مجلة الرسالة/العدد 677/على هامش النقد:
مجلة الرسالة/العدد 677/على هامش النقد:
(دفاع عن البلاعة)
تأليف الأستاذ الزيات
للأستاذ سيد قطب
يبلغ الأستاذ الزيات فصل الخطاب حين يتحدث عن (الذوق) فيقول في ص33:
(ولكل لغة من اللغات المتمدنة عبقرية تستكن في طرق الأداء، وتنوع الصور، وتلاؤم الألفاظ. وهذه العبقرية لا تدرك ألا بالذوق. والذوق لا يعلم، وإنما يكتسب بمخالطة الصفوة المختارة من رجال الأدب، ومطالعة الروائع العالمية لعباقرة الفن. واطلاع الكاتب على الأمثلة الرفيعة من البيان الخالد يرهف ذوقه، ويوسع افقه، ويريه كيف تؤدي المعاني الدقيقة، وتحيا الكلمات الميتة)
ولكي لا يقع اللبس في ما يعنيه الأستاذ بالكلمات الميتة، نقتبس فقرات له في ص82 توضح هذا المعنى ولها في ذاتها قيمة في بيان قضية البلاغة:
(وفي اختيار الكلمة الخاصة بالمعنى إبداع وخلق، لأن الكلمة ميتة، ما دامت في المعجم، فإذا وصلها الفنان الخالق بأخواتها في التركيب، ووضعها في موضعها الطبيعي من الجملة، دبت فيها الحياة، وسرت فيها الحرارة، وظهر عليها اللون، وتهيأ لها البروز. والكلمة في الجملة كالقطعة في الآلة، إذا وضعت في موضعها على الصورة اللازمة والنظام المطلوب تحركت الآلة وإلا ظلت جامدة. وللكلمات أرواح كما قال (موباسان). واكثر القراء، وان شئت فقل اكثر الكتاب، لا يطلبون منها غير المعاني. فإذا استطعت أن تجد الكلمة التي لا غنى عنها، ولا عوض منها، ثم وضعتها في الموضع الذي اعد لها، وهندس عليها، ونفحت فيها الروح التي تعيد لها الحياة، وترسل عليها الضوء، ضمنت الدقة والقوة والصدق والطبيعة والوضوح، وأمنت الترادف والتقريب والاعتساف ووضع الجملة في موضع الكلمة وذلك في الجهاد الفني فوز غير قليل).
وهذا كلام جيد، فلقد آن الأوان لان نقدر قيمة الكلمة في تلوين الصورة الفنية، فهي أشبه شيء باللون المعين في الصورة، وكما تتبين مهارة المصور في اختيار الألوان وتنسي لتحدث التأثير اللازم في جو الصورة العام، فكذلك اختيار الكلمات وتنسيقها لتشع ظلالها الخاصة، وليتألف من هذه الظلال مجتمعة صورة منسقة.
هذا الاختيار والتنسيق لا يتم عن طريق الوعي، فهناك الذوق الخفي، تربي شيئاً فشيئاً وأساسه موهبة لدنية، ولكن المرانة هي التي تبرز هذه الموهبة، وتلونها، وتجعلها في النهاية عاملاً من عوامل لخلق والاختيار.
ولقد غالت المدرسة العقلية في تقدير قيمة المعاني وإهمال قيمة اللفظ المصور، اكتفاء باللفظ الدال. والمسألة هي تعريف هذا اللفظ الدال في الفن. فنحن قد نرتضي هذا الوصف للفظ، ولكن لا يكون دالاً في الفن بمجرد أدائه للمعنى اللغوي أو الذهني فذلك يصلح في العلم وربما في الفلسفة. ولكنه لا يكفي في الفن، فالصورة - لا المعنى - هي المقصودة في الفن. واللفظ والعبارة يكونان دالين في الفن حين يؤديان المعنى الذهني، ويخلعان بجواره ظلالا معينة تتسق مع هذا المعنى، ويحدثان في الوقت ذاته إيقاعاً معيناً يتسق مع الظلال والمعاني. . . ومن مجموع هذه الخواص تتكون دلالة اللفظ أو العبارة في النص الفني، كما تتكون الصورة الفنية المعبرة عن فكرة فنية.
