مجلة الرسالة/العدد 687/من عيون الأدب الغربي:
مجلة الرسالة/العدد 687/من عيون الأدب الغربي:
رحلات تشيلد هارولد لبيرون
للأستاذ بولس سلامة
- 2 -
تمهيد:
استيقظ بيرون ذات صباح فإذا هو شاعر مشهور. كان ذلك غداة نشره المتطوعتين الأوليين من ديوانه (رحلات تشيلد هارولد) وفي هذه الأشعار وصف بيرون رحلته الأولى في أوربا حيث طاف بأسبانيا وروما واليونان فوصف المدائن البالية ورثى المدنيات الخالية وحنَّ وأن وبكى واستبكى، ولم يكن في كلُّ ما كتب إلا واصفاً وناعياً نفسه المحطمة المنكوبة التي لم تحب الناس ولم يحبها الناس. نبذهم ونبذوه فراح يلتمس في وحدة البحر وحطام المدنيات البائدة عزاء لنفسه المحطمة الوحيدة. وفي المقطوعات التالية ترى وتسمع بيرون يودع بلاده ويرثي مجد اليونان ويصف البحر الواسع العميق.
الوداع:
وداعاً وداعاً يا شط المتواري وراء خضاره. بين ولولة الرياح وعجيج الأمواج. وأنت أيتها الشمس المائلة للغروب لك كما للوطن أقول وداعاً.
ولكن سوف يتنفس الفجر، وتشرق الشمس من جديد على التلال والوهاد إلا أرض بلادي؛ فقد غيبت فلا تعود. قصرى أقفرت عرصاته، وموقدي خبت فيه النار، واعشوشب المكان من حوله. أما كلبي فظل وحيداً عند الباب.
والآن غدوت وحيداً في العالم؛ فوق هذا الخضم الواسع العميق، ولكن فيم حنيني إلى الناس، وليس في الناس من حان علي، حتى كلبي سوف يطعمه الغريب فإذا ما عدت نبحني كالغريب.
أيتها السفين الأمين: شقي طريقك في اليم كما تشائين، وألق مرساتك في أي أرض فلست أبالي وقد هجرت وطني أي أرض تقصدين، وأنت أيتها الأمواج المتلاطمة مرحى مرحى فإن غبت عن ناظري. فلتتبعن الصحاري والوهاد. وداعاً وداعاً يا أرض المهاد.
البحر:
أيُها العباب الواسع العميق. تشق آلاف الأساطيل مياهك بلا نهاية، والإنسان الذي يملأ الأرض ضجيجاً وذعراً يقف على شطك حاسراً ذليلاً. فإن تجاوز الشط ابتلعته أمواجك، وغاب في قرارك بلا قبر ولا أكفان ولا مشيعين واحتواه نسيان عميق.
على سواحلك قامت الإمبراطوريات ثم عفت، وازدهرت المدنيات ثم اختلفت. أين أشور ويونان وروما. داعبت أمواجك شطآنها وهي حرة تحكم. ولا تزال تداعبها وهي مستعبدة تُحكَم. والزمن الذي يغير كلُّ شيء لم يغيرك، ولم تعلُ جبينك الغضون. فأنت الآن كما كنت في فجر الخليقة فتي القلب غض الإهاب.
بلاد اليونان:
يا بلاد يونان الجميلة: أيُها الأثر الباقي لمجدٍ خلا. نبيلة أنت في شقائك. خالدة أنت في فنائك؛ من يقود أبناءك المشردين؛ الذين طال مكوثهم في الأغلال. أين أولئك الأمجاد الذين وقفوا والموت في مضيق ترمبوليه. وقفوا كالسد أمام القاهر العادي. ليتهم يعودون إليك الآن. فينفخون فيك من بطولتهم الخالدة، وينقلون أبناءك للحياة. أيُها الراسفون في الأغلال: ليتكم تعلمون، إن الذين يتطلعون إلى الحرب عليهم أن يحطموا أغلالهم بأيديهم، وأن يعتمدوا في كسبها على سواعدهم لا على سواعد الآخرين فرنسيساً كانوا أو مسكوف. دعوا عنكم هذه الأوهام. فقد يعاونكم هؤلاء على توهين خصمكم، ولكن حريتكم في يدكم. يا أشباح الذل كافحوا عدوكم وانتصروا. أي بلاد يونان تغيرت السادة وبقيت شقية، وزالت عنك السيادة ولم تزل في كأس الذل بقية.
(الخرطوم - السودان)
بولس سلامة