مجلة الرسالة/العدد 618/المصطلحات العلمية والمجمع اللغوي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 618/المصطلحات العلمية والمجمع اللغوي

مجلة الرسالة - العدد 618
المصطلحات العلمية والمجمع اللغوي
ملاحظات: بتاريخ: 07 - 05 - 1945



للدكتور أحمد فؤاد الأهواني

كنت مع الأستاذ العقاد فاختلفنا على لفظ (الوعي الباطن) أو (اللاشعور) والاصطلاح في اللغة الإنجليزي وفي الفرنسية قلت له ماذا تعني بالوعي؟ قال الوعي من الوعاء فتكون النفس أشبه بالوعاء الذي يحتوي الأحوال النفسية قلت له هذا رأي من الآراء في تعريف الشعور أو الوعي، وهناك رأي آخر لا يجعل الشعور كالوعاء الذي يحتوي الأحوال النفسية، ظاهرة كانت أم باطنة، بل يجعل الشعور كالمرآة التي تنعكس عليها الأحوال النفسية؛ فإذا كان الأمر كذلك فاستعمال لفظ اللاشعور أصح من استعمال الوعي الباطن.

واتفقنا على أن اصطلاح (العقل الباطن) الذي شاع استعماله في مصر وقتاً طويلاً، ليس اصطلاحاً ملائماً. فنحن إذن أمام ثلاثة مصطلحات: الوعي الباطن، واللاشعور، والعقل الباطن؛ فأيها نأخذ؟ وأيها صحيح؟ ومن يستطيع الحكم على صحة هذه المصطلحات وملاءمتها لمقتضى العلم، ومطابقتها لروح اللغة؟

مهما يكن من شيء فنحن في حاجة إلى اتفاق على المصطلحات العلمية في شتى أنواع العلوم التي تقدمت تقدماً عظيماً، ونريد أن ننقلها إلى اللغة العربية. فنحن في عصر النقل أو الترجمة. وأهمية الاتفاق على المصطلحات واضحة، إذ يمتنع اللبس وتقل البلبلة والاضطراب، ويستقيم الفهم عند المطلعين، ويسهل عليهم معرفة المقضود إذا كانوا على علم بالغات الأجنبية التي نأخذ عنها.

هذا الخلاف يزيد أمره وتتسع شقته بما يجري عليه علماء الأقطار الشقيقة من ترجمة تختلف عما يجري عليه العلماء في مصر ولو أن كل قطر من الأقطار العربية استقل بوضع المصطلحات العلمية، لا تنشر في اللغة العربية بعد زمن وجيز عدة ألفاظ للمعنى الواحد، فنبتعد بذلك عن روح الوحدة العربية أو الجامعة العربية التي نعمل على تحقيقها.

ونضرب لذلك مثلاً بما جاء في كتاب (المنطق) للأستاذ جميل صليبا، عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، وهو كتاب كبير فيه أبحاث جليلة، ولا يقلل من قيمة الكتاب ما نأخذه عليه من نقد. وصاحب الكتاب يذكر الاصطلاح العربي وإلى جانبه ومعناه بالإفرنجية. وهذ يسهل للقارئ خصوصاً المطلع على اللغات الأجنبية معرفة المعنى المقصود.

في ص10 علم قاعدي وقد درجنا في مصر على تسمية هذه العلوم بالعلوم المعيارية، كالمنطق والأخلاق وعلم الجمال، وهي تسمية مأخوذة عن العرب، وللغزالي كتاب أسمه (معيار العلم) يقصد به المنطق.

في ص 11 ميتودولوجيا أو علم الأصول وفي ص 55جعل عنوان الكتاب الثاني (المنطق التطبيقي أو علم الأصول). والميتودولوجيا نسبة إلى (الميتود) أي المنهج، ولهذا كانت التسمية التي اصطلحنا عليها وهي (مناهج البحث) أليق من (علم الأصول) خصوصاً وأن المسلمين يطلقون علم الأصول على أصول الدين أو أصول الفقه، وعندهم أن فلاناً عالم بالأصلين، يريدون الفقه والدين

وفي ص 15، (المعاني أو المفاهيم هي أبسط أجزاء التفكير المنطقي، لأنها العناصر الأولى التي تتركب منها الأحكام والأقيسة) وهذه القضية عليها خلاف، لأن الرأي الحديث بعد كانت الفيلسوف يجعل الأحكام هي ابسط أجزاء التفكير، وفي ذلك يقول جملته المشهورة (التفكير هو الحكم ' وليس مجالنا الآن تحقيق هذه المسألة.

