مجلة الرسالة/العدد 627/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 627/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 07 - 1945



شعر الطبيعة في الأدب العربي

(كتاب للدكتور سيد نوفل)

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

أظهرت مكتبة الحانجي بمصر كتاب شعر الطبيعة في الأدب العربي للدكتور الفاضل والعالم الأديب سيد نوفل، وهو الرسالة التي نال بها درجة الدكتوراه برتبة جيد جداً من جامعة فؤاد الأول سنة 1944م.

وقد كان الأدب العربي في حاجة إلى هذا الكتاب الذي عني بتاريخ شعر الطبيعة منذ ظهوره في شعر امرئ القيس كفن قائم بذاته من فنون الشعر، متأثراً بالبيئة التي ظهر فيها امرؤ القيس، معبراً في وصفه لها شعور صادق بأثرها في نفس الشاعر، وحب لها يصل إلى درجة التدله والفناء فيها، ويجعل ذلك النوع من الشعر هو الغرض الأهم من القصيد، وماعداه من الأغراض كالنسيب يؤخذ على انه وسيلة له، وكان مظهره في الوقوف على الأطلال ووصفها والبكاء عليها، ووصف مشاهد الصحراء العربية من نوق وأفراس وجبال ورياح وسحب ورعود وبروق وما إلى ذلك من مشاهدها، وهذا هو الدور الأول لشعر الطبيعة في الأدب العربي.

ويأتي بعده الدور الثاني، وهو دور التقليد في شعر المرقش ومن سلك طريقته، وفي شعر أوس بن حجر ومن سلك طريقته، وفي شعر طرفة ومن إليه من بعض الشعراء الذين تحرروا من قيود التقليد بعض التحرر، وفي هذا الدور حذا أولئك الشعراء في وصف الطبيعة في شعرهم حذو امرئ القيس، ولكنهم جعلوه وسيلة لغيره من الأغراض، لأن وصف الطبيعة لم يكن يعنيهم في الشعر كامرئ القيس، وإنما كان يعينهم غرض المدح وما إليه من الأغراض التي دعاهم إليها التكسب بالشعر.

ثم يأتي بعد ذلك الدور الثالث، وهو دور الجمود في صدر الإسلام، وعهد الخلفاء الراشدين، وعهد بني أمية، لأن شعراء هذه العهود جمدوا فيها التراث الجاهلي في وصف الأطلال وما إليها من المشاهد البدوية، ولم يؤثر ذلك الانقلاب العظيم الذي أحدثه الإسلام في تاريخهم، ونقلوا به من أمة بدوية إلى أمة حضرية، وشاهدوا فيه من آثار المماليك المفتوحة ما لم يشاهدوه في باديتهم، وقد وجههم الإسلام إلى النظر في الطبيعة فلم يتوجهوا، ولم يجددوا في الشعر ما يلائم ذلك التجديد الديني، وقد قامت في ذلك الدور حركة للأحياء في رجز العجاج وغيره من الرجاز، وفي قصيد الراعي وتلميذه الرمة.

ثم يأتي بعد ذلك الدور الرابع، وهو دور الانتقال في شعر أبي نواس وأبي الرومي والبحتري وابن المعتز وقد امتاز هذا الدور بالمنازعات التي قامت فيه بين القديم والجديد، وثورة أبي نواس على الجمود في الشعر على وصف الطلول، والوقوف على الدمن، وما إلى ذلك مما لا يتأثر به الشاعر في حاضره، ولا يحيط به بيئته، وكان لذلك أثره فيما أخذ به هو وغيره من وصف مشاهد الحضارة العباسية، في قصورها ومجالس لهوها، وما إلى ذلك مما جد فيها، ولكن الشعراء كانوا يترددون في ذلك بين القديم والجديد، ولم يمكنهم أن يتخلصوا فيه كل التخلص من التأثر بالقدماء.

ويأتي بعد ذلك الدور الخامس، وهو دور النهضة، وقد انتهى القرن الثالث الهجري بغلبة الجديد، فنهض شعر الطبيعة إلى أقصى ما وصل إليه الأدب العربي، وصار له في كل إقليم طابع يمتاز به، وكان أرقى ما وصل إليه في بلاد الأندلس في شعر ابن خفاجة وغيره.

وقد آثرنا أن نلم التقسيم الذي يدل على مبلغ دقة المؤلف وتمكنه من موضوعه، لندل به على طريقة دراسته في كتاب تبلغ صفحاته سبع عشرة وثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط، فهي دراسة دقيقة جامعة لهذا الشعر في عهوده المختلفة، وعرض حسن لنماذجه فيها، وتحليل وشرح يدل على قوة إدراك، وحسن فهم، وموازنات بين الشعراء في هذا الباب تدل على مبلغ تفاوتهم فيه، وتضع كل واحد منهم في درجته اللائقة به، ونقد بصير بمواضع النقد، وتوجيه حسن لمن يأخذ من الشعراء في هذا الباب.

ثم ماذا بعد هذا كله في ذلك الكتاب النفيس؟ هناك دراسة أيضاً لشعر الطبيعة عند الغربيين، وموازنات بينه وبين شعر الطبيعة في الأدب العربي وحسن توجيه أيضاً إلى ما وصل إليه شعراء الغربيين في هذا الباب، لأنهم لم يقتصروا فيه على وصف مظاهر الطبيعة كما اقتصر شعراؤنا، بل اتسع الأفق عندهم في نظرتهم إلى الطبيعة، واتخاذها موضوعاً فكرياً عالياً، ينتهي بهم إلى أفكار وتصورات سامية، وفلسفات روحية تدل على كمال تفانيهم فيها، ولذلك نماذج أيضاً تؤيده، فجاء الكتاب بكل هذا جامعاً في بابه، لا يستغني عنه أديب في مكتبته.

عبد المتعال الصعيدي