مجلة الرسالة/العدد 693/وحي فيضان سنة 1946

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 693/وحي فيضان سنة 1946

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 10 - 1946



للمهندس فؤاد السيد خليل

سارَت على الطوفان وهو جِبال ... ورَستْ على اُلجودىَّ وهي جَمال

ونجت من الهول العظيم بحكمة ... جُلى وفنَّ ما له من أمثال

أخذتْ من الفيْض المدِّمر خْيره ... ومشتْ على طُغيانه تختال

مصر الحبيبة للقلوب جميعها ... وإذا اشتكت يوماً تهبُّ رجال

من كل شهم للبلاد مجاهد ... هو الكفاح مهندس رئبال

إن لمَ يسرْ في المشرقين كلمه ... يوم النزال فإنه فعَّال

أو غاب عن سَمْع الأنام وحسَّهم ... فأعلم بأن وجودهم أعمال

ليس الشجاعة إذ تقاتل فتْيَة ... مثل الشجاعة إن دهىَ زلزال

والموت أهوَنُ بالمدافع في الخلا ... من أن تموتَ وفوقك الصلصال

ما الُّنبل تَقْتيلُ العباد وإنما ... تحمي رجال من أذى وعيال

يَنْسَى غداة الروع كل محبة ... وتكون مصراً وحدها الآمال

تتنكر الأيام والساعات في ... شُغل ويخَفى العيدُ والآصال

تتشابه الأوقات وهي عصيبة ... وتعمُّها الأحداث والأحوال

ولكم تَقِيلُ الجنُّ وهو مثابر ... ولكم رآه كوكبٌ وهلال

ولكم رأتهُ الشمس في حَّمامها ... بالنيل يحرسُها سناً وجلال

لما أتى النِّيل العظيم بخيله ... لا هُدنةٌ منه ولا إمهال

يُزجى المياه كتائباً وجحافلا ... تَرِدُ البلاد كأنها أغوال

قام المهندس للدفاع بفنَّه ... وبنفسه، وحياته أهوال

يحذوه واجبه العظيم وحبُّه ... لا تزْدَهِيه عقوبة ونوال

وأتاه من أهل الإدارة نخبه ... مشكورة والجند والعمال

قاموا جميعاً للجهاد بهمة ... لا يَعْتَرِيها في الجهاد كلال

وعمادُها الفلاح وهو علاج كل ... مُلمَّة. لم يهتضمه نضال

إن قَّلدُوه السيف وهو بطولةٌ ... أو قلدوه الفأس فهو غِلال قوَّى الجسور بقوة وعزيمة ... لم يُثنه مرضٌ بهِ قَتَّال

فلاح مصر ذخيرة مطمورة ... وجلاؤها التعليم والأعمال

ابن الفراعنة العظام وطالما ... آتاهُ في شتَّى الفنون كمال

لو عَّلموه فأطعموه وعالجو ... هُ لكان منه عباقرٌ وغزال

ولَحلَّ بالدستور كلَّ صعوبة ... إن العليم لِصَعْبِه حلاّل

أرأيت في التاريخ طرّا أمة ... ترقى بشعب جُله جهال

بالعلم عزَّتْ في الزمان ممالك ... وصَلتْ لما لم يبتدعه خيال

خزان أسوان العظيم تحيَّة ... من إليك كأنها تِمثال

حمَّلت مصر وأهلها لك منَّة ... عُظمى ستذكرها لك الأجيال

ودفعت عنها شرَّ أرعن مُزبدْ ... بحرٌ خَضِمُّ دافق هطال

وجدتْ بحصنِك في المهالك والأسى ... ما لم تجده (بروسِيا) و (الغال)

يا قوم هيا عزّزوه بآخر ... في حِفظِ مصر تُنفق الأموال

لا تتركوه على الحوادث (مأرباً) ... فإذا أصيب دَهَى البلاد وبال

أيجوز أن الماء وهو حياتنا ... يُلقى سدىً في البحر أو يغتال

في خزن ماء الفيض كل رجائنا ... والاعتماد على الجسور محال

يا مصر حبُّك في القلوب عقيدة ... يحيا بها الأبَوانِ والأشبال

لكن بنوك تفرقوا في حُبِّهم ... حتى قَسَوْا وتقطعت أوصالا

ماذا عليهم لو تكاتف جمعهم ... في رد عادية الأُلى قد مالوا

يستكثرون على الشعوب حياتها ... وحياتها الحسنى والاستقلال

ويرون أن الشرق ظلَّ بضاعة ... يشْرونها وتَغُرُّهُ الأقوال

في الشرق قوم لا تَلين قناتهم ... يجلو الفناء لهم ولا الإذلال

كم ظالم في مصر أظهر بأسه ... سَخرتْ به الفتيات والأطفال

مصر الكنانة والإله نصيرها ... والحق والأملاك والأبطال

فاروق عهدك آية قدسية ... تَسْمو بها الألباب والآمال

أكثرت في مصر المآثر والهدى ... وأشعت فيها العلم فهو حلال الشمس أنت على المدائن والقرى ... منك السَّنا والمخلصون ظلال

حاربتَ أدواء الرعيّة كلها ... وعلى يديك تحطم الأغلال

عصر به حكم الزمان لأهله ... طُرَّا بأن شعوبهم أعدال

والنيل مِلْكك لا مرد لحكمه ... وعلى جوانبه يعيش الآل

شعبُ يحبك بالفؤاد وبالنُّهى ... ويذود عن واديكَ من يغتال

فاسلم ودم للمشرقين منارة ... ويحفُّك التوفيق والإجَلال

فؤاد السيد خليل