مجلة الرسالة/العدد 663/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 663/البريد الأدبي
عود إلى لقب السفاح:
كنت ذهبت في مقالات نشرتها بالأعداد (346، 347، 349) من مجلة الرسالة الغراء، إلى أن لقب السفاح لم يكن اللقب الحقيقي لأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وإنما هو لقب أطلقه عليه بعض المؤرخين، وأخذه من قوله في بعض خطبه (فأنا السفاح المبيح، والثأثر المنيح) فغلب عليه في كتب التاريخ، وغطى على لقبه الحقيقي، ثم ذكرت أن لقبه الحقيقي كان القائم أو المهتدي أو المرتضي، كما ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، والقلقشندي في صبح الأعشى.
وقد ذكر الأستاذ ميخائيل عواد نصاً جديداً في العدد الأول من السنة العاشرة من مجلة المعلم الجديد العراقية، نقله عن هلال بن المحسن الصابي صاحب كتاب رسوم الخلافة، وقد جاء في هذا النص أنه اختلف في لقب أبي العباس، فقيل القائم، وقيل المهتدي، وقيل المرتضي، لما غلب عليه السفاح، وإنما ذكر بذلك لكثرة ما سفح من دماء بني أمية.
ولا شك أن هذا النص يؤيد الرأي الذي ذهبت إليه، ويثبت أن لقب السفاح قد وصف به أبو العباس من بعض المؤرخين، ولم يكن لقباً حقيقياً له.
عبد المتعال الصعيدي
اللجنة الثقافية للجامعة العربية:
عقدت اللجنة الثقافية العامة جلستها الأخيرة في الأسبوع الماضي فبحثت في مشروع إنشاء معهد لإحياء المخطوطات العربية الموجودة في العالم وتصوير أقيمها وأفيدها ووضعها تحت تصرف العلماء والباحثين والناشرين في أطراف العالم.
وقد قابلت اللجنة هذا المشروع بتحمس شديد لأنه يضمن الوصول إلى كنوز الفكر العربي ويحفظ تراثه الموجود من الضياع والتشتت، وقد أقرت هذا الموضوع، وطلبت عرضه على مجلس الجامعة العربية في دورته المقبلة، ثم نظرت في مشروع مؤتمر عام يجتمع فيه عدد كبير من علماء العرب الذين يعنون بالثقافة العربية فيبحثون في أمرين على غاية من الأهمية في تقوية الروح القومية والثقافية العربية.
أولهما: وضع مناهج للحد الأدنى من الثقافة العربية في التاريخ والجغرافيا والأدب والأخلاق ينبغي أن يتلقاها طلاب العرب في مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية لتقوي فيهم الروح العربية الفاضلة، ويطلعون على ما ينبغي عليه من الثقافة العربية.
وثانيهما: بحث وسائل تحسين الطرق والأساليب التي تدرس بها اللغة العربية، فأقرت اللجنة فكرة عقد هذا المؤتمر وعهدت إلى مكتبها الدائم بأن يؤلف لجنة من خبراء في الثقافة العربية يعدون وسائل عقد المؤتمر ويحضرون موضوعاته ويدعون إليه.
إلى فضيلة الأستاذ الطنطاوي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قدمت - أعزك الله - في معرض حديثك عن حرية الكتابة، مثالين اعتمدتهما سناداً لما رويته عما يرتكب في هذا الزمن من خطيئات، وما ينشر من مفاسد وإهانات، تسئ إلى أرباب العلم والأدب، فيكون نشرها جرماً بالنسبة إلى المجتمع العلمي والأدبي، كما يكون السكوت عن مثل هذه الافتراءات، وترك أصحابها يسرحون ويمرحون كمل يحلو لهم جرماً أشد وقعاً على ذلك المجتمع، وقد كان أول المثلين عن كتاب أو ديوان. . . (قالت لي السمراء)، الذي أر فيما قلته عنه إلا الحق الصراج، والنقد المباح الذي لا يترك في نفس المطالع حقداً ولا تميزاً، وإنما هو الإقناع مأتي من أحسن نقاطه، لكل من تهمه الأخلاق، ويهمه أن يكون الدين أو المجتمع مبنياً على ركيزها.
وأما المثل الثاني، فكان عن كتاب يدرس في الصف المنتهي للمدارس الثانوية، هو: (مختصر في تاريخ الحضارة العربية).