وواضح أن المؤلف يجعل (المعنى) مرادفاً (للمفهوم) ولكل منهما دلالة معينة في المنطق. فالمفهوم في اصطلاح المناطقة مجموع الصفات التي يدل عليها اللفظ ولكن الأستاذ جميل صليبا يضع اصطلاحين جديدين للمفهوم والماصدق هما التضمن - والشمول، وكلاهما لا يصلحان للتعبير عن المفهوم والماصدق، كما أننا في غير حاجة إلى ابتكار مصطلحات جديدة إذا كان العرب قد وضعوها واستقرت في الاستعمال.

وكذلك ما يسميه (معاني الحرمان ص19 وفيها يقول (وهي تدل على الإيجاب والسلب معاً، مثل معنى الأعمى فهو لا يقال إلا على الموجودات القادرة على الرؤية) والعرب يسمون هذه الألفاظ (العدم والملكة) فهي ألفاظ عدمية، أي أن صاحبها كان يملك الصفة ثم عدمها، مثل العمى فهو عدم البصر، والصلع عدم الشعر.

ولا نريد أن نتعقب جميع ما ورد في الكتاب من مصطلحات مناقشتها، لأن غرضنا التنبيه على الخلاف الشديد الذي يذهب إليه المؤلفون في تعريب الألفاظ الأجنبية، وهذه فوضى عجيبة لا تبشر بالخير في عالم الثقافة العربية.

وعلاج هذه الحالة ما رآه بعض المفكرين من إنشاء (المجمع اللغوي) الذي يضم قادة الفكر من علماء الأقطار العربية، وبعض المستشرقين، ومن أغراضه وضع المصطلحات العربية للألفاظ الأجنبية المستحدثة التي لم يضع لها العرب ألفاظاً.

وقد مضى على إنشاء المجمع زمن ليس بالقليل، ومع ذلك لا يزال سلطانه ضئيلاً، وآية ذلك أن العلماء يمضون في سبيلهم يضعون ما يعجبهم من اصطلاحات ولا يعترفون بما يفعله المجمع، فما السبب في ذلك؟

يرى الدكتور علي مصطفى مشرفه بك في كتابه (نحن والعلم) أنه ينبغي البدء بالنقل وتشجيع التأليف العلمي لإيجاد المصطلحات قال: (والتأليف العلمي هو الوسيلة الطبيعية لإيجاد هذه المصطلحات في لغتنا. فكل لغة حية إنما تنمو عن طريق التأليف والكتابة. واللغة العلمية وليدة التفكير العلمي، والمصطلحات العلمية في اللغات الأوربية إنما نشأت بهذه الطريقة، ونتجت عن نمو العلم والتأليف. ومن العبث أن يقوم مجمع بفرض المصطلحات على المؤلفين فرضاً، وإنما تأتي مهمة المجامع بعد مهمة المؤلفين لا قبلها، فالمجمع اللغوي يجمع ما ورد في الكتب العلمية من مصطلحات ويدونها ويفسرها.) ص15، 24

فما رأى أعضاء المجمع في هذه الدعوى التي يريد بها صاحبها أن يغلق أبواب المجمع اللغوي؟

ونحن نرى أن المجمع اللغوي بحالته الراهنة لا يستطيع أن يخدم اللغة العربية من جهة المصطلحات العلمية الحديثة، لأنه في واد، والمؤلفين والمترجمين في واد آخر. والواجب أن يتقرب المجمع من الجمهور ومن المشتغلين بشتى فروع العلم، وأن يتصل المؤلفون والمترجمون بالمجمع. وسبيل ذلك ما يأتي:

1 - إصدار مجلة المجمع بصفة جدية، على أن يكون إصدارها أسبوعياً في صفحات قليلة وتخصص للمصطلحات العلمية فقط؛ وأن تتخذ الصفة التجارية، من حيث الحجم والطباعة والإخراج والثمن والتوزيع، ولا بأس أن يدفع أجر لكل من يراسلها من المؤلفين والمترجمين، كما تفعل جميع المجلات. أما الاعتذار بصعوبة الحصول على الورق فأمر غير مفهوم.

2 - تصنيف العلوم المختلفة، وهذا رأي يسير بطبيعة الحال، ثم تسجيل جميع المؤلفات العربية في كل علم أو فن، وتسجيل أسماء المؤلفين أو المترجمين مع بيان عنوانهم لسهولة الاتصال بهم.

3 - أن يخاطب المجمع العلماء والمؤلفين، ويطلب منهم رأيهم دون أن ينتظر منهم أن يخاطبوه هم. فالمجمع في حاجة إلى العلماء قبل أن يكون العلماء في حاجة إلى المجمع. وبذلك يكون المجمع همزة الوصل بين العلماء في شتى الجهات والأقطار، وسبيلاً من سبل التقريب

دكتور

أحمد فؤاد الأهوالي