مجلة الرسالة/العدد 669/في كتاب البخلاء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 669/في كتاب البخلاء

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 04 - 1946



طبعة وزارة المعارف

لأستاذ عظيم

- 3 -

الجزء الثاني

جاء في صفحة 7: (قال: فهو ذا المجوس يرتعون البصرة وبغداد وفارس والأهواز والدنيا كلها بنعال سندية). وقال الشارحان (يرتعون البصرة) أي يجوبون هذه البلاد ويطفون بها. . . ولكن رتع لازم فضمنه هنا معنى جاب أو قطع فعداه. وأقول: إنها يرقعون أو يترقعون؛ يقال: رقع الأرض برجليه، ضربها. ويقال: ترقع البلاد، تكسب فيها في الخصب.

وجاء في صفحه 13: (بقيت مخفقاً معدماً، وفقيراً مبلطاً) (بفتح اللام). وأرى أن الأرجح أن تكون مبلطاً بكسر الللام لتزاوج مخفقاً ومعدماً. وأبلط الرجل بالبناء للفاعل أو المفعول من معانيها أفتقر وصار لاصقاً بالأرض أو بالبلاط.

وجاء في صفحة 27: (وكان على ثقة أنه سيأتي عليه في الشتاء، مع صحته وبدنه، وفي شك من استبقائه في الصيف). وفسر الشارحان: (استبقائه) بالاستبقاء منه. وأرى الأولى أن تكون الكلمة محرفة عن (استيفائه)؛ لأن الشك إنما يكون في قدرته على استيفاء أكل الرأس لا على استبقاء بعضه. وهذا يتلاءم مع اللفظ بدون تقدير كلمة (منه).

وجاء في صفحة 30: (وكيف صنع فيلويه فيما بينك وبينه؟ قالت: كان يجرى على في كل أضحى درهماً! فقالت: وقد قطعه أيضاً)؛ والصواب: وقالت أو ثم قالت.

وجاء في صفحة 31: (وحتى ربما استخرج عليه أنه لابن، جلاد الدم). وقال الشارحان: (جلاد الدم) قاتل كما يفهم من المقال وإن كان المعنى اللفظي لا يؤدي ذلك إلا بشي من التجوز. وأرى أنها (حلال الدم) وهي عبارة مفهومة لا تدعو للتجوز.

وجاء في صفحة 34: (وبعد، وكيف تشتهي الطعام اليوم) وأظن الواو زائدة أو هي فاء.

وجاء في صفحة 52: (وإذا مد أحدكم يده إلى الماء فاستسقى). والواو قبل إذا زائدة قطعاً كما في عيون الأخبار لأنها مبدأ كلام صاحب البيت الذي يطلب إلى الضيوف سماعه.

وجاء في صفحة 54: (قلت له فلم لا يتخذ موضع (مذار) من بعض (دقاق) أرضه فيذري لكم الأرز؟ ثم يكون الخيار في يده، إن أراد أن يعجل عليكم الطعام أطعمكم الفرد، أو إن أحب أن يتأنى ليطعمكم الجوهري). وقال الشارحان: إن العبارة غير مستقيمة في جميع النسخ، ثم تكلفاً في تفسير الفرد والجوهري تكلفاً ظاهراً. وأرى أن عبارة الجاحظ محرفة، ولعل أصلها: (فلم لا يتخذ موضع مذر في بعض رقاق أرضه فيذري الخ وكلمة (الفرد) أصلها العرض، والجوهري أصلها الجوهر. ويكون المراد: فقلت له: لماذا لا يعمد إلى بعض عماله فيكون هو المذري لأرزه، وتكون التذرية على أرض رقاق أي لينة متربة. وما نتج من التذرية سيكون بالطبع أرزاً، ثم عصفاً، فعبر عن الأرز بالجوهر، وعن العصف والكسارة بالعرض. فإن كان الضيوف مستعجلين صنع لهم العرض خبزاً، وإن انتظروا صنعه لهم الجوهر. وهذه الفكرة الخبيثة قد استعاذ الخاطب بالله منها أن يحاذيها ذلك الضيف البخيل.

وجاء في صفحة 80: (فتذاكروا الزيت وفضل ما بينه وبين السمن، وفضل ما بين الأنفاق وزيت الماء) ولعل (الأنفاق) محرفة عن (الأنفاط) وهي الأنواع المختلفة من النفط وهو الزيت الحجري. ولعل مراده بزيت الماء زيوت الأزهار التي تستقر بالأنبيق، فكأنهم فاضلوا بين السمن وزيت الطعام، وجرهم هذا إلى الكلام في أنواع الزيوت الأخرى، من معدنية ومائية.

وجاء في صفحة 95: (ولقد وهب لرجل ألف بعير، فلما رآها تزدحم في الهوادي قال: أشهد أنك نبي) وقد فسر الشارحان الهوادي تفسيراً غير مفهوم، والأقرب أن تكون (المرادي) جمع مرداء، وهي الأرض الفضاء لا نبت فيها، والازدحام فيها مفهوم بلا عناء.

