انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 659/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 659/في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب

مجلة الرسالة - العدد 659
في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
ملاحظات: بتاريخ: 18 - 02 - 1946



للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي

- 27 -

ج1 ص268: ومن شعر نفطويه:

الجد أنفع من عقل وتأديب ... أن الزمان ليأتي بالأعاجيب

كم من أديب يزال الدهر يقصده ... بالنائبات ذوات الكره والحوب

وامرئ غير ذي دين ولا أدب ... معمر بين تأهيل وترحيب

ما الرزق من حيلة يحتالها فطن ... لكنه من عطاء غير محسوب

وجاء في الشرح: (كم من أديب يزال الخ) لا يزال حذفت لا كما في كلام العرب أو هي يظل حرفت يزال والأول أوفق لوروده كثيراً. (وامرئ غير ذي دين الخ). لا يستقم الوزن إلا إذا جعلت همزة امرئ همزة قطع.

قلت: (كم من أديب يظل الدهر يقصده) يظل هي الرواية (وجاهل غير ذي دين ولا أدب) و (لا) لا تحذف قياساً إلا بعد قسم، وقد شذ الحذف - كما قال ابن عقيل - دون القسم كقول الشاعر:

وأبرح ما أدام الله قومي ... بحمد الله منتطقاً مجيداً

أي صاحب نطاق (منطقة) وجواد.

وحذف هذا النافي بعد القسم كثير بل أكثر من الكثير، وقد بينت المصنفات في علم العربية (أعني النحو) وفي أسرار العربية، وفي فقه اللغة وسنن العرب في كلامهم، وفي فنون البيان والأدب، وفي التفاسير - هذه القاعدة خير تبيين، بيد أن المتسمين بـ (المبشرين) المتجسمين من الضلالة والجهالة والوقاحة والسفالة أبوا إلا تخطئة علوم العربية كلها وأقوال العرب جميعاً فأدبروا يقولون - أبادهم الله - في كتابهم (مقالة في الإسلام وذيلها) ص459: (ومنه (أي خطأ القرآن في العربية) قوله في سورة يوسف: تالله تفتأ تذكر يوسف، والوجه لا تفتأ لأن فتئ وما جرى مجراها لا تستعمل إلا منفية).

والوقح صخر الوجه لا يستحي من شيء.

لا يعمل المبرد في وجهه ... بل وجهه يعمل في المبرد

والقول القرآني يعضد في بلاغة الحذف وصحته قول معقل ابن خويلد (ديوان شعراء هذيل ج1 ص101 الطبعة الأوربية):

إذا أقسموا أقسمت أنفك منهم ... ولا منهما حتى أفك السلاسلا

وقول ساعدة بن جؤية (شعراء هذيل ج2 ص15 الطبعة الأوربية):

تالله يبقى على الأيام ذو حيَد ... أدفى صلود من الأوعال ذو خدم

وقول الملتمس في قصيدته وهي من (المنتقيات) في (جمهرة أشعار العرب):

آلية حَبَّ العراق الدهرَ أطعمه ... والحب يأكله في القرية السوس

وقول امرئ القيس في قصيدة مشهورة رويت في ديوانه وفي كتب كثيرة:

فقلت يمين الله أبرح قاعداً ... ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

وقول النابغة في قصيدة في ديوانه وفي كتب كثيرة:

فقال: تعالى نجعل الله بيننا ... على مالنا أو تنجزي لي آخره

فقالت: يمين الله أفعل أنني ... رأيتك مشؤوماً يمينك فاجره

وقول ليلى الأخيلية في قصيدة في رثاء توبة (الأغاني 11ص 320):

فتالله تبني بيتها أم عاصم ... على مثله أخرى الليالي الغوابر

فأقسمت أبكي بعد توبة هالكا ... وأحفل من نالت صروف المقادر

وقول امرأة سالم بن قحفان رواه المفصل وشرحه (ج7 ص109):

حلفت يميناً يا ابن قحفان بالذي ... تكفل بالأرزاق في السهل والجبل

تزال جبال مبرمات أعدها ... لها ما مشى يوماً على خفه جمل

وقول الأعشى (روى في تهذيب إصلاح المنطق ص224، والإصلاح لابن السكيت، والتهذيب للتبريزي):

وإني ورب الساجدين عشية ... وما صك ناقوس النصارى أبيلها

أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها ... كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها

وقول أبي حنبل الطائي (رواه الميداني في مجمع الأمثال في شرح: أوفى من أبي حنبل ج2 ص223): لقد آلية أغدر في جذاع ... وإن مُنيتِ أمات الرباع

إن القرآن الكريم ليعضد هذه الأقوال المتقدمة وأقوالا غيرها لا تحصى روى طائفة منها سيبويه (ج1 ص454) والفائق (ج1 ص48) وأمالي الشجري (ج1 ص332) والمثل السائر (الطبعة الجديدة ج2 ص111) والطبري في تفسيره (ج13 ص25).

