مجلة الرسالة/العدد 718/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 718/الأدب والفن في أسبوع
في تكريم مطران:
تميز الأسبوع الماضي بمظهر أدبي رائع هو نظهر التقدير للأدب والإكبار للفن والتكريم للمواهب والإعجاب بالخلق القويم، إذ اجتمع أبناء العروبة من سائر الأقطار في دار الأوبرا الملكية بعد ظهر يوم السبت الماضي لتكريم شاعر العروبة الكبير صاحب العزة خليل مطران بك. فكان جمعهم وما أبدوا فيه من جميل الرأي مظهراً من مظاهر الوفاء الطيب في عرفان الجميل للرجل الطيب.
وكل جميل يؤديه أبناء العروبة نحو مطران إنما هو وفاء للدين ورد لبعض الصنيع الذي بذله ذلك العبقري نحو أبناء العروبة وعاش عليه طول حياته المديدة إن شاء الله، فما حياة مطران في الواقع إلا فيضاً من المجاملة وحسن الصنيع يؤديه نحو الكبير والصغير والغني والفقير، وينهض بذلك في ميدان الحياة العامة ويأخذ به نفسه في النواحي الخاصة، ويبذل لذلك من أدبه ومن خلقه ما يعد غريباً عن طبيعة البشر، وناهيك برجل جاوز الثمانين ولا يستطيع أحد أن يحصى عليه إساءة لشخص أو موقف تخلف عن طريق الخير، على أنه مع هذا كله ظل على تواضعه لا يمن ولا يتطاول ولا يتنفج بما أجدى في الأدب وبما أبدى في الخير، فلا غرو إذا ما اجتمع أبناء العروبة لتكريمه وأجمعوا على تقديره، ولا غرو إذا ما صنعوا له ما هو أكبر من التكريم والتقدير. . .
حفل حافل:
ويطول بنا القول إذا أخذنا أنفسنا بتسجيل الذين حضروا هذا الاحتفال أو شاركوا فيه، ويكفى أن نعرف أنهم الطلائع من أعلام السياسة والقانون والأدب والصحافة والمقدرين للفن والمواهب في العالم العربي، ولقد زاد في روعة الحفل أن توجه الفاروق حفظه الله برعايته السامية فأناب مندوباً حضر الاحتفال وأبلغ المحتفى به سابغ العطف الكريم والتحية لشخصه خاصة ولأهل الأدب والعلم عامة.
الخطباء والشعراء:
وبعد أن ألقى الأستاذ خليل ثابت بك كلمة الافتتاح تعاقب الخطباء والشعراء في إلقاء خطبهم وقصائدهم، فخطب أصحاب المعالي والسعادة والأساتذة عبد الرزاق السنهوري باشا وزير المعارف والدسوقي أباظه باشا وزير المواصلات ومحمد علي علوبة باشا وأنطوان الجميل باشا والأستاذ السراج مندوب سوريا والأستاذ زكي طليمات وألقى الشعراء قصائدهم وهم الأساتذة عباس محمود العقاد وعبد الرزاق محي الدين بك مندوب العراق ومحمد الأسمر وشيلي ملاط بك مندوب لبنان ثم ألقيت قصيدة شكر من المحتفى به ثم عزف الأستاذ سامي الشوا مقطوعة موسيقية تحية للشاعر الكبير.
إجماع الرأي
وقد أجمع الخطباء والشعراء في حديثهم عن مطران على أنه شاعر سلك في الشعر العربي طريق التجديد والابتكار وأنه أستاذ المدرسة الحديثة في الشعر، وأنه استطاع بعبقريته وباطلاعه الواسع أن يلائم بين طريقة العرب وطريقة الفرنج في براعة وتوفيق وأنه عاش طول حياته رجل فضل ونيل وخير وبر، وقد كان هذا جماع القول فيما تكلم به خطباء الحفل وشعراؤه وإن كان لكل ما أورد من الشواهد ونهجه في تناول الحديث.
الشعراء الثلاثة:
وكانت المناسبة بتكريم مطران مما أثار الحديث عن شوقي وحافظ، فقد عرض الخطباء إلى ذلك الثالوث الذي عاش مندمجاً كالحلقة المفرغة حتى كان أسماؤهم تتردد على الألسن وأشخاصهم تتوارد في كل موقف وكأنهم شخص واحد أو دعائم يتكون منها بنيان واحد، وإذا كان خطباء الحفل قد اختلفوا في تقدير الطاقة الشعرية لكل واحد من الثلاثة فإن هذا الخلاف قد قام منذ ظهر الثلاثة على مسرح الشعر، وسيظل قائما إلى ما شاء الله. . .
