مجلة الرسالة/العدد 552/الفجر الغارب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 552/الفجر الغارب

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 01 - 1944



(إلى ذكرى الشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير (في مسابحه الأبدية)

للأديب محي الدين صابر

مرَّ في موكب الحياة غريباً ... ومشى كالظِّلالِ فيه مُريباً!

وسرى كالخيال جَنَّحه الوحيُ ... فعيناه تقرآن الغيوبا

يحمل الناي في يٍدٍ، منه طُهْرٍ ... وبأُخرى، تراه يحمل كوبا

ِومشى في الحياة، نشوانَ، كالرحم_ة، دنيا ترِفُّ عطراً وطيبا!

وسقى الناس خَمَره، وهو يَصْدَى ... فَحسَا الناس روحه مسكوبا

وشدا نايه فكان لحوناً ... لو تجسَّمْنَ، خِلتَهُنَّ قلوبا

مشرفاً فوق ربوة الخلد كالرا ... عي، عَلَى مولد الحياة رقيبا!

عصفت تحته الحياة، فلا الج ... نُّ عزيفاً، ولا السوافي هُبُوبا!

ضَجَّةٌ تملأُ الوجود سكوناً ... ساخراً رجعُهُ ومعنًى رتيبا!

فانبرى الشاعر المجنح في المو ... كب، يُلقى إنجيله الموهوبا

ومضى يزحم الحياةًَ مِثالَّي ... ة فِكر فكان فناً عجيبا

رقصت حوله أمانيُّ قلب ... كاد بالخلق رحمة أن يذوبا

وسِعَ الكون كله وحواه ... خفقة في ضلوعه أو وجيبا!

عاش في عالم من الروح صوف ... يٍ، فجلاَّهُ عاَلماً مشبوبا

فيلسوف، دنياه حق وعدل ... وانطلاق كالوحي فكراُ خصيباً

ورسالاتُ شاعر عُلوىٍّ ... عاش كالطير في الروابي طروبا

أيها الشاعر الموشح بالخل ... د سلاماً كالفجر غضاً رطيبا!

لم تزل تسبق الزمان وتعلو ... قمم الفكر والخيال وثوبا!

ثائراً تُنكر القيود فأدرك ... ت على صحوةِ الصباح الغروبا

كنت لحناً على الحياة غريباً ... فتولى، فعاد رجعاً غريبا!

ما تلاقت فوق التراب حياتا ... نا، وإن كنت لي أخاً ونسيبا

جمع الفكر في السموات دنيا ... نا، كما يجمع المطاف الدُّروبا! ولقد طوَّفَتْ حياتك في الأر ... ض جراحاً بخاطري وندوبا!

يا أخى مَزِّق النقاب عن الغي ... ب، وبين لنا الغد المحجوبا

وانسخ الشك باليقين فقد تَه ... دى نفوساً، وقد تنير قلوبا!

ولقد تُنقذ الضحايا وما زا ... لوا وَقُوداً يُؤَرِّثون الحروبا

لا تزال الحياةُ مجلى صراع ... لا ترى غالباً ولا مغلوبا!

نحن في حيرةِ كما كنت فيها ... وسُؤال، فهل لقيت مجيبا؟

وبنو الفكر في الحياة أُناس ... يتحدًوْنَ كيف شاءُوا الخطوبا

إِنهم عنصر الخلود ولفتا ... ت من الروح بُرِّئت أن تغيبا

إِيه يا شاعر السماء وَدَاعاً ... ربما نلتقي هناك قريبا

لست أرثيك يا رفيقي ولكن ... أنا حَيَّيْتُ فنك الموهوبا

محي الدين صابر