مجلة الرسالة/العدد 600/أيتها الابتسامة!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 600/أيتها الابتسامة!

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 01 - 1945



للأستاذ محمود الخفيف

اتَوقَّاكِ مَا رَأيُتكِ جُهدِي ... وأَعافُ الوَضِئ مِنْ لَمَحَاتكْ

مِثْلُ لَمْح السَّرابِ لَمْحُكِ عنْدِي ... لَيْسَ غَيْرَ السَّرابِ أَصْلُ صِفِاتِكْ

أتَوَقَّاكِ، لا أَسِيُغكِ. . . أني ... مَنْ سَقَاهُ العَذَابَ لَمْحُ السَّرابِ

أَبَّدا فِيكِ لَيْسَ يُخْطئُّ ظني ... بَلْ يَزِيدُ الِيَقينَ فيكِ ارْتَيابيِ

أَتَوقَّاكِ! كَمْ سَحْرتِ خيالي ... بأَفانيَن من بُرُوقِ الخِداع

يَوْمَ كان الفُؤَادُ غَّر الليالي ... لَمْ تُذِقْهُ الحياةُ لُؤْم الطباعِ

أيُّ مَعْنىٍ لِلخَيْرِ أَطْمَعُ فيِه ... مِنْ معانِيكِ في وجوه الرجال؟

أيُّ طَيْفٍ لِلسحْرِ لا أَتقِيهِ ... في وُجُوهٍ تُزْهي بِسِحْرِ الجمال؟

صُورٌ أنتِ من ضلال الحياةِ ... وطيوفٌ بَغِيضةٌ أَتقَّيها

عِفْتُ حتى ما حارَ من بَسَماتي ... بين سُحْبٍ من الأسى تَحَتَويها

أَتَوقَّاك. . . كَمْ لَمَحْتِ طِلاَء ... يَحْجبُ الافْكَ في حنايا الضُّلوع

يَحْملُ الِحْقدَ ما يريدُ انْطِفَاء ... والعَدَاواتِ مَالهَا من هُجُوع

أَتَوقَّاك صورةٌ للِتَّشَفي ... سَوْأَةً مَيَّزتْ سَليلَ التُّرابِ

أيُ وَصْفٍ لهذه أيُّ طَيْفٍ ... غَيْر ظُفْرٍ تَحْتَ الطلاَء وَنَابِ؟!

أَتَوقَّاك مَرْآكِ في وَجْهِ حُرٍ ... باسِم وهوَ لا يُطيقُ ابِتْسَامَا

وَجْهِ غرٍ ما كان يَوْماً بِغرٍ ... غَيْرَ أن الرّشادَ أن يَتَعامى!

أَتَوقَّاكِ في مُحيا دَعِي ... في ابْتِسَاماَتهِ أرَى الخُيلاَء

يَتبَّدى يا وَيْحهُ من غِبيٍ ... في عُبُوسٍ وفي ابِتْسَام سواء

وَكَريهٌ مرآك بَسْمَة ذُلٍ ... في وُجُوهٍ ذَلِيلةٍ القَسَمات

تَتَّقى عَصْفَ كلّ عَاتٍ مُدلٍ ... بكلام من ضارِع البَسَماتِ!

وشَجَىً للنفوسِ مَرْآك مَعْنًى ... من مَعَانِي مُغَالبٍ لَهِوَانِ

حَطهُ الدهرُ ما ارتدى بك لَوْناً ... من تأسٍ يشفُ عما يُعَاني

أَتَوقَّاكِ آيةً لِلوْفاءِ ... رُكبتْ من تَمَلُقٍ ودَهاَنِ يا لَزُلْفَي في صُورَةٍ نَكْراءِ ... ذَكرتَنْي ضَآلة الإنسانِ

جَمْرَةً في الحشا وَرَشْقَةُ سهمٍ ... في صميمِ الفؤادِ مَرْآك حِيناَ

إذ يَرْى العَاشِقون في غَيْر وَهْمٍ ... أن هَجْسَ الظنونِ أَمْسى يَقِيناً

إذا يَرْوَنَ الخِداعَ أَبْغَضَ وَمْضَا ... من شُعَاعَاتِ خِنْجَر مْشُهورِ

هوَ منْ حَدهِ آخر وأَمْضى ... إنَّ أَنْكى الْجَراحِ جُرْحُ الشُّعُورِ

أَتَوقَّاكِ مَا لَمَحْتِ لِعَيني ... لَمْحَة الكأس ضَوّأَتْ بالسُّلافِ

رُبَّ كأْسٍ يَغْلو إليها التَّمَني ... مُزِجَتْ حَمْرُها بِسُمٍ زُعَافِ

أَتَوقَّاك!. . . شدَّ ما أتوقَّى ... صُوراً مِنْكِ عفَّ عنها بياني

إن يَكُنْ عَاَفَها حَيَاء ورِفْقا ... رُبَّ ضَمْتِ حَوَى بليغ المعاني

أَيْنَ يَا قَلْبُ؟ أَيْنَ تُبْصِرُ عُيَنْي ... بَسْمَةً لا يكون مِنها عَنائي

وَْيك يَا قَلْبُ قَدْ سَئمِتُ التمني ... وأراني كَرِهْتُ فَقْد الرَّجاءِ!

قدْ أحبُّ ابتسامَةَ الطفْلِ لولا ... خاطِرٌ ساَء وقعهُ في خيالي

لَنْ تراهُ الغداةَ عيناىَ طِفْلاَ ... إن فيه الغداةَ لؤَم الرجال

وأُسِيغُ ابتسامةَ الزَّهرِ لولا ... سوءُ مرآهُ ذابِلاً في المساء

ويحَ نفسي كم يملاُّ النْفسَ هَوْلاً ... كلُّ حُسْنٍ تطويه كفُّ الفناء

أبهَجَتْني ابتسامَةُ الأُم طِفْلاَ ... وهْيَ أُنْسِى وبهجتي في شبابي

أهٍ! مَنْ لي الغداةَ يا قلبُ ألاَّ ... يملأُ القلبَ ذِكرها بالعذاب؟

لْيسَ غَيْرَ ابتسامَةِ الفَجْر فَارْقُبْ ... طَلْعةَ الفَجْرِ إذ يَشُقُ الظَّلامَا

ومِنَ اللْيلِ رَوْعَة البَدْرِ فاطُلبْ ... وْجَههُ إذ يزيحُ عنهُ اللثَاما

مِنْ بني آدم اشْمَأزَّ فُؤادِي ... وابتسامِاتهم عَذَابٌ لنفسي

كلَّ يَوْمٍ كُرْهِي لهم في ازْدِيادِ ... لَيْتَ لي في غَدٍ سَذَاجةُ أَمْسى

الخفيف