً رن في الوادي جنونا ... وقبل اليوم لم يعدُ الحجالا

يزيد حنانه الأبطال عزما ... ويمسح وقعه دمع الثكالي

كسا الدم باطن الأيدي خضابا ... وصاغ العزم في الوجنات خالا

فلا يدري العدو إذا التقينا ... أيخشى الليث أم يخشى الغزالا

بني مصر تعالوا حدثوني ... أنرضى اليوم ما نلقي منالا؟

وهل نلنا سوى الدستور مما ... أردناه لنهضتنا مآلا

أخذناه جهاداً واجتهاداً ... ولم نأخذه نوماً واتكالا ولكنا فقدناه رضيعا ... وكان الفقد غدراً واغتيالا

وما أدري غداة بدا سناه ... أكان حقيقة أم كان آلا

أعيدوه إلى مصر غلاما ... فقد لج الحنين بها وطالا

سيبلغ في حضناتها صباه ... ويضمن في رعايتها الكمالا

تواصوا بالوفاء له وسيروا ... كفانا في قضيته مطالا

رأيتم كيف عاقبة التلاحي ... وكيف قضيتمو العهد اقتتالا

تنابذتم ودب الخلف فيكم ... فنمتم عن عدوكُم اشتغالا

ولولا يقظة الأبطال منكم ... جنينا من ترامينا الوبالا

ولم أر كالخلاف بمصر عيبا ... ولم أر مثله داء عضالا

ترجي مصر فينا اليوم خيراً ... وترتقب الصنيعة والفعالا

شهدتم أظلم الأحكام عهداً ... وذقتم أسوء الأيام حالا

شربتم ماءه بالأمس صابا ... خذوه اليوم معسولاً زلالا