وأخيراً:
وأخيرا نقول: لقد أقيمت بقية الحفلات لمهرجان مطران في أيام الأسبوع المتوالية وقد كان بودنا أن نسجل كل ما بدا في تلك الحفلات من ألوان الأدب والفن وأن نؤدي هذا الواجب نحو الشاعر الكبير ولكن لجنة الاحتفال ضنت على (الرسالة) بأداء هذا الواجب، لأنها آثرت للمهرجان صبغة محلية رسمية لا تلائم روح مطران ولا تنسق يحال مع شخصيته وشاعريته! تأبين الشيخ مصطفى عبد الرزاق:
تعددت حفلات التأبين لفقيد العلم والإسلام المغفور له الشيخ مصطفى عبد الرزاق؛ وكان أهمها وأجلها تلك الحفلة التي أقيمت في الأسبوع المنصرم بقاعة الاحتفالات بجامعة فؤاد الأول حيث خدم الفقيد بعلمه وأفاد بثقافته وخرج جيلا من الأساتذة في الأدب والفلسفة، وقد احتشد في هذه الحفلة جمهور كبير من رجال الدولة والأدب والصحافة وأساتذة الجامعة وطلابها وشيوخ الجامعة الأزهرية وأبنائها كما خطب فيها كثيرون كلهم من أعلام البيان وأعيان الكلام.
تكلم الأستاذ الجليل أحمد لطفي السيد باشا فقال: لقد عرفت مصطفى يحكم عقله علمه، ويحكم علمه لسانه وقلمه. . .
وتكلم معالي عبد العزيز فهمي باشا فأوغل في فلسفة الموت ذلك الشيء الغامض على العقول والأفهام، المحير للفلاسفة والحكماء وتحدث سعادة الدكتور محمد حسين هيكل باشا فقال: لقد كان مصطفى المفكر الفيلسوف والأديب الكاتب، لا يعرف العنف ولا يميل إلى البطش بل كان يؤمن بالحرية لأنه حر الفكر وبالتسامح لأنه طيب القلب وديع الخلق. . .
وقال معالي إبراهيم دسوقي أباظه باشا: إن مصطفى كان رجل الأخلاق، ولكن الأقدار لم تمهله، فكانت الفجيعة فيه قاسية! وتناول الدكتور طه حسين شخصية الشيخ مصطفى من جميع نواحيها تناول العارف فقال: إن تاريخ الأدب العربي المعاصر حين يكتب سيحتل مصطفى في صفحاته مكانا ممتازا، وسيلاحظ الذين يكتبون التاريخ الأدبي لمصطفى أنه صورة صادقة أمينة للذكرى فقد كانت حياته ذكرى قوامها الوفاء.
وتحدث الدكتور منصور فهمي باشا عن مصطفى الصديق ومصطفى العالم المتمكن والحكيم الروحي وقال: إن الناس إذا كانوا قد نعموا من الفقيد بجانب الصديق الكريم فإنهم قد انتفعوا منه كذلك بجانب المرشد العليم والموجه الحكيم. . .
وتعاقب الباقون من الشعراء والخطباء فألقى الأستاذ العقاد قصيدة من شعره العميق، وتحدث الأستاذ أمين الخولي عن الناحية الجامعية من حياة الفقيد، ثم أنشدت قصيدة عامرة للأستاذ السيد حسن القاياتي، ثم تحدث الدكتور محمود عزمي عما كان للفقيد من فضل في تقريب المسألة بين اتجاهات الدين والاتجاهات العصرية ف العلوم، ثم ألقى الأستاذ محمود غنيم قصيدة من رصين الشعر، ثم ألقى الشيخ عبد اللطيف دراز كلمة عن نواحي الفقيد المختلفة في ميدان العمل، وألقى الأستاذ فؤاد شاكر رئيس تحرير جريدة أم القرى بالمملكة السعودية قصيدة جيدة، ثم ألقى معالي الأستاذ علي عبد الرزاق شقيق الفقيد كلمة شكر باسم الأسرة. . .
وأخلص من هذا كله لأقول لك إن حفلات التأبين عندنا لا تزال تجرى على ذلك الوضع الدارج فهي أشبه بالمناحات، وإن الذين أبنوا الفقيد العظيم في هذا الحفل إنما أبنوه بدموعهم وسرعان ما تجف الدموع، فيذهب ذلك الكلام الكثير الذي قالوه ويحف وتبقى عبقرية مصطفى وشخصيته وسيرته حديث الناس. . .
تراث الأندلس:
أرسلت حكومة إسبانيا إلى الحكومة المصرية بدعوة موجهة إلى بعض أساتذة الجامعة وطلابها للقيام برجلة علمية إلى إسبانيا يقومون فيها بالإطلاع على أصول التراث الأندلسي، ويزورون العالم التي كان مسرحا للفكر العربي حقبة طويلة من التاريخ. ولعل إسبانيا تهدف بهذه الدعوة إلى التقرب من العرب على نحو ما تصنع إنجلترا وأمريكا وروسيا وفرنسا في هذه الأيام، أو لعلها تكون في هذا مخلصة للعلم والبحث والتاريخ، وعلى أي حال فمن الواجب أن نكون نحن مخلصين في تلبية هذه الدعوة وأن ننتهز هذه الفرصة السانحة للإفادة والدراسة وأن نستغلها للعلم والأدب والاطلاع على تراثنا الذي لا يزال مطموراً في أقبية تلك البلاد ومكتباتها.
