مجلة الرسالة/العدد 718/صحائف مطوية:
مجلة الرسالة/العدد 718/صحائف مطوية:
قصة فاشودة. . .!
أو قصة الاستعمار الإنجليزي في السودان
رواية شعرية فكاهية للمغفور د. حافظ إبراهيم بك
(قصة فاشودة معروفة مشهورة، وتتلخص في أن بعثة فرنسية انحدرت من الحبشة إلى أعالي النيل ورفع قائدها العلم الفرنسي هناك فتصدى له حاكم السودان البريطاني بحجة أن هذه الأرض ملك لمصر، وتخرج الموقف يوم ذاك بين فرنسا وبريطانيا حتى توقع العالم قيام الحرب بينهما لهذا السبب، وقد استطاعت بريطانيا أن تفوز بغايتها وأن تتخذ من موقف الحكومة المصرية مطية لهذه الغاية.
وهذه الرواية من الشعر المجهول لحافظ إبراهيم فليست في ديوانه، ولا عرفها أحد له، ولكنا وقفنا عليها منشورة في إحدى المجلات عام 1901 م، فنحن ننشرها على أنها أثر أدبي نادر يكشف عن ناحية من نواحي الشاعرية في حافظ إبراهيم ثم لنذكر بها أنباء مصر بتارخها بمناسبة ما يجري من أفاعيل السياسة الإنجليزية في السودان).
محمد فهمي عبد اللطيف
تمهيد
فشودة رواية ... للمصريين آيه
قد مثلت في العصر ... ليهتدى في مصر
فما اهتدى ولا عقل ... ولا درى كنه الحيل
بل شهد التمثيلا ... ثم انثنى بخيلا
مولى الأكتاف ... في ساعة الإسعاف
فلا تلم فرنسا ... وفضلها لا تنس
وقل لمن رام السبب ... شقاء مصر قد غلب
الفصل الأول: مرشان في قشود مرشان بالنيل التقى ... من بعد ما عز اللقا
تقابلا في سلم ... على الصفا الأتم
حيث المياه تجرى ... نهراً بجنب نهر
والأرض بكر لم تزل ... كما دحاها في الأزل
تخرج أصناف الثمر ... تنبت أجناس الزهر
تفيض بالمأكول ... من عدس وفول
ترابها التبر السنى ... وكم بها من معدن
وغرسها ابن يومه ... (لمرشن) وقومه
فهي كما الجنات ... ما غير خذ وهات
مرشان فيها قد ثبت ... كأنه عود نبت
يلين للعواصف ... فما له ن قاصف
أخرجه دلكاس ... ألعوبة للناس
ألعوبة وتنقضي ... قد خاب فيها من رضى
وكيف كان العاقبة ... فإن مصر الخائبة
إن لم يكن لبطرس ... من طاقة بدلكس
ولاله من بورى ... يسمع سالسبورى
ولاله من أمة ... تنجده في الغمه
ولاله من دولة ... تمده بالصولة
الفصل الثاني: مرشان والنيل
النيل كان نائما ... رأى (المجور) قائما
يضربه في رأسه ... يحسبه في رمسه
خاطبه يا نيل ... يا أيها القتيل
يا تارك البلاد ... لأفسد الأولاد
يا صانع الميراث ... والصبية الأحداث ذُبحت بالسكين ... من ظالم مهين
وكان اهلك المدى ... والحبل كانوا واليدا
فما صرخت صرخة ... بل قد ذهبت فرخه
قد سقطت في زير ... أو وقعت في البير
فلا تلمني بعد ذا ... إذا تعمدت الأذى
إني أنا المحامي ... عنك لدى الأنام
لا بد لي من حصه ... قبل ضياع الفرصه
إذ قد غدا في النية ... أن تحفظ القضية
فهبَّ داعي النيل ... من نومه الطويل
يقول يا مرشان ... يا أيها الشيطان
يا أسد القفار ... يا حية البراري
يا سمكا عواماً ... يا طائراً حوَّاماً
يا لبكة العجين ... يا بسلة في طين
يا ضجة الطبول ... على طريق الغول
يا خارجاً من علبه ... يا حادثاً من لعبه
يا مشكلا لما نزل ... ومشكلين إن رحل
إذا أردت جدي ... فأنت خير عندي
من كل ذي قلب بطل ... لجنة الأرض وصل
ما كانت الشهور ... يكفى لها طابور
ولا الحمام الأزرق ... يعصم منه زورق
ولا الأسود السود ... يصدها بارود
ولا مجاهل الثرى ... تطوى كما تطوى القرى
سلكتها يا غازي ... أبية المجاز
حتى ملكت مجرى ... بحر الغزال طرا
تبيعه وتشترى ... براية وعسكرى لكن تعال قل لي ... ولا تكن مضلي
من ذا أباحك الحمى ... من ذا حباك المغنما
من ذا لهذا جرّا ... من ذا عليه جرّا
بحر الغزال مني ... كيف يزول عني
وهذه فشوده ... ربيبتي المعهوده
كيف أساء فيها ... وكيف تقتليها
فاندفع الماجور ... بسحره يدور
وقال قولا مقنعا ... أثبت فيه ما ادعى
يا سيد الأنهار ... وملك الديار
ماذا يهمك السقط ... من بعدما الرأس سقط
الفصل الثالث: سالسبورى ومصر
وجاء سالسبورى ... لمصر في سرور
يقول وهي تسمع ... يقنعها فتقنع
يا مصر يا فتاتي ... يا زينة البنات
يا مشتهى إنجلترا ... يا بنت أخت لندرا
يا منية التاميز ... والوطن العزيز
بل يا أتان الملكة ... يا ألف ألف سكه
يا ناقة السردار ... وجيشه الجرار
يا أصل ما قد أكتسب ... من ثروة ومن تعب
يا بلداً ما فيه ... ذو ناظر يبكيه
يا أمة ولا وطن ... يا منزلا لمن سكن
يا موطئ الأقدام ... يا فتنة الأقوام
إني أرى النشالا ... يختلس الخلخالا
هيا نصيح السارقا ... ونشهد الخلائقا
وبطرس والوزرا ... يحررون القمطرا ويثبتون فيه ... نهمة سارقيه
وبعد عرض الشكوى ... نقيم نحن الدعوى
ونظهر النصوصا ... ونطرد اللصوصا
أو لا فقد خاب الأمل ... ولا سبيل للعمل
فما أتم قوله ... أن ضحكت مصر له
وأقبلت تقول ... يا أيها المأمول
الوزرا عبيدكا ... والكل من جنودكا
فاقض بما تشاء ... لا يُنقص القضاء
رقصة الختام
إليكم عن بطرس ... نادرة في المجلس
إذ قالت النظار: ... يا من له الفخار
نرى المجال صعبا ... ذئب بعض ذئبا
فهات حدث عنه ... كيف خرجت منه
فقام فيهم ناصحاً ... يقول قولا راجحاً
فشودة تعيش مثل اسمها فشوش
ما الخلف والتجافى ... إلا على اللحاف
دفعته للورد ... وبتُّ تحت جلدي