وجاء في صفحة 172: (ولأن الحوائج تنقضّ) والصواب تقتضي. وجاء في الصفحة نفسها قوله: (قلت له فإذا أتيت رجلاً في أمر لم تتقدم بمسألة، كيف يكون جوابه لك؟) وصواب (أتيت) أنبت؛ لأن هذا البخيل قال لسائله إنه مستعد لا للإعطاء بل لتأنيب من يشاء أن يؤنبه هذا البخيل لمصلحته، سواء أكان من يقع عليه التأنيب هو من يسأل هذا البخيل غداً رد جميلة بإعطائه الغير مقابل هذا الجميل، أم كان من يقع عليه التأنيب شخصاً آخر. فلما سمع السائل من البخيل هذا القول دهش ولم يفهم كيف يستطيع هذا البخيل أو غيره أن يؤنب إنساناً على أمر لم يسبق أن كلمه فيه ذلك الإنسان. وقد دفعه هذا الدهش إلى الاستفهام من البخيل عن هذا التأنيب الغير المسبوق بما يقتضيه وعما يكون جواب المؤنب. واستفهامه عن جواب المؤنب ليس استفهاماً حقيقياً بل لفت نظر إلى ما يكون حتماً وعادة من دفع هذا المؤنب إلى مقابلته بكل شر.

وجاء في صفحة 195: (وقال الأفوه الأودى:

تهنا لثعلبة ابن قيس جنفةُ ... يأوي إليها في الشتاء الجوع

ومذانب لا تستعار وخيمة ... سوداء عيب نسيجها لا يّرقع

وكأنما فيها المذانب حَلْقَةّ ... ودم الدلاء على دلوج يّنزع

وقال الشارحان في تفسير البيت الأخير: (يقول كأن المغارف (المذانب) وقد أحاطت بحافة هذه الجنفة حلقة لاستدارتها حولها، وكأن ما يغرفه منها الآكلون لعظمه وثقله ماء دلاء يرفعه النازعون بمشقة. وأقول: إن هذا التفسير متكلف ملتبس، وأظهر مبهماته عبارة (ماء دلاء) فإن المذكور في البيت دم دلاء، ولا ندرى كيف يجعل الدم ماء. والأصح أن كلمة (حلقة) في البيت محرفة عن (خفة)، وكلمتي (ودم) مصحفتان عن كل كلمة واحدة هي (وذم) والوذم جمع وذمة وهي الرباط من جلد أوليف مثلاً يشد بها طرفاً خشبة الدلو إلى عروتيه. وإذن يكون معنى البيت بعد التصحيح: كأن تلك المذانب (المغارف) إذ تراها متعاقبة يخلف بعضها بعضاً على النشل من القدر تحسبها أخشاب الدلاء انفصلت وانتزعت على أربطتها من عروتي تلك الدلاء أثناء الدلوج من البئر إلى الحوض. هذا ما يخيل إلى أنه الأصل وأنه المراد. ويؤكده عندي أن المغرفة هي ساق متصلة بكتلة مقورة من الخشب وهيئتها كهيئة الدلو إذا انفصلت، وفي أحد طرفيها الوذمة التي هي أوسع قطراً منها. والتصحيح والتفسير على هذا الوجه يقتضيان جعل (ينزع) بالتاء بدل الياء. وبعد أن كتبت هذه الملاحظة اتفق أن زارني الأستاذ الشيخ علام نصار وكيل محكمة مصر الشرعية فلما قرأها قال: إنه لا يتصور كيف تكون المغارف كخشب الدلاء المنزوعة من عرواتها عند الدلوج من البئر إلى الحوض. وفي ذات مساء قال لي في التليفون: إنه راجع هذه الأبيات في ديوان الأفوه الأودى فوجدها كما صححتها.

ولكن هناك تحريفاً آخر في كلمة (دلوج) فإنها بالديوان (قليب) وأن (تهنأ) في البيت الأول أصلها (فينا) وأن (خيمة) و (نسيجها) و (ترقع) في البيت الثاني أصلها (جفنة) و (نشيجها) و (ترفع). وقد أرسل إلى كتاب الطرائف الأدبية وفيه هذه التصحيحات بصفحة 19 فشكرته على فضله، وطلبت إلى حضرة مراقب المجمع إعادة الكتاب إليه. ومن رأيي أن (فينا) لا بد أن تكون هي الصحيحة دون (تهنأ)، وأما (جفنة) بدل (خيمة) في البيت الثاني فمحل نظر؛ وأن (نشيجها) لا بد أن يكون أصلها (نشيشها). وهذا التصحيح قد يجعلني أعدل عن تصوير حالة المذانب عند الدلوج وأن أقول أنه يستعمل (الوذم) في معنى رشاء البئر. أي أن استخراج ما في القدر بواسطة هذه المذانب يصور دلاء تنزع من القليب برشائها وهي صورة جيدة لا بأس بها.

وجاء في صفحة 207: (وقال الأعشى:

المشرف العَود فأكنافه ... ما بين حمران فينصوب

ومن رأيي أنها العود بالضم لا بالفتح، وهو كناية عن ارتفاع قامته مادياً أو ارتفاع هامته معنوياً، والثاني هو المقصود طبعاً.

وجاء في صفحة 220:

ونار كسحر العّود يرفع ضوءها ... مع الليل هبات الرياح الصوارد

والصحيح أنها كسحر العود، أي حمراء كرئة البعير. ولو جاز أن يكون الأصل كما هنا لكان الكلام تافهاً؛ لأن النار دائماً هي سجر العيدان ضؤل خشبها أو جزل.