وهنا أيضاً لا أرى مانعاً من نقده بما حواه من تخليطات يكفر بمثلها المؤمن، وغلطات علمية لا تغتفر، يجب أن يحاسب المؤلف عليها حساباً عسيراً، وإنما الذي راعني وراع كثيرين غيري ممن يحفظون لكم كبير المقام، ويرمقونكم بنظرات الإكبار أن تأخذوا على المسيحي، أو غير المسلم، تدريس علم التاريخ، والعلوم كما يراها كل الناس، مشاع لا يجوز أن يحتكرها المسلم أو غيره، وليس عجيباً أبداً أن يدرس هذا العلم المسيحي ما دام يقوم بتأدية قسطه العلمي على أتمه، ويؤدي واجب هذا الفرع من العلم بما يرضي الله عباده العالمين الراسخين بذلك العلم.
لقد قلت - حفظك الله - قبل الآن: (أفسمعت بأعجب من تدريس الخواجة ميشيل والخواجة توما سيرة النبي ﷺ وأبي بكر وعمر؟)، وما يمنع - يا سيدي - الخواجة ميشيل من ذلك إذا رأيناه عند تدريس سيرة النبي ﷺ، متحمساً لها، متعمقاً بدراستها، لا يترك كبيرة أو صغيرة، ولا شاردة أو واردة من تلك السيرة إلا أتى عليها، ولا مصدراً إلا كشف عنه وبين محاسنه ومساوئه؟ وما الفرق بين عدنان وغسان، أو (نظيم) و (ميشيل) أو سواهم، والكل درس في فرنسة، وتلقى علمه وأدبه ونال شهادته التي هو موظف بموجبها، ويتقاضى راتباً بموجب درجتها، من تلك البلاد الأجنبية؟ ليس من فرق بين هذا وذاك، سوى أن الأول رجع إلينا بمذهب شيوعي وزوجة فرنسية. . . ولم يرجع الأخر وهو أحرى بذلك - إلا بعلمه.
إن معظم هؤلاء المعلمين يا صاحب الفضيلة، ملحدون، ولأمور دينهم ودنياهم لا يفقهون، وعن طريقها القويم ضالون، وما أنت - أيها الأستاذ - بغريب عن كل ذلك، وما المشادة التي حصلت بينك وبين بعضهم في زمن ليس بالبعيد، وكانت السبب الأول في تركك التعليم في المدارس الثانوية، وتوجهك وجهة القضاء الشرعي، إلا من أدعم البراهين لما أقول.
أنا أول من يقول بإبعاد من لم يكن كفئاً للتدريس عن مسارح التعليم، كائناً ما كان دينه، وأول من يؤيد فكرة القيام بفحص عام لهؤلاء الذين يحملون شهادات الجامعات الفرنسية، وبينهم من يحمل الدكتوراه في الأدب العربي، وكانت أطروحته عن أحد الخلفاء الراشدين، والمجاز في علم الجغرافيا، ولا يعلم حدود بلاده على التحقيق! ويقول أثناء إلقاء دروسه: (هؤلاء الجبال يمتدون مرتفعين) وإذا كنت كذلك فلا أراني معارضاً إبقاء من هو أهل للتعليم من هؤلاء - وهم كثرة أيضاً - في مركزه.
وأخيراً، أرجو أن لا أكون أغضبت فضيلة الأستاذ، بما أقدمت على لفت نظره إليه، وهو الواسع الصدر؛ وما دفعني إلى ذلك إلا حبي لصراحته وأسلوبه النقدي أولاً، ثم لأدفع عنه تهمة أحب البعض ممن يدعون التجدد من الشباب إلصاقها به، وهو بعيد عنها، حيث قالوا: إن فضيلة من (المتعصبين) أو ممن يدعوهم مركزهم الديني ووظيفتهم الشرعية إلى مثل هذا الكلام في صدد بعض المعلمين المسيحيين، وأنا أول من يشهد بأن الأستاذ - وهو الجرئ في كلشيء - لم يقصد بما قال إلا وجه الحقيقة والدين والأخلاق، وهو عما ينعتونه بعيد، ومما يلصقونه براء
وعلى كل حال فالرأي له، وهو أجدر بالرد على هؤلاء، بما عرف به من لسان فصيح، ونطق بليغ، وحجة قوية؛ بشرط أن يميز بين هؤلاء وأولئك ممن عنيتهم في صدر كلمتي هذه، والسلام.
دمشق
عزت عثمان
مجاز في الأدب والفلسفة