مجلة الرسالة/العدد 668/وادي الخلود. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 668/وادي الخلود. . .

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 04 - 1946



(مهداة إلى وفد الجنوب)

للأستاذ سيد قطب

على ضِفاف الخلودْ ... وفي شِعاب الزمنْ

والدهرُ طفلٌ وليد ... قد كان هذا الوطن

يا فجرُ من ذا رآك ... تطوف تلك السماء

وليس حيٌّ سواك ... تُهدي إليه الضياء؟

رأتك تلك الضِّفاف ... رأتك تِلك البُرور

رأتك قبل المطاف ... وأنت طفلٌ غرير

وشبتَ والدهر شابْ ... وحنَّكتْكَ الحياة

والنيلُ بادي الشباب ... والزهرُ يقفو خطاه

ينساب مثل النغم ... في عزف نايٍ طروب

وكانسياب الحُلم ... تُضِفي عليه الغيوب

خريرُه صلواتْ ... مُعطَّراتُ النشيدْ

وموجُه أغنياتْ ... مرتَّلات القصيد

يا نيلُ كم من شِراع ... يا نيلُ كم من سفين

أسْلَمْتَها للوداع ... على مدارِ السنين!

يا نيلُ كم من جُموع ... ماجتْ بتلك الضفاف

يا نيلُ كم من زروع ... وذي وذي للقطاف!

وأنت صِنْو الخلودْ ... وفي يديك الزِّمامْ

وكل عامٍ تعود ... مجدَّدَ الأيام

تَجري فتجري الحياة ... ويُمرِع الشاطئانْ

ويتسفيق الرُّعاة ... وتمرحُ القطعان

وينشط الزرزور ... فيجمعُ العيدان

وعشُّه معمور ... بفرخهِ الوسنان أكاد خلفَ القرون ... أحسُّ رِكزَ الجموع

أراهُم مُهطِعين ... في موكب للربيع

قد شمَّروا للحصاد ... وخلَّفوا (أمشير)

في فرحة الأولاد ... تسابقوا للبُكور

وموكب للرَّوَاح ... في كل يوم يَؤُوبْ

يزفُّه الفلاَّح ... على مدار الغُروب

من الحقول المريعة ... إلى الحِمَى والديار

تضمُّ فيه الطبيعة ... عيالها الأبرار!

لُحونُهُ من صِياح ... ومن رُغاء النَّعمْ

ومن رجيع النُّباح ... ومن ثُغاءِ الغَنَم

على مدار القرون ... يسيرُ فيه الرُّعاه

كأنهم خالدون ... ما بُدَّلوا في الحياة!

أحبُّ فيك الخلودْ ... يا أيها الوادي

أحب فيك الصمود ... للقاهر العادي

تصبُّ فيك الوفود ... وأن يقظانُ ساهر

تصوغهم من جديد ... كأنما أنت ساحر!

يا مهبط الأسرار ... من الغيوب العميقة

يا موطن الأسحار ... من القرون السحيقة

يأوي إليك الزمان ... خوف البِلى والفناء

يأوي لحصن الأمان ... فيستمد البقاء!

ووجهُكَ الفتان ... بلونِه الأسمر

يا طالما يزدان ... بزرعك الأخضر!

ترنو له عيناي ... في فتنة العاشق!

يا أرض يا دنياي ... يا آية الخالق

يا أرض كم تحلمين ... بالزهر أحلام شاعر رؤاك طولَ السنين ... يا أرض تلك الأزاهر

وريحك المعروف ... يشَمُّه أنفي

في خاطري مألوف ... ممَّيزُ العرف

يا أرض هذا الصعيد ... مقدس في ضميري

سرى عليه الجدود ... وأخلدوا للقبور

يكاد فرط الحنين ... إليهمُ في شعوري

يردُّهم شاخصين ... إلىَّ خلف الدهور!

يا أرضُ سرٌ دفين ... مغيَّبٌ في ثراك

يردَّنا مُوثَقين ... إليكِ أسرَى هواك

هذا الثرى المنثور ... في صفحة الوادي

عرفتُه في الضمير ... رفاتَ أجدادي!

يا أرض هذا النشيد ... من وحيك العبقريِّ

فنوِّليه الخلود ... بسرِّك القدسيِّ