مجلة الرسالة/العدد 626/بحث في الصلاة
مجلة الرسالة/العدد 626/بحث في الصلاة
للدكتور جواد علي
(تتمة ما نشر في العدد الماضي)
عينت الديانة الإسرائيلية عدد الصلوات وأوقاتها في اليوم، وفي المواسم والسنة، ويقسم المستشرق (ميتوخ) الصلاة اليومية إلى نوعين: شماع (شمع) وتقابل في العربية كلمة (سماع)، وتفيلة أما الشماع (السماع) فعبارة عن قراءة بعض أقسام معينة من التوراة وأما سبب تسميتها (بشماع) (سماع) فلأنها تبدأ بكلمة الشهادة وهي (شِمع يسرائيل) أو (اسمع يا إسرائيل) وهي شهادة بني إسرائيل. ويمكن أن نقول إنها تقابل الصلاة عند الفرس.
ويطلق على قراءة هذه الشهادة (قراءات شماع) وأحياناً مجرد (قريئات) ومعناها (شماع) (والنطق بالشهادة) وهي تبدأ (شماع) ثم تنتهي (ببعض البركات). (بركوت)
وقبل تلاوة (الشماع) تقرأ عادة (بركوت شماع) أو (بركات السماع) وهي تسابيح خاصة لذكر الله تقال قبل صلاة السماع وبعدها. وقبل تلاوة البركة الأولى من هذه البركات أو بعبارة أخرى قبل تلاوة التسبيحة الأولى من هذه التسابيح في صلاة الجماعة ينادي الإمام (الحزّان) (باركوا الله المبارك) وهذه الكلمة هي بمثابة إقامة الصلاة، فيجيبه المصلون بنغمة خاصة وبطريقة معينة (فليتبارك الله المبارك إلى أبد الآبدين).
وأما التفيلة أو (صلاة الثمانية عشرة) (تفيلة شل شمونة عشر) فقد سميت بهذا الاسم لأنها تتألف في الأصل من (ثماني عشرة بركة) أو بعبارة أخرى من ثماني عشرة تسبيحة ثم أضيف إليها (البركة أخرى) فأصبح عددها (تسع عشرة بركة) ولكنها احتفظت مع ذلك باسمها القديم حتى الآن ولذلك يطلق عليها باللغة العبرية إلى يومنا هذا (تفله شل شمونة عشرة) أو مجرد (شمونة عشرة) ويكتفي أحياناً بلفظة (تفيلة) فقط.
وأطلق اليهود الذين صاروا يتكلموا الآرامية بدلاً من العبرية على هذه الصلاة كلمة (صلوتة) وهي آرآمية كما قلنا وقد ورد ذكرها مرارا في الأقسام الآرامية من التلمود.
وتقام صلاة (السماع) عند اليهود في صباح كل يوم ومسائه. وتقام (التفيلة) في أوقات ثلاثة من اليوم: تقام في الصباح وبعد الظهر (العصر) وفي مساء كل يوم. وتسمى الصلوات الثلاث بالعبرانية بهذه الأسماء: (تفلات هشاحر) وأحيانا مجرد (شحريت) وه (السحر) وتسمى (صلاة الصبح)
وأما الصلاة الثانية وهي صلاة العصر فيطلق عليها بالعبرية (تفلات هامنحة) أو (منحة) فقط. وأما الصلاة الثالثة وهي صلاة المغرب فيطلق عليها (تفلات هاعربيت) ويكتفي بلفظة عربيت أيضاً
ويرجع اليهود تاريخ صلاتهم إلى الأزمنة الأولى من تاريخ اليهود. جاء في سفر دانيال: (فلما علم دانيال بإمضاء الكتابة ذهب إلى بيته وكواه مفتوحة في عليته نحو أورشليم فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك) وجاء في المزامير: (أما أنا فإلى الله أصرخ والرب يخلصني مساءاً وصباحاً وظهراً أشكو وأنوح فيسمع صوتي) ويرجع اليهود الصلوات اليومية الثلاث إلى عهد أقدم من هذا العهد، إلى عهد الآباء أي إبراهيم وإسحاق ويعقوب. ينسبون صلاة الصبح إلى إبراهيم وينسبون صلاة العصر إلى اسحق وينسبون صلاة المغرب إلى يعقوب.
وهنالك صلوات أخرى لا تعتبر من الفروض اليومية مثل صلوات أيام السبت وصلوات (دوشن حودتس) أو (صلوات رأس الشهر) وعرفت صلاة رأس الشهر عند الأمم الأخرى مثل (البارسس) الفرس وعرفت عندهم باسم أنتريماه والهنود وعرفت عندهم باسم أمافازيا بل وعند الشعوب الأوربية أيضاً.
ولليهود صلاة أخرى هي صلاة (العيد) وصلاة رابعة تسمى بالعبرية باسم أو فقد وفي هذه الصلوات وأيام الاحتفالات يقدم اليهود أضحية إضافية إلى المعابد علاوة على الأضحية التي تقدم للمعبد صباحاً ومساء.
ودخلت في الأيام الأخير صلاة خامسة تقام في نهاية أيام الصوم عصراً وهي خاتمة الصلوات وتعرف عند اليهود باسم
أما أوقات الصلوات اليومية الثلاث فإنها الساعة الثالثة والساعة السادسة والساعة التاسعة؛ وهذه هي صلاة التفيلة اليومية وأما صلاة الشماع فتكون عند بداءة الليل وعند نهايته وعند تناول الطعام.
وأما صلاة عند عرب الجاهلية فإننا لا نعرف حتى الآن عنها أي شئ، وعلى فرض وجودها فإنها لم تكن بالمعنى الذي نعرفه من الصلاة، بل يمكن أن يقال إنها كانت تقام في أوقات مختلفة وفي مواسم معينة. ويقول المستشرق ميتوخ: (من المؤكد أن عرب الجاهلية لم تكن لديهم فروض من فروض الصلوات اليومية على نحو الصلاة التي فرضها الإسلام على المسلمين).
وقد لاقى الرسول (ص) صعوبات كثيرة من الأعراب الذين كانوا يرون الركوع والسجود والصلاة ذاتها علامة من علامات المسكنة والذلة والإهانة لا تتفق وما جبلوا عليه من كبرياء وأنفة واعتداد بالنفس، حتى أن بعض القبائل العربية كقبيلة ثقيف بالطائف طلبت من الرسول الدخول بالإسلام على شرط إعفائها من الصلاة.
هذه مقدمة مختصرة عن الصلاة عامة؛ وسنبحث في الأعداد القادمة عن تطور الصلاة في الإسلام، فنبحث أولاً في صلاة الركعتين وهي أول صلاة على ما نعرفه في الاسم.
جواد علي