انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 677/رباعيات عثمان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 677/رباعيات عثمان

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 06 - 1946



للأستاذ عثمان حلمي

هكذا كانت الحياةُ فزنها ... كيف كانت وخذ نصيبك منها

لا تزنها إلا بعقلك إن شئـ - تَ خلاصاً من بطشها لا تزنها

إن ميزانها بمقياس إحسا - سك أدعى لأن يصدَّكَ عنها

وحرامُ عليك إن شئتَ ما فيـ - ها فإن الذكيَّ من لم يشنها

إن فيها لمن أراد خبالا ... وجمالاً لمن أراد جمالا

لوُنها لونُ ما بنفسكَ من حا - لٍ إذا ما بعينك حالا

وكذا تسمعُ النفوسُ صداها ... فترى الحق في الحياة ضلالا

إنما العقلُ للبصيرِ هو المر - جعُ والمستبدُّ من يتغالى

طالما جئتَ رغم أنفك فيها ... يا ابنها كنْ كواحدٍ من بنيها

كن حكيما مخذ نصيبك منها ... حسناً ما أصبته أو كريها

لا تكن جامداً إذا شئت أن تحـ - يا ولا مسرفا بها أو سفيها

وإذا لم تشأ فدونك نفسُ ... ما عزيزُ عليكَ ما يُرديها

علم النفس أن يكون رضاها ... بالذي كان واقتصد في مناها

وقليلُ من التجاهل والصبـ - ر أمانُ من بطشها وأذاها

أنت ما جئت في حياتك كي تصـ - لح ما في الحياة من أخطاها

لا ولا جئت كي تضيع من العمـ - ر كثيراً في همها وشقاها

إن يوماً مضى بغير سرورِ ... ليس من عمرك السريع القصير

وقليلُ من التجهّم والحز - ن كثير فما ترى في الكثير

ومن الحمق والجهالة بالخلـ - ق إذا عشتَ عيشةَ المصدور

فأتخذ من جوانب الجدّ للهز - ل مجالاً يحدّ جدّ الأمورِ

لك عمرُ مهما بلغتَ قصير ... طالَ فيه الأسى وقلَّ السرورُ

فتعلم كيف أنتها بك للعمـ - ر فإن الذي مضى لا يحورُ

والليالي لها جناحان بالأعمّـ - ار في غفلةِ النفوسِ تطيرُ يرجع الليلُ وما ير - جعُ يوماً ما غيبته القبورُ

