مجلة الرسالة/العدد 53/العلوم
مجلة الرسالة/العدد 53/العلوم
تغير شكل الأرض من الكروية
بقلم نعيم علي راغب
دبلوم عال في الجغرافية
كلنا نعرف أن الأرض التي نعيش عليها كروية الشكل. وقد برهن علماء الجغرافية على صحة هذه النظرية ببراهين عديدة كانت ولا زالت موضوعاً من مواضيع دروس الجغرافيا في المدارس، من أهمها الظل المستدير الذي تلقيه الأرض على سطح القمر إذا ما حالت بينه وبين الشمس.
إلا أنه قد ظهر أخيراً بين العلماء المحدثين من يقول بأن الأرض يتغير شكها من كروي وهو ما يطلق إلى شكل هرمي له أربعة أضلاع، كل منها مثلث متساوي السيقان.
والنظرية لا تعتمد في إثباتها على براهين نظرية أو خيالية، وإنما تعتمد على حقائق جغرافية ملموسة موجودة فعلاً على الأرض، فهي براهين عملية ثابتة. وسأنقل النظرية لحضرات القراء ملحقاً كل نقطة بالتفسير الكافي وذلك لخطر الموضوع الذي نبحث فيه وخطر النتيجة التي تنتج عن إثباتها علمياً.
قال صاحب النظرية:
(هناك على سطح الأرض منخفضات لم تغمرها المياه بعد، من أهمها ذلك المنخفض العظيم الذي يقع فيه بحر الكاسبيان الذي يفصل وسط وشرق آسيا عن أفريقيا وأوربا، والذي غمرته المياه في العصور الحديثة. إذا علمنا هذه الحقيقة الجغرافية وعرفنا أن هذا اتصال بالمنخفضين اللذين تغمرهما مياه المحيطين الأطلسي والهادي سهل علينا أن نفهم أو نعرف كيف أن شكل الأرض يبعد عن الكروية بالتدريج مقترباً نحو الