مجلة الرسالة/العدد 538/بمناسبة العتاب اللبناني
مجلة الرسالة/العدد 538/بمناسبة العتاب اللبناني
الأخوة الأدبية بين البلاد العربية
للأستاذ محمد عبد الغني حسن
كنت دعوت في البريد الأدبي للرسالة الأديب اللبناني (إلياس أبو شبكة) إلى رسم لوحة أدبية للشاعر اللبناني المعاصر نجيب إليان بمناسبة نجاحه في مسابقة الشعر العربي التي نظمتها محطة الإذاعة اللاسلكية في لندن. ولقد خصصت بالدعوة الأستاذ (أبو شبكة) لأنني أعرف من ريشته الفاتنة في تصوير الأشخاص ما لا يعرف الكثيرون. ولأن هذه المعرفة جاءتني من طريق كتاب له عنوانه (الرسوم) صور فيه طائفة من أدباء لبنان تصويراً يبرز التفاصيل على أصولها ويخرج الدقائق إخراجاً لا يخطئ كما لا تخطئ العدسة الطيبة في إخراج التفاصيل
وما عرفت (أبو شبكة) معرفة الجسم ولا مرأى العين، ولكنني عرفته من كتابه (الرسوم) ومن ديوانه (أفاعي الفردوس) الذي تفضل فأهداه إلي بتوقيعه الكريم في سنة 1938. ومن حينها انعقد بيننا ود روحي أكدته قراءتي له ومتابعتي لآثاره في صحف لبنان التي تحملها الأقدار السعيدة إلي
وما كنت أظن وأنا أقترح عليه هذا المقترح أن في صدره أموراً طوى كشحه على مستكناتها، وأن في نفسه كلاماً يريد أن يقوله؛ فإذا به في العدد 290 من مجلة (الجمهور) اللبنانية يرد علي رداً ينكر به قديم ودنا ويتجاهل (سامحه الله) (محمد عبد الغني حسن موقع القسم الأول من البريد الأدبي في الجزء ال 528 من الرسالة)
وإذا كان الأخ قد نسى ودي فأنا أجد من حقي عليه أن أذكره بتقدمة الإهداء التي كتبها على (أفاعي الفردوس)، حين أهداه إلي من لبنان البعيد
وفي رد أبي شبكة عتاب على الرسالة خاصة وعلى الصحافة المصرية عامة. ولكنه عتاب شديد مشى فيه صاحبه إلينا بالسيوف كما مشى الشاعر قبله إلى الملك الجبار حين صعر خده! ولكنه عتاب حبيب إلى النفس، لأنه عتاب الأخ الكريم والجار الجنب؛ ولأن فيه صراحة لأنه من شاعر لا يحب الكذب ولا المواربة، ولا يخرج الخبيث من القصد بصورة المجاملة أو اللياقة أو المرو ويظهر لي أن العدسة الطيبة التي اختص الله بها الشاعر (إلياس أبو شبكة) قد استحالت إلى عدسة مكبرة مهولة تخلق القباب من الحبوب، وتجعل الجبال من النمال! فهو يثور على صحافة مصر في غير موضع للثورة، ويعتب على أدباء مصر في غير محل للعتاب، ويتهم الصحافة المصرية إجمالاً بإهمال الحركة الأدبية القائمة فيما يلي مصر من الأقطار العربية وخاصة لبنان. ويتهم الأستاذ أحمد حسن الزيات بالتعصب، ولكنه يجله ويقدر أدبه ويعرف مكانته هو وجميع أدباء لبنان (الذين لا يعرفون للأدب حدوداً ولا يقررون له مناطق)
وبالطبع لم تمر كلمة الأستاذ أبي شبكة من غير رد أو تعقيب. وكان أسبقنا إلى الكلام الأستاذ إبراهيم المازني في عدد 12 سبتمبر من البلاغ. وثنى الدكتور زكي مبارك بكلمة في العدد 533 من الرسالة اعترف فيها بإغفال المجلات المصرية للحركة الأدبية في لبنان وغيره من الأقطار العربية؛ ولكنه رد ذلك إلى إغفال عام للحركة الأدبية في مصر ذاتها. وهذا كلام في جملته صحيح ولكنه يحتاج إلى بعض التصحيح. . . فالحركة الأدبية في الأقطار العربية عامة ملحوظة في بعض الصحف المصرية (كالمقتطف) التي لا ينفي عنها مصريتها كونها من أصل لبناني. وعجيب جداً أن يتكلم الأستاذ في (لبنانية المقتطف) أو (مصرية الرسالة)؛ وهو كلام لا نحب أن نسمعه لأنه يوجع الآذان والقلوب، ولأنه يفسح المجال لمن يقولون: هذا مصري، وهذا لبناني
وكيف يا أخي أغفلت (الرسالة) وغيرها أدبكم، وأهملت إنتاجكم، وهي تنشر لشكري فيصل وسعيد الأفغاني وعلي الطنطاوي وطه الراوي وإنستاس الكرملي وأحمد صافي النجفي وحسين الظريفي وكوركيس عواد وميخائيل عواد، وفدوى عبد الفتاح طوقان ووداد سكاكيني وغيرهم وكلهم من الأقطار العربية القريبة والنائية؟
ثم ما وجه عتابك أنت بالذات يا أخي وأنت لا تكتب حتى في المجلات المصرية التي يديرها ويشرف عليها - كما تزعم - لبنانيون كالمقتطف والهلال؟ فما رأينا لك فيها من زمان بعيد أثراً، على حين قرأنا لأخينا اللبناني الأستاذ كرم ملحم كرم أخيراً قصة لبنانية رائعة في إحدى المجلات الشهرية
والحق أنك يا أخي أصابك نوع من ركود الإنتاج الأدبي فأخذت تتجنى على صحافة مصر البريئة وأدبائها البرآء. ودليلي على ذلك أن صحافة مصر الأدبية في هذا العام مملوءة بأسماء ميخائيل نعيمة اللبناني وعدنان مردم بك وعبد الوهاب الأمين البغدادي ونقولا زيادة الفلسطيني وأسعد طلس السوري وصلاح اللبكي وزكي المحاسني وخليل هنداوي وصلاح الدين المنجد وراجي الراعي وغيرهم من أدباء الأقطار العربية. فأين اسمك بينهم، وأين جولك في ميادينهم؟
أما كتبكم يا أخي فلم تغفلها الصحافة المصرية جملة ولا الأدباء المصريون. وإلا كنت في هذه الدعوى متجنياً علينا كعادتك. ففي مجلة مصرية شهرية باب للمكتبة العربية لا يفلت منه كتاب عربي خرج في سوق الأدب مهما ضؤل حجمه! حتى ديوان (خيوط الغناء) الذي نظمه الشاعر السوري الرقيق عبد الله يوركي حلاق، وكتب مقدمته صديقك كرم ملحم كرم. ولست أريد هنا أن أشق عليك وعلى القراء بالحديث عن نفسي وعن مكتبة مصر شهرية. فما أسمج أن يتحدث المرء عن نفسه!
على أن الصحف المصرية نفسها قد تسكت عما يصدر في مصر نفسها من الآثار الأدبية - كما قال ذلك بحق الدكتور زكي مبارك في رده عليك - فإن سلسلة (اقرأ) لم تظفر من (الرسالة) بكلمة واحدة على طرافة ما كتب في تلك وجدته. وخاصة تلك (الدجاجة الفلسطينية) التي وجدنا من حديثها عقلاً وعجباً.
وقد تلاحظ يا أخي رواج كتبنا في بلادكم وإملاق بلدنا من كتبكم. وتلك حقيقة يا أخي لا نحمل نحن مسئولية التقصير فيها. ولعل لتجار الكتب وموزعيها يداً في ذلك، فنحن قد تحفى أقدامنا في السؤال عن كتاب طبع في الشام فلا نجد له أثراً؛ حتى كتب الكبار من أدبائكم. فإن (ملوك العرب) لأمين الريحاني لم أجده في مصر إلى أن أهدانيه مؤلفه وحمله صديقي المرحوم الفريد الجميل. وكانت لنا مشاركة في مجلة المكشوف - حيا الله صاحبها - فلم نستطع الحصول عليها من مكتبات مصر. حتى كتابك الرسوم لم أعثر على نسخة منه إلا بقدر سعيد. . . ولولا هداياكم المتوالية ما عمرت مكتباتنا الخاصة بكتبكم التي نقرأها ونجلها
على أن المعاتبة بينكم لا تحملك يا أخي على أن تسكت عن دعوة دعوتك إليها في موضوع الكتابة عن الشاعر اللبناني نجيب إليان. فاكتب عنه في أية صحيفة شئت؛ وأرسمه في أية مجلة أردت، ولكن لا تنس أنك أسأت الظن (بالرسالة) التي لا ينكر فضلها في تمكين الروابط العربية إلا غير منصف. وحاشاك أن تكونه والسلام.
محمد عبد الغني حسن