وكتاب (المضللين) المعزو إلى الشيخ اليازجي قد شرحت حاله في مقالاتي في الرسالة الغراء، وبرأت الشيخ اليازجي بالحجة الشهباء من ذلك الهذر والسفه والجهل والهراء، وأثبت أن المضللين مزورون ومفترون، وأظهرت من أغلاط كتابهم في العربية نحواً من مائة غلطة. . .

ج2 ص18: أبو إسحاق المتوكلي (إبراهيم بن ممشاذ) كتب للمتوكل، ثم صار من ندمائه فسمى المتوكلى، ولم يكن بالعراق في أيامه أبلغ منه، وله رسالة طويلة في تقريظ المتوكل والفتح بن خاقان يتداولها كتب العراق إلى الآن، وتسخط صحبة أولاد المتوكل فتركهم ولحق بيعقوب بن الليث. كتب من عند يعقوب إلى المعتمد:

أنا ابن الأكارم من نسل جم ... وحائز إرث ملوك العجم

ومحيي الذي باد من عزهم ... وعفَّى عليه طوال القدم

وطالب أوتارهم جهرة ... فمن نام عن حقهم لم أنم

يهم الأنام بلذاتهم ... ونفسي تهم بسوق الهمم

إلى كل أمر رفيع العماد (م) ... طويل النجاد منيف العلم

وأني لآمل من ذي العلا ... بلوغ مرادي بخير النسيم

معي علَم الكائنات الذي ... به أرتجي أن أسود الأمم

فقل لبني هاشم أجمعين (م) ... هلموا إلى الخلع قبل الندم

ملكنا كم عنوة بالرما ... ح طعناً وضرباً بسيف خذم

وأولاكم الملك آباؤنا ... فما أن وفيتم بشكر النعيم

فعودوا إلى أرضكم بالحجاز (م) ... لأكل الضباب ورعى الغنم

فإني سأعلو سرير الملوك (م) ... بحد الحسام وحرف القلم

قلت: رواية الراغب في (محاضراته): (أنا ابن الأكارم من آل جم).

(وعفى عليه طَوال القدم) في الصحاح: الطوال بالفتح من قولك لا أكلمه طوال الدهر وطول الدهر بمعنى. وفي القاموس: الطوال كسحاب: مدى الدهر، وضبط في المخصص ج7 ص73 وفي اللسان بالفتح. وجاء في التاج: (وذكره ابن مالك في المثلثات) ولا ادري من أين جاء ابن مالك بهذا التثليث.

(لنا علم الكابيان) كما روى الراغب، وأغلب الظن أنه مثل الدرفس في بيت البحتري:

والمنايا مواثل وأنو شروان (م) =يزجى الصفوف تحت الدرفس

(وأكل الضباب ورعى الغنم) رواية الراغب.

(بحد الحسام ورأس القلم) رواية الراغب.

والميمات في الأبيات الأربعة يحذفن، فليست الكلمات فيها في الصدر بمتصلات بالأعجاز، والشعر هو من بحر المتقارب، والقبض في هذا البحر كثير، وقال بعضهم: القبض في عروض هذا البحر أحسن من التمام، وعزوا إلى امرئ القيس هذا البيت الذي لم يقله:

أفاد فجاد، وساد فزاد ... وقاد فذاد، وعاد فأفضل

وفي هذا البحر تجتمع العروض الصحيحة والمحذوفة والمقبوضة.

يقول الإمام ابن قتيبة في (كتاب العرب أو الرد على الشعوبية): لم أر في هذه الشعوبية أرسخ عداوة ولا أشد نصباً للعرب من السفلة والحشوة وأوباش النبط وأبناء أكره القرى، فأما أشراف العجم وذوو الأخطار منهم فيعرفون مالهم وما عليهم. . . وإنما لهجت السفلة منهم بذم العرب لان منهم قوماً تحلوا بحلية الأدب فجالسوا الأشراف، وقوماً اتسموا بميسم الكتابة فقربوا من السلطان فدخلتهم الأنفة لآدابهم والغضاضة لأقدارهم من لؤم مغارسهم وخبث عناصرهم، فمنهم من الحق نفسه بأشراف العجم، واعتزي إلى ملوكهم وأساورتهم ودخل في باب فسيح لا حجاب عليه ونسب واسع لا مدافع عنه. ومنهم من أقام على خساسة ينافح عن لؤمه، ويدعي الشرف للعجم كلها ليكون من ذوي الشرف، ويظهر بغض العرب؛ يتنقصها، ويستفرغ مجهوده في مشاتمها وإظهار مثالبها، وتحريف الكلم في مناقبها، وبلسانها نطق، وبهممها أنف، وبآدابها تسلح عليها.