وأتخذْ من تجارب الغابرينا ... لك عوناً حتى تذوق ألقينا

واضعف عِاَم من مضوا لتجاريـ - بك وأحذر من أن تموت حزينا

والذي مرّ في حياتك لا تأ - سف عليه أو ما عسى أن يكونا

خلَّ دنياك كيف شاءت وصلها ماجناً إن أوسعتك مجونا

وتبسّمْ للسعدِ والإقبال ... وتبسم في خيبة الآمالِ

وتنقلْ كما تشاء الليالي ... غير آس من أيّ حالٍ لحالِ

إن عمراً ختامه الموت جهلُ ... إن تقضّي في الهمَّ والبلبال

وعزيزُ علىَّ أن تَردَ الم - ت حزيناً في زمرة الجهّال

ما ارتوتْ بالبكاء مهجةُ باك ... لا ولا أثمرت شكايةُ شاكِ

إن موج الحياة يحمل في مدّ - هـ وفي جزره صنوفَ الهلاكِ

وتمر الأجيالُ والناسُ صرعي ... رممُ وسدتْ بغير حراك

سخر الدهر بالجميع وساوي ... بين رم الفجار والنساك

في اكتمال الشباب نقص المشيب ... وانتهاء الشروق بدء الغروبِ

ومصير المشيب ألعن ما في ... هـ خمودُ القوى وموت القلوب

ضجعة الموت لا تنغّصُ بالذء - ر ولا بالجوى ولا بالنحيب

فتأمل فليس في الأرض أو في الـ - خلق ما يستحق شقَّ الجيوب

لم أجد فيما مضى من حياتي ... لي عذراً في الهمّ أو في الشكاة

ولقد عشت ما ندمت على ما ... فاتني أو جزعتُ من أي آت

طىُّ قلبي ابتسامة ما توارتْ عن فمي للصحاب أو العداة

وكلامي في كل لفظ لمن يفطن ماضٍ من الصوارم عاتٍ

عادلُ من يصرف الأياما ... وغبيُّ من اشتكى أو لاما

وصميمُ الحياةِ ولغو ... فمن العدل أن نمرَّ كِراما

ما الذي نرتجيه في أمرنا الوا - قع إن كان في القضاء لزاما

لا يذم الزمان والناس إلا ... من تغابى عن فهمهم أو تعامى لا تلم مسرفاً على الإسراف ... لا أرى لومه من الإنصاف

لا تلمه وإن تمادى ومهما ... بلغت نفسه من الإتلاف

بيد الدهر للخليفة ميزا - ن دقيقُ وعدله غير خاف

إن هوتْ كِفةُ فمعناه شالتْكِفَّةُ دون أيما إجحاف

لا تلمني إذن فلستُ أبالي ... رغم ضعفي طول اعتلالي

إن جسمي الذي تضعضع وانهـ - ار جديرُ بسوء هذا المآل

قد تقاضى الزمان مني أثمـ - ان ضلالي على مرور الليالي

ومن العدل أن أرى العدل فيما ... نال مني جزاء هذا الضلال

قد نهبتُ في العمر نهبا ... ورأيتُ الإسرافَ في اللهو كسبا

وجرى بي الهوى فما بتُّ إلاَّ ... بفؤادٍ دوّى هياماً وحبْا

ورأيتُ الأيام تجرين خبّا ... فجرت بي من خلفها النفس خبْا

ولو اسطاع فوق ذلك جسمي ... أو فؤادي زيادة ما تأبى

هذه سنتي وحسبك نصحي ... فأرحني من كل ذمِ ومدح

ليس بالذم إن ذممتَ أو المد - ح إذا ما مدحت خسري وربحي

إنما شئت أن أصور ما أحـ - سست بالنفس من شعورٍ ملحَّ

في حياة أمضيتها وكفاني ... وكفاها إثباتُ جدْي ومزحي

وقصاري رأي وغاية قصدي ... وانتهائيْ من بعد أخذٍ ورد

أن تمر الأيام باليسر لا بالـ - عسر حتى بلوغ يوم التردّى

لا نحيبُ ولا تحدٍ ولا لو - مُ لفردٍ ولا عتابُ لفرد

طالما اسطعت بابتسامة سخر ... أن تحدًّ الأمورَ في خير حدَّ

لا أذم الحياة بعد المشيبِ ... طالما جُزتها بقلب طروبٍ

إنّ للشمسِ في الضحى من جلال الـ - حسن في العين ما لها في الغروب

ونصيب الشباب في العيش لا يفـ - ضل في حسنه نصيب الشيب

كل يوم له مذاقُ ولونُ ... ماله في صفاته من ضريب

لا تلمني وأنظر إلى تكويني ... فظنوني من كهنه ويقيني والتمس يا أخي لي العذر في رأ - يي وفي كل شارد من ظنوني

عن شمالي هادٍ وعنها مُضلُ ... ولنفسي سواهما عن يميني

فخفى يضلني وخفىُّ ... لست أدري مراده يهديني

ومحيط الإنسان أكبرجان ... هو أو رحمة على الإنسان

ومن الجو والوراثة والصـ - حاب جان ومن صروف الزمان

ومن العلم والجهالة والأهـ - ل ومن كل ما ترى العينان

ليس للمرء من يد في هدى النفـ - س ولا في الضلال والخسران

عثمان حلمي

-