إن المعلومات التي لدينا عن التراث الأندلسي محدود معدودة ونحن فيما نكتب عن هذا التراث نعتمد على جملة قليلة من المؤلفات العربية ابتذلت لكثرة ترديدنا لنصوصها، ثم على ما يقدمه إلينا المستشرقون والباحثون الأجانب الذين يسافرون للبحث والكشف عن الجديد في ذلك التراث، وقد نقل عنهم خطأ الرأي وضعف الاستنتاج، وإن العار أن نظل قانعين بهذا وأن لا يكون لنا في ذلك جهد يذكر، فلعل رجال الجامعة يستغلون هذه الدعوة إلى هذه الرحلة استغلالا علميا مفيدا ولعلها تكون مقدمة لرحلات متتابعة تؤتى ثمرها.
المستشرق بروفنسيال أيضا: نشرنا في الرسالة من قبل أن المستشرق المعروف الأستاذ ليفي بروفنسيال قد ألقى أربع محاضرات عن الأدب الأندلسي في كلية الطب بالإسكندرية بدعوة من جامعة فاروق الأول، ولما كانت الظروف لم تمكنا من الاستماع لتلك المحاضرات فقد سألنا صديقا أدبيا من الذين حضروها وسمعوها فأخبرنا بأنها كانت محاضرات سطحية لا جديد فيها من الرواية أو الرأي وأنها لا تعدو المعلومات التي يتناولها الطلاب ويقدمها الأساتذة في مصر قال الصديق الفاضل؛ ومن العجب أن جامعة فاروق قد قدرت لهذا المستشرق ستين جنيها أجرا عن كل محاضرة كما سمعت، وقد كان في مقدورها أن تنظم سلسلة من المحاضرات يلقيها الأساتذة المصريون فيبلغون فيها فوق ما بلغ ذلك المستشرق، ولكن يظهر أننا لا نزال مأخوذين بقدرة هؤلاء المستشرقين لنبذل لهم المال من غير حساب.
هذا ما قاله الصديق، أردنا أن نسجله والعهدة عليه في صدق الرواية، ونقول بهذه المناسبة إن المعهد الفرنسي في مصر قد دعا المستشرق بروفنسيال لإلقاء ثلاث محاضرات عن الشعر الأندلسي وقد ألقى المحاضرة الأولى عن الشعر الأندلسي الفصيح، والثانية عن الشعر الأندلسي الشعبي وعنى في هذه المحاضرة عناية خاصة بالحديث عن ابن قزمان.
وفاء كريم:
أصدر الأستاذ (الحوماني) المجاهد العربي المعروف العدد الأخير من مجلته (العروبة) خاصا بالحديث عن المغفور له الأمير شكيب أرسلان فجاء سفرا حافلا بالمعلومات والطرائف عن حياة فقيد البيان وشرح مآثره ومظاهره جهاده في خدمة اللغة والدين والعروبة، وقد كان الأستاذ (الحوماني) صديقا أثيراً عند الأمير شكيب، وكانت له به صلات خاصة ومودات صادقة فكان من الواجب أن يتوجه إلى ذكراه بهذه التحية الطيبة، وإذا كان مجال القول في مجلة لا يتسع للإفاضة، فإننا نطمع أن يعمد الأستاذ الحوماني إلى جمع ذكرياته وما يعرف من خصوصيات الأمير في كتاب يكون مرجعا للباحثين على نحو ما صنع الأمير طيب الله ثراه نحو ذكرى شوقي بكتابه المعروف (شوقي أو صداقة أربعين عاما)
إسلام هرقل: أقام طلبة المعهد الأزهري بالقاهرة في الأسبوع الماضي حفلة تمثيل في معهدهم مثلوا فيها رواية (إسلام هرقل) وهي من تأليف الطالب الأديب محمد عبد المنعم المغربي، وقد حضر هذه الحفلة طلاب المعهد وكثيرون من أساتذتهم وشيوخهم، وهذا خير يسترعى النظر لأنه مظهر التطور في الأزهر الحديث، فقد أدركنا عهدا في الأزهر كان شيوخه يختلفون في جواز ابتداء الشعر بالبسملة، فكان بعضهم يتسامح في جواز ذلك، وبعضهم يقول إنه لا يجوز لأن الشعر ليس من الأمور ذوات البال.
ولكنا عشنا حتى رأينا التمثيل يدخل الأزهر، ويؤثره شيوخه كلون من ألوان التثقيف للطلاب.
(الجاحظ)