مجلة الرسالة/العدد 698/وفاء الشعراء. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 698/وفاء الشعراء. . .

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 11 - 1946



مسرحية من فصل واحد مهداة إلى صاحب السعادة عزيز

أباظة باشا

بمناسبة زواجه السعيد

(كان زواج الشاعر الكبير عزيز أباظة باشا، بعد أن عاهد

روح زوجه الأولى على ألا تشغل امرأة بعدها بيته ولا قلبه،

حديث الأندية الأدبية حينا من الدهر، ثم انتقل الموضوع من

الحديث إلى الكتابة، فنظم فيه الشعراء ونثر الكتاب وأطلع

صاحب (الإناث الحائرة) على بعض ما كتب فسمح بنشره

واعدا أن يعقب برأيه على جملة ما ينشر)

المقدمة

الأشخاص:

1 - عبد الرحمن صدقي: صاحب ديوان (من وحي المرأة)

2 - عزيز أباظة باشا

3 - سعاد

4 - وداد

5 - خالصة

6 - نعمة

7 - روح المرحومة زينب المستحضر

عبد الرحمن صدقي:

عزيز، فأين العهد أوثقت عقده ... وأرسلته يدوي فيختال من عُجب؟ أحقاً، عزيز، قد تزوجت بعدها ... أَأُنسيتَ بيتاُ ظل أنشودة الركب؟

(سألقاكِ لم يُشغل فراغ تركته ... ببيتي، ولم يُملا مكانك في قلبي)

سعاد:

عزيز، لفقدها ذو اللب طاشا ... وكان وفاءك العجب انتعاشا

إذا قاسوا وفاءك قلتُ: حِلاَّ ... وان ذكروا شبهك قلت حاشا

أتبغي بعدها أُنساً بزوج ... وتبني بعدما رحلت فراشا

وداد (تنادي سعاد مستفهمة)

سعاد؟

سعاد (تجيب): قد تزوج

وداد: لا

سعاد: وحقك

وداد: كيف؟

سعاد: لا ادري

فأين العهد؟ ويح العهد ... زال كنشوة الخمر

أكان العهد مصنوعاً ... بقصد رياضة الشعر؟!

وما عهد الرجال لنا؟ ... فكلهم إلى غدر

عهود دونها الأحلام ... في إغفاءة الفجر

ستنفُضها رؤى اليقظات ... عن جفن وعن فكر

خالصة:

ألا لا عهد إن غابت ... عيون الإلف في القبر

سعاد:

ألا تعرفن قلب المر ... ء بين أصابع الربْ

يقلْبه إذا ما شا ... ء جلَّ مقلَّب القلب

عزيز باشا:

أيا ربّ مالي في قضائك حيلة ... وإني إلى الرضوان منك لأحوج وإنك أدرى بالنوايا، فإن ارم ... سوى شرعك الهادي فإني أهوج

فهب لي رضاك المبتغى وسكينة ... لقلبي، فلا يطغى ولا يتحرّج

لئن أنطقتني سورة الحزن ضَلَّةً ... فعقل الفتى تحت الأسى يتلجلج

وما بيَ عيُّ عن جواب وإنما ... أرى الصمت خيراً إلى إذا الحق ابلج

لئن كان شرع الله حنثاً ومأثماً ... فما لامرئ من حوزة الإثم مخرج

يظنون لي غير الوفاء لزينب ... ألست بأوفى اليوم، إذ أتزوج

رأيت رسول الله لي خير قدوة ... وسنَّته للعقل والفضل منهج

عبد الرحمن صدقي:

يا ليت زينب أشرفت ... من كوة الخلد البعيد

فترى العزيز وعرسه ... فرحين بالعش السعيد

أنست جوارحه بها ... وتذوقت معنى الجديد

أنجته من ألم الفراق ... وأطفأت حرّ القصيد

عزيز باشا:

يا زين قد أقسمت ألا ... أن تطلي وتعودي

جودي بوجهك وافصلي ... ما بيننا بالله جودي

هل أنت راضية - أبيني - ... عن وفائي والعهود؟

شبح الفقيدة زينب:

ويح الرشاد بدار اللهو واللعب ... لقد تحكمت الأهواء بالأدب

كفُّوا السهام فما أصميتم أحداً ... غيري بها، يا لها من نصرة عجب

أتمسكون برهبانية حرمت ... والجاهلية في ظلّ النبي العربي

هل تنكرون إذن وحشية سلفت ... يحدو بها قوماً في دجى الحقب

قوم إذا مات زوج عندهم دفنوا ... رفيقه معه في ظلمة التراب

فهل تريدون بيتاً لا عماد له ... وأي أنس ببيت موحش خرب

هل الوفاء سوى الذكر الجميل إلى ... فعل النبيل وقصدِ طيب الحلب

نعمى: ماذا نشاهد؟ أحلام وأوهام ... أم روح زينب أم وحي والهام؟

سعاد:

بل رُوحها، جلَّ باريه ومرسليه ... واليوم يستحضر الأرواح أقوام

تأتي وتنطق عن علم، وربّما ... تلوح منها لبعض القوم أجسام

وداد:

أفزينب غضبى وهذا ... زوجها لم يرْعَ إلاَّ!

أيسرها ما ساَءنا ... من اجلها وتراه فضلا

سعاد:

لا تعجبي فالمرء في الأ ... خرى يرى ما لا نرى

فلعلَّ ما تأبى عوا ... طفنا يكون هو الهدى

خالصة:

يا زين لم ننكر عليه زواجه ... لو لم يكن بالعهد شد رتاجه

أو ليس أجدر أن يبرّ بعهده ... من أن يعود بعهده أدراجه

شبح زينب:

إلا إن شرع الله عهد موثوق ... بأعناقكم لو تعلمون مهلّق

فذاك هو القسطاس. كل ألّية ... تحيد بكم عنه فذلك موبق

ألم تحفظوا ما كان أوصى رسولكم ... ولم يك يوما عن هوى منه ينطق

إذا المرء بالمكروه أبرم عهده ... فحنثٌ وتفكيرٌ أحقّ وأواثق

عبد الرحمن صدقي:

صدقت ورب البيت. ليس بممسك ... على خطل إلا الجهول وأحمق

وكائن نقضنا في الحياة عزائماً ... إذا لم يكن في العزم حزم ومنطق

جميل ثبات في الفتى عند عزمه ... وأجمل من ذاك الصواب الموفق

سعاد:

بوركت زينب عن فضلك ... في الحياة وفي الممات

فلأنت افضل من عرفنا ... من نساء مكرمات أوتيت من فضل الخطاب ... وفضل خير المحصَنات

شبح زينب:

عزيز، تمتع ما أباح لك الله ... وودّك عندي راسخ لست أنساه

عليك سلام الله فاهنأ وبوركت ... عروسك في أحلى نعيم واصفاه

وعند إله العرش مجمع شملنا ... على خير ما يرضيه منا ونرضاه

(يتوارى شبح زينب وينشد عبد الرحمن صدقي مخاطبا عزيز باشا):

دم عزيزاً يا عزيز فلقد ... نلت حظاً من ولاء ورشد

سعاد:

فلك التوفيق يسعى والرغد ... في وفاء ورفاء وولد

وداد:

عشتما في الأمن من كيد الحسد

خالصة:

وشرور النافثات في العقد

نعمى:

ما أنار الكون مصباح الأبد

(دمشق)

مصطفى أحمد الزرقا

أستاذ الحقوق المدنية في الجامعة السورية