مجلة الرسالة/العدد 552/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 552/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 01 - 1944



الأستاذ ساطع الحصري

من أنباء دمشق أن الحكومة السورية اغتنمت فرصة العطلة الموقوتة التي اضطر إليها أستاذ التربية في الشرق العلامة (أبو خلدون ساطع الحصري)، فعرضت عليه منصب المستشار العني لوزارة المعارف فيها، فقبله الأستاذ لأجل مسمى بعد تمنُّع شديد، ليتسنى له الرجوع متى شاء إلى العراق وطنه المختار، فيتبوأ فيه مكانه المرموق من قيادة النهضة الحديثة. وهذا التعيين ولاشك توفيق من الله يُناط به الأمل في بناء التعليم في الجمهورية السورية على أساس متين من العلم الصحيح والخبرة الحكيمة

ختان الأنثى بين الدين والرأي

أخشى أن يكون الأستاذ عبد المتعال الصعيدي قد شغله تطبيق قواعد فن الجدل عن أساسيات الموضوع فقد أوحت إليه طريقته في الدفاع عن الدين أن بعد إذ أجمع الأطباء على رأي الدكتور أسامة، بأن يوفق بين الطب والدين عن طريق تأويل حكم الدين، وهذا في نظره سهل في هذه المسألة، لأن الأحاديث التي وردت فيها أحاديث آحاد

فلنفرض أنه لم ينعقد إجماع، ولكن انعقدت أغلبية على رأى الدكتور أسامة؛ أفكان هذا مغيراً شيئاً من الناحية العملية للموضوع؟ إن الأستاذ عندئذ لا يكون عند نفسه مضطراً إلى التأويل، ولكن الشبهة تبقى حيث كانت من نفس الدكتور ومن لف لفه. وسيقال إن الدين يخالف أغلبية العلماء أو أغلبية الأطباء، ويكون الأستاذ لم يصنع شيئاً لخدمة الدين أو لإزالة الشبهة بتعليقه تأويل حكم الدين على انعقاد الإجماع

ثم لنفرض أن الإجماع انعقد على رأي الدكتور أسامة. أفكان يحل للأستاذ عندئذ التنازل عن حكم الدين بتأويله وإهمال أحاديث الآحاد الواردة فيه؟ كلا! لأن قاعدة التأويل التي يستند إليها مشروطة بالاضطرار لا يحل تطبيقها إلا عند تناقض النقل والعقل، بحيث لا يكون هناك سبيل إلى التوفيق إلا بالتأويل، وهذا الشرط مفقود في هذه المسألة لثبوت حكمة أخلاقية لختان الأنثى، وثبوت مراعاة الدين لوظيفة الزائدة المختونة بنهيه عن الإنهاك عند الختان. من أجل هذا قلت لو انعقد الإجماع ما تغير الحكم، لأن الخلاف هنا خلاف رأي لا خلاف واقع، ولم يقل أحد بتأويل النص من أجل الرأي كائناً ما يكون، وقد أشرت إلى هذ في عنوان كلمتي، ولكنها إشارة لم يقطن لها لأستاذ

ومن العجيب أن الأستاذ يعقل - كما يقول في كلمته - أن يتمسك متمسك بالطب رغم الدين، أو بالدين رغم الطب، ولا يعقل أن يتمسك متمسك بالدين والطب كليهما، لأنه لا خلاف في الواقع بينهما. أفليس هناك طريقة للتوفيق عند الأستاذ إلا طريق التأويل حتى يعجب من سالك سلك غير هذا الطريق؟ أم هل الطب عند الأستاذ هو رأي الأطباء لا حقائق العلم حتى يعجب ممن لم يبال بإجماع الأطباء لو أجمعوا على رأي يخالف حكم الدين في مسألة اتفقت حقائق الطب فيها مع حكم الدين؟

ويقول الأستاذ أني أجرى على طريقته في التوفيق بين العلم والدين، وددت لو جرى وجريت في هذا على طريقة واحدة، ولو نسيت بعد ذلك إليه لا إلى من سبقني وسبقه. إني مخبره بطريقتي والأمر إليه في أن يقول إنها أيضاً طريقته. إني أرى مستحيلا أن يتناقض العلم والدين بحيث يضطر للتوفيق بينهما إلى قاعدة التأويل، وهذه الاستحالة ناتجة عندي من أن حقائق العلم وأحكام الدين القصية مصدرها واحد، هو الحق سبحانه فاطر الفطرة ومنزل الدين. أما الرأي - رأي المجتهدين في الدين وأصحاب النظريات في العلم - فقد يختلف مع حقائق العلم أو نصوص الدين، وعندئذ يكون هذا الرأي خطأ قطعاً كرأي الدكتور أسامة في موضوع الختان

محمد أحمد الغمراوي

الأستاذ إسعاف النشاشيبي

ورد القاهرة علامة فلسطين وأديب العربية الأستاذ (إسعاف النشاشيبي)، فوردها العلم الحم والفضل العظيم. و (الأستاذ الجليل) في صف القيادة من نهضة العرب، وفي صدر الأبوة من أسرة الرسالة، فلا يحتاج فضله إلى تعريف، ولا دكره إلى تشريف. فنرجو للأستاذ الصديق طيب الإقامة ودوام السلامة

إلى طلبة السنة التوجيهية

في الأسبوع المقبل - إن شاء الله - ستقرئون مقالي عن كتاب (أخبار أبي تمام)، وهو مقرر للامتحان التحريري في مسابقة الأدب العربي وأسارع فأدعوكم إلى النظر في (علم البديع) نظر الفهم والاستقصاء، لتقفوا على أظهر جانب من جوانب التحديد في شعر أبي تمام، فمن المؤكد أنكم ستسألون عن هذه الناحية لأهميتها في تحديد اتجاه الصياغة الفنية عند هذا الشاعر المجيد

وأدعوكم أيضاً إلى النظر في كتاب (الموازنة بين الطائيين) للاّمدي، ففيه معارف كثيرة تزيد شخصية أبي تمام وضوحاً إلى وضوح

ويجب حتما أن تنظروا في ديوان أبي تمام؛ فإن لم تستطيعوا الوصول إليه بسبب نفاذ طبعته، فلا يفتكن أن تطيلوا التأمل في النماذج التي اختارها الصولي، وإن خفي عليكم شئ من دقائق تلك النماذج فاسألوا أساتذتكم بدون تسويف

ولا تنسوا ما أوصيتكم به من قبل، وهو الحرص على الظفر بجوائز وزارة المعارف، فذلك يقوى ثقتكم بأنفسكم، ويزيدكم حباً في التفوق

زكي مبارك