مجلة الرسالة/العدد 696/من عيون الأدب الغربي:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 696/من عيون الأدب الغربي:

ملاحظات: مارسيلوس وهانيبال Marcellus and Hannibal هي محاورة بقلم والتر سافيج لاندور نشرت ضمن كتابه "محاورات خيالية بين الإغريق والرومان" والذي نشر عام 1885. نشرت هذه الترجمة في العدد 696 من مجلة الرسالة الذي صدر بتاريخ 4 نوفمبر 1946



محاورات خيالية

لولتر سافيج لاندور

للأستاذ بولس سلامة

- 3 -

الخصوم النبلاء

تمهيد:

(كانت رومة وقرطجنة في كفاح دام مرير حول السيادة على

البحر، هذا البحر الذي يفصل بين قارتين ويصل بينهما والذي

كان ولما يزل موضع النزاع بين الدول الكبرى حتى حربنا

هذه. ذلك أن الذي يسود هذا البحر يسود البر والبحر معاً.

وكان هينيال ومرسيل قائدي الجيشين المتحاربين

وفي هذا المقال من مقالات (لاندور) نرى مرسيل وقد خر صريعاً في الميدان ووقف بجانبه خصمه هينيال يريد أن يبتهج بالنصر ولا يستطيع. ثم نسمع هذا الحوار النبيل بين القائدين أحدهما جريح مقهور والآخر ظافر منصور

تأمل هذه الصورة الرائعة ثم الق نظرة على ما يجري حولنا الآن من محاكمات ثم قارن بين الحالين واسأل نفسك كما سألت نفسي: هل تقدمت الإنسانية أو تقهقرت في مدى هذه القرون الطوال).

(مارسيل القائد الروماني ملقى على الأرض أمام هينيال)

هينيال: هلا أجد فارساً نومادياً سريعاً! مرسيل مرسيل. إنه لا يبدي حراكا. أظنه قد مات.

ألم يحرك إصبعه! أيها الجند تنحوا. دعوه يستنشق شيئاً من الهواء. أعطوه قليلا من الماء. اجمعوا هذه الأوراق والأعشاب وضعوها تحت رأسه. اخلعوا شكته، وارفعوا عنه خوذته. ها هو ذا يتنفس. يخيل إلي أنه فتح عينيه ثم أغمضهما. ولكن من الذي لمس كتفي (يلتفت وراءه) هذا فرس مارسيل. لا يمتطيه من بعده أحد. إيه حتى هؤلاء الرومان بدءوا يتذوقون النعيم. ما هذه الحلي الذهبية (مشيراً إلى الفرس).

قائد غالي: يا لَلِّص. إن هذه السلاسل كانت قلادة مليكنا. وقد انتقمت منه الآلهة.

هينيال: سوف نتكلم عن الانتقام بين أسوار روما. ابحث عن طبيب الآن فالسهم يجب أن ينزع مهما كان عميقاً. أرسلوا السفن إلى قرطجنة وقولوا لها إن هينيال على أبواب رومة وإن قاهر سيراقوسة قد وقع مقهوراً. لقد سقط مارسيل الذي كان يحول بيني وبين روما. (مخاطباً مرسيل) أيها الرجل الشجاع. أني أحاول أن ابتهج ولكني لا أستطيع. هذا المحيا أي جلال فيه! وهذا القوام أي عظمة تحتويه! إنها لعظمة أولئك الذين سمعنا عنهم في أرض النعيم. أولئك الذين جاهدوا وخروا على الأرض المضمخة بدمائهم ثم تأمل: ما أبسط سلاحه وعدَّته!

قائد غالي: لقد قتله أصحابي. بل أغلب الظن أني قاتله. إن هذه السلاسل الذهبية وقد كانت لمليكي يجب أن تكون من نصيبي. إن شرف بلادي يقضي أن لا يأخذها غيري.

هينيال: يا صاحبي إن عظمة مرسيل كانت في غنى عن هذه السلاسل، فلما قتل مليككم لم يحتفظ بها لنفسه ولا للآلهة ولكنه وضعها على فرسه. .

قائد غالي: اسمع لي يا هينيال.

هينيال: ماذا تقول؟ أفي هذه اللحظة التي يرقد فيها مرسيل أمامي مثخناً بالجراح وهو بين الحياة والموت، أفي هذه اللحظة التي قد تعود فيها حياته إليه فيساق في موكب النصر إلى قرطجنة، أفي الوقت الذي تنتظر فيه إيطاليا وصقلية واليونان تلبية أوامري، أفي هذا الوقت تسألني أن أستمع لك؟ ولكن هوّن عليك! سوف أعطيك سرجي هذا المرصع بالجواهر، وهو أثمن من هذه السلاسل عشر مرات.

قائد غالي: لي أنا!

هينيال: نعم لك أنت.

قائد غالي: وهذه الجواهر؟

هينيال: نعم.

قائد غالي: إيه هينيال الذي لا يقهر، وما أسعدك يا بلادي بهذا الحلف العظيم! إني مدين لك بالشكر، بالحب، بالولاء إلى الابد.

هينيال: نحن عادة نحدد الوقت في المحالفات. عد الآن إلى مركزك. إني أريد أن أرى الطبيب وأعرف رأيه، حياة مرسيل، انتصار هينيال. وماذا في العيش بعد ذلك. رومة، وقرطجنة، ولا شئ.

مرسيل: أموت الآن، للآلهة الحمد. فالقائد الروماني لا يؤخذ أسيراً.

هينيال: (للطبيب) ألا يقوى على السفر بحراً. انزع منه السهم.

الطبيب: إذا نزعته قضى نحبه.

مرسيل: إنه يؤلمني، انزعه.

هينيال: يا مرسيل إني لا ألمح ظلا للألم في محياك. وإني أكره أن أتعجل منيتك وأنت خصمي في يدي. ومادام شفاؤك عسيراً فأنت - كما تقول - لست أسيراً.

هينيال: (للطبيب) أليس لديك ما يخفف هذا الألم الذي يمضه وإن كان يخفيه؟

مرسيل: يا هينيال أعطني يدك. لقد حبوتني بعطفك، وآسيت جرحي بلطفك. (للطبيب) اذهب يا صاحبي فهناك كثيرون محتاجون إليك؛ كثيرون وقعوا بجانبي.

هينيال: يا مرسيل هل لك أن توصي بلادك بالصلح وتخبر مجلس الشيوخ بتفوق قواتي التي لا تجدي معها المقاومة. اللوح معد، وهذا ختمك دعني أنزعه من يدك لتختم. كم يسرني أن أراك تستطيع أن تتكئ قليلا وتبسم

مرسيل: بعد ساعة أو بضع ساعة سوف تلقاني الآلهة غاضبة وهي تقول يا مرسيل: هذه كتابتك. لقد فقدت روما رجلا فقدت مثله رجالا من قبل؛ ولكن لما يزل في روما رجال.

هينيال: ماذا تقول؟ أتخشى الكذب؟ إنه ليخجلني أن أعترف لك بأن رجالي متوحشون والمراكز القريبة يقوم عليها غاليون موتورون، والنوماديون ليسوا بأقل وحشية. وإني لا أستطيع البقاء بجوارك إذ أحتاج أن أكون بعيداً، وأخشى أن ينالك سوء في غيابي إذا علم هؤلاء أنك أبيت أن تنصح بلادك بالصلح فمنعتهم العودة إلى بلادهم التي طال عنها غيابهم.

مرسيل: يا هينيال أنت لا تجود بأنفاسك كما أجود.

هينيال: ماذا تعني!

مرسيل: أعني أنك تخشى أشياء كثيرة ولكنني لم أعد أخشى شيئاً. إن قسوة جنودك لا تضيرني وجنودي لا يكونون عليَّ قساة. إن هينيال تبعده مهام عمله فتبتعد في أثر جواده سلطته، وعلى هذه الحشائش بقايا قائد مجروح ولكن لا يزال هو روح الجيش وقوته. أتستطيع أن تتنازل عن سلطان منحته لك بلادك؟ أو تستطيع أن تقول إنك بأخطائك قد جعلته دون سلطان خصمك؟ لقد تكلمت كثيراً. دعوني أستريح. إن هذه العباءة تضايقني.

هنيبال: لقد وضعتها على رأسك لتقيك الشمس لما خلعوا عنك خوذتك. دعني الآن أضعها تحت رأسك وأن أعيد هذا الخاتم إلى إصبعك.

مرسيل: بل خذه لك. لقد أعطتنيه امرأة لاجئة في سيراقوسة غطته بخصلة من شعرها وقالت لي خذه هبة مني فهو كل ما أملك. ولم يخطر ببالي يوم ذاك أن سيأتي علي يوم يكون فيه حالها حالي ومقالها مقالي. ما أعجب القدر! في لحظة تتحول مصائر البشر! خذه يا هينيال، وليكن وهذه العباءة التي وسدتنيها هدايا ضيفين يفترقان. قد يأتي يوم تجلس فيه تحت سقف بيتي ظافراً أو غير ظافر فتجد هذه الهدايا ذات نفع ففي شدتك قد يذكر أبنائي أن فوق هذه العباءة جاد أبوهم بأنفاسه فيكافئونك على جميلك؛ وفي رخائك قد يسرك أن تحميهم غوائل الدهر، وهي أقرب ما تكون إلى الإنسان حين يظن أنه بنجوى منها، ولكن هناك شيء واحد.

هينيال: ماذا؟

مرسيل: هذا الجسم.

هينيال: أين تريد أن تحمل؟ الرجال معدون.

مرسيل: لست أعني هذا. قوتي تزايلي، ويخيل لي أني أسمع ما بداخلي ولا اسمع ما حولي. نظري وحواسي تضطرب. أريد أن أقول إن هذا الجثمان بعد أن تفارقه روحي لا يستحق اهتمام أحد، ولكن نبلك يأبى عليك أن تضن به على أهلي حناناً وعطفاً.

هينيال: هل عندك شيء آخر تسأله، فإني أحس رغبة مكبوتة فيك.

مرسيل: الواجب والموت يذكراننا بالوطن أحياناً.

هينيال: أجل فإلى الوطن تتجه أفكار المنصورين والمقهورين على السوء. .

مرسيل: هل عندك أسرى من حرسي.

هينيال: كثيرون. رأيتهم مطروحين على الأرض يموتون فليموتوا، إنهم توسكانيون. ورأيت آخرين هاربين، إلا شاباً رومانياً رايته يكر علينا وهو مجروح. أحاطوا به وأنزلوه من فوق فرسه وهم يطعنون الفرس بالسيوف، ولكن هؤلاء الرومان الشجعان يعرفون كيف يملكون زمام شجاعتهم وكيف يستردونها في نبل. ولكن لماذا تفكر فيهم يا مرسيل؟ أو لك أمنية أخرى وما الذي يزعجك؟

مرسيل: لقد كتمتها طويلا. . . ابني. . . ابني العزيز.

هينيال: أين هو. لعله هو، وهل كان معك؟

مرسيل: لو كان معي لشاركني نصيبي، ولكنه نجا. حمداً للآلهة التي رفقت بي حياً، وكانت بي في مماتي رفيقة. أشكر لك صنيعك.

(الخرطوم - السودان)

بولس سلامة