وفي هذا المجال يتفاضل الأباء وذلك مع عدم إهمال القيم الذاتية لخصائص الشعور، وطبيعة التفكير. هذه القيم التي لا تبدو على حقيقتها إلا عند ما يعبر عنها في صورة جيدة كما أسلفنا الحديث.
(لكل لغة عبقرية تستكن في طرق الأداء، وتنوع الصور، وتلاؤم الألفاظ)
ويرى الأستاذ الزيات أن عبقرية اللغة العربية من حيث طريقة الأداء تستكن في الإيجاز. وعبقريتها من حيث تلاؤم الألفاظ تستكن في السجع والازدواج.
وهذه ملاحظة صادقة في تسجيل خصائص المأثور من البيان العربي. ولكن الدعوة إلى الوقوف عندها في أساليبنا العصرية هي التي نفترق فيها عن الأستاذ.
فلننظر فيما يقول في هذين الأصليين الكبيرين.
(إذا كانت الوجازة أصلاً في بلاغات اللغات، فإنها في بلاغة العربية أصيل وروح وطبع. وأول الفروق بين اللغات السامية واللغات الآرية أن الأولى إجمالية، والأخرى تفصيلية. يظهر ذلك في مثل قولك (قتل الإنسان!) فإن الفعل في هذه الجملة يدل بصيغته الملفوظة وقرينته الملحوظة على المعنى والزمن والدعاء والتعجب وحذف الفاعل. وهي معان لا تستطيع أن تعبر عنها في لغة أوربية إلا بأربع كلمات أو خمس. وطبيعة اللغات الإجمالية الاعتماد على التركيز والاقتصار على الجوهر، والتعبير بالكلمة الجامعة، والاكتفاء باللمحة الدالة. كما أن طبيعة اللغات التفصيلية العناية بالدقائق، والإحاطة بالفروع، والاهتمام بالملابسات، والاستطراد إلى المناسبات، والميل إلى الشرح ولم تعرف العربية التفصيل والتطويل والمط إلا بعد اتصالها بالآرية في العراق والأندلس. ولا أقصد من وراء ذلك إلى تفضيل لغة على لغة، أو ترجيح أسلوب على أسلوب؛ فإن الاختلاف اختلاف جنسية وعقلية ومزاج. والتفصيل إذا سلم من اللغو كان كالإجمال إذا برئ من الإخلال. وكلاهما حسن في موقعه، بليغ في بابه. وقد يكون التفصيل من الإيجاز إذا قدر لفظه على معناه)
وإلى هنا فالكلام جيد دقيق، لأنه يكتفي بتقرير حالة واقعة في اعتدال وقصد. وإن كان في هذا التعميم ما يستحق بعض الاستدراك. فالميل إلى الإجمال أو التفصيل قد لا يكون مزاج أمة ولا لغة، بل مزاج فرد أو جماعة في كل لغة. ولكن هذا الكلام مقبول في حدود السمات العامة للغات.
ثم يقول:
(اختصر في صفة واحدة صفات البلاغة في أساليب القرآن والحديث وأشعار الجاهليين الأمويين وكتب العباسين فلن تكون هذه الصفة غير الإيجاز)
(وكان أمراء النثر العربي من أمثال جعفر بن يحيى، وسهل أبن هارون يتوخون جانب القصد، ويؤثرون طريق الإيجاز. حتى قال جعفر للكتاب: (إن استطعتن أن تجعلوا كتبكم كلها توقيعات فافعلوا). والتوقيعات ما يعلقه الخليفة أو الوزير أو الرئيس على ما يقدم إليه من الكتب في شكوى حال أو طلب نوال. وهي تجري مجرى الأمثال في الجمع بين الإيجاز والجمال والقوة)
وهكذا كلام جيد حين يراد به تسجيل حالة واقعة - ما عدا الكلام عن إيجاز القرآن فلنا فيه رأى آخر سنبديه - أما حين يراد اتخاذه مثالاً فلا أن طبيعة الموضوعات التي عالجها النثر العربي المأثور، وأهمها الحكم والأمثال، والتوقيعات، والرسائل، هي التي اقتضت هذه الإيجاز، وكان سائغاً فيها. ولكنه في الشعر بدا عيباً في كثير من الأحيان. فمعظم الشعر العربي يعمد إلى بلورة المعنى وإرساله كالقذيفة، وقلما يعني بتصوير الحالات النفسية ووصفها وبسط التجارب الشعورية التي تمتع الحس بتتبعها. إنه يخاطب الذهن غالباً بالمعنى الذهني الأخير الذي لا يتمتع به إلا الذهن وحده. وفي هذا تتفوق طريقة الأداء في غير الشعر العربي: في الشعر الأوربي والهندي والفارسي. ولقد كتبت عدة فصول عن (طريقة الأداء في الشعر) وعن (الصور والظلال في الشعر) وكلها تبرز تقصير طريقة الأداء في الشعر العربي عن نظائرها في الشعر العالمي. والعيب كله راجع إلى بلورة المعاني، واقتضاب التفصيلات، أي إلى هذا الإيجاز الذي قد يفلح في شعر الحكم ولكنه يخفق في تصوير الحالات النفسية، والخطوات الشعورية كل الإخفاق. كما يخفق في القصة التي تقتضي مزيداً من (العناية بالدقائق، والإحاطة بالفروع، والاهتمام بالملابسات) تلك الخصائص التي ذكر الأستاذ الزيات أنها من خصائص اللغات التفصيلية. . . وقد نقل الأستاذ كلاماً لأبن الأثير في ص94، له دلالته في موضوعنا: قال أبن الأثير (جلس إلي في بعض الأيام جماعة من الإخوان، وأخذوا في مفاوضة الأحاديث، وانساق ذلك إلى ذكر غر ائب الوقائع التي تقع في العالم، فذكر كل من الجماعة شيئاً. فقال شخص منهم: (إني كنت بالجزيرة العمرية، في زمن الملك فلان، وكنت إذ ذاك صبياً صغيراً، فاجتمعت أنا ونفر من الصبيان في الحارة الفلانية، وصعدنا إلى سطح طاحون لبنى فلان، وأخذنا نلعب على السطح، فوقع صبي منا إلى أرض الطاحون، فخفنا أن يكون آذاه؛ فأسرعنا النزول إليه، فوجدناه قد وطء البغل فختنه ختانة صحيحة حسنة، لا يستطيع الصانع الحاذق أن يفعل خيراً منها).
فقال له شخص من الحاضرين: والله إن هذا عىّ فاحش، وتطويل كثير لا حاجة إليه. فإنك بصدد أن تذكر أنك كنت صبياً تلعب مع الصبيان على سطح طاحون، فوقع صبي منكم إلى أرضها، فوطء بغل من بغالها فختنه ولم يؤذه. ولا فرق بين أن تكون هذه الواقعة في بلد نعرفه أو في بلد لا نعرفه. ولو كانت بأقصى المغرب، لم يكن ذلك قدحاً في غرابتها. وأما أن تذكر أنها كانت بالجزيرة العمرية في الحارة الفلانية في طاحون بني فلان فإن مثال هذا كله تطويل لا حاجة إليه والمعنى المقصود يفهم بدونه) وتعليق أبن الأثير على لسان (شخص من الحاضرين) هو نموذج من فهم العقلية العربية التقليدية للفن. فالمعنى هو المقصود، المعنى أوجز لفظ وأخصره، مجرداً عن ظلاله وملابساته وظروفه. المعنى المركز في (برشامة)!
ونحن لا نتردد في إيثار طريقة صاحب الطاحونة! - من الناحية القصصية - لأنه يصور الجو والملابسات، ويطيل التشويق، ويتضمن المفاجأة في النهاية وهو على تفاهة حكايته (صاحب فن) في روايتها، يهيئ له أن يصبح قصاصاً!! أما صاحبه الآخر الذي رد عليه فرجل عجول، وهو قد يكون أشد عروبة، ولكنه ليس أحسن فناً!
أما القرآن فلم يتبع خطة واحدة. لقد استخدم الإيجاز والإصناب كلاّ في موضعه، وحسب الغرض النفسي الذي يتوخاه وقد جاء في فصل (التناسق الفني في القرآن) من كتاب (التصوير الفني في القرآن) ما يأتي:
(بعض المشاهد يمر سريعاً خاطفاً، يكاد يخطف البصر من سرعته، ويكاد الخيال نفسه لا يلاحقه. وبعض المشاهد يطول ويطول حتى ليخيل للمرء في بعض الأحيان أنه لن يزول. وبعض هذه المشاهد الطويلة حافل بالحركة، وبعضها شاخص لا يريم. وكل أولئك يتم تحقيقا لعرض خاص في المشهد، يتسق مع الغرض العام للقرآن ويتم به التناسق في الإخراج أبدع التمام)
ثم ضربت أمثلة متعددة للقصر الخاطف، وأمثلة متعددة للطول المقصود في عرض المواقف. ويحسن أن أختار هنا مثالين من تلك الأمثلة الكثيرة:
1 - يريد أن يصور للناس قصر هذه الحياة الدنيا التي تلهيهم عن الآخرة، فيخرج القصر في هذه الصورة:
(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا، كما أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض، فاصبح هشيماً تذروه الرياح).
(وانتهى شريط الحياة كله في هذه الجمل القصار، وفي هذه المشاهد الثلاثة المتتابعة: (ماء أنزلناه من السماء) ف (اختلط به نبات الأرض) ف (أصبح هشما تذروه الرياح).
(ألا ما أقصرها حياة!
2 - ويريد أن يبصر الناس بنعمة من نعم الله عليهم، هذه الصورة نفسها: صورة نزول الماء من السماء وإنبات الزرع به، وصيرورته حطاماً. . . ولكن في تطويل وتريث وتفصيل، لأن التذكير بالنعمة يقتضي التريث والتفصيل فالقسم الأول
من الصورة وهو نزول الماء من السماء يعرض هكذا:
(الله الذي يرسل الرياح، فتثير سحاباً، فيبسطه في السماء كيف يشاء، ويجعله كسفاً، فترى الودق يخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون)
والقسم الثاني بعد وصول الماء إلى الأرض يعرض هكذا:
(ألم تر أن الله أنزل من السماء، فسلسكه ينابيع في الأرض، ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه، ثم يهيج فتراه مصفراً، ثم يجعله حطاماً)
فالرياح تثور، فتثير السحب في السماء، فيتراكم السحاب، فيخرج منه المطر، فينزل المطر من السماء، فيستبشر به عباد الله فإذا نزل إلى الأرض، فلا يختلط بالأرض ولا بنبات الأرض - كما حدث هناك - إنما يسلك ينابيع. (ثم) - في تراخ - يخرج به زرعاً. (ثم) مرة أخرى - يهيج فتراه مصفراً - وفي الوقت مهلة لتراه - (ثم) مرة ثالثة يجعله حطاما. (يجعله!) وهناك (اصبح هشيما) كأنما يصير هكذا من نفسه بلا حاجة إلى مصير!
وفي مشاهدة القيامة مثل هذه الإطناب وذلك الإيجاز، وفي المواقف القصصية. وفي كل موضع يقتضي التفصيل او الأجمال، فالقران في هذا خارج عن مأثور النثر العربي. متميز بخصائصه الفنية في كل موقف وفي كل حال.
فلننظر في السمة الثانية من سمات اللغة العربية في تلاؤم الألفاظ. وهي السجع والازدواج. والازدواج بشكل خاص: (فالازدواج على اطلاقه، والسجع على تقييده، يؤلفان الموسيقية في الأسلوب البليغ، منذ كان للعرب ذوق، وللعربية أدب. فليست الحال فيهما هي الحال في سائر الأنواع البديعية التي نشأت في الحضارة ونمت بالترف، وسمجت بالفضول. وفسدت بالتكلف. فالذين ينكرون على من يحسنون التأليف بين الأصوات، والمزاوجة بين الكلمات، والمجانسة بين الفواصل، إنما ينكرون جمال البلاغة وجميل البلغاء في دهر العروبة كله. وإذا أقررناهم على أن ذوق العصر لا يسيغ ذلك البديع الذي أولع به كتاب العصر الخامس، ومن خلف من بعدهم، فذلك لأننا لا نقحم في ذلك البديع تلك الأنواع التي تحسب في عناصر الأسلوب، وتنسب إلى خصائص اللغة، كصحة المقابلة، وحسن التقسيم، وائتلاف اللفظ والمعنى، واتفاق الفقرة والفقرة في الوزن، أو اتحاد الفاصلة والفاصلة في الروي.
(واقطع الحجج على أن الازدواج والسجع من لوازم الأسلوب العربي في القران، وهو (كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير، قد تجوز في بعض الألفاظ والصيغ محافظة عليهما)
ونحن لا نجادل الأستاذ في أن السجع والازدواج أساسان من أسس النثر العربي المأثور - وندع الحديث عن القران إلى موضعه - ولا نجادله في أن فيهما جمالا حين يسحن استخدامهما ولكن هذا لا يعني انهما مفروضان ضربة لازب على الأساليب العصرية.
وقبل كل شيء نود أن نقرر في صراحة: انه إذا كان في اللغة العربية شعر يبلغ نهاية الجودة وقمة الفن - في بعض الأحيان - فانه ليس في اللغة العربية نثر يتسم بهذه السمة! أن الأسلوب النثري المأثور في اللغة العربية أسلوب متخلف متضع تنقصه الطلاقة والحيوية والاندفاع. ولم يبلغ النثر العربي يوما ما بلغه على أيدي كتاب العصر الحاضر الذين أطلقوه من قيوده البطيئة في التعبير والتنغيم على السواء.
وهذه حقيقة تنفعنا، فانه إذا جاز أن نتجه إلى الشعر العربي المأثور للمحاكاة والانتفاع، فلا يجوز أن نتجه إلى النثر العربي المأثور إلا لتكوين الذوق اللغوي، لا المحاكاة الفنية.
وإيقاع السجع والازدواج - على تفاوت بينهما - هو إيقاع (التقاسيم) الشرقية في الموسيقى، فيه الارنان المتوازي أو المتقابل. ولكن تنقصه التموجات العريضة العميقة، وتنقصه الرفرفة الخفيفة والاندفاعات الطليقة. وهو على أية حال ليس إلا لونا واحدا من ألوان الإيقاع لا يصلح لجميع الأحوال. والتناسق الحقيقي هو اتفاق صورة الكلام وإيقاعه مع طبيعة الشعور الذي انبعث عنه الجو النفسي الذي يصوره. وهو بهذا الوضع جزء من دلالة العبارة كالمعنى الذهني سواء. والسجع والازدواج لا ينفسحان عن جميع الصور النفسية.
ثم نصل إلى الحديث عن القران.
وأنا الذي الفت كتابا كاملا عن (التصوير الفني في القران) وأبرزت سمة (الإيقاع الموسيقي) في هذا التصوير، لا اتررد في الجهر بان القران لم يستخدم السجع والازدواج في كافة أغراضه بل استخدمهما في المواضع الخطابية التاثيرية. وفي هذه المواضع وأمثالها دون سائر الأغراض يحسن السجع والازدواج.
فإذا خطر لنا أن نتأثر أسلوب القران، فلنعرف مواضع كل طريقة من طرق الأداء فيه. ولنفرق بين السمات المطردة فيه، والسمات الخاصة بموضوع دون موضع.
فطريقة التعبير بالتصوير سمة مطردة. أما الإيقاع في السجع والازدواج فسمة موضوعية.
ومن هنا يأتي الخطأ لجماعة ممن يعن لهم تقليد أسلوب القران في العصر الحديث. فهم لا يقلدونه في طريقة التعبير بالتصوير. ولكن في طريقة تركيب الجمل، وتنسيق العبارات. . . ولقد دعوت مرة إلى التأثر بطريقة الأداء القرآنية، عنيت بها الصور والظلال وتجانس الصور والإيقاع. ولكنني لم اعن تركيب الجمل على النسق القرآني في كل المواضع والموضوعات. وهناك أساليبه الطليقة التي استخدمها للشرح والتقرير، والأساليب التأثيرية التي استخدمها في مواضع خاصة تصلح لهذه المواضع، ولا تطرد في كل المواقف.
وهذا مفصل القول في هذا الموضوع الدقيق.
(للبحث بقية)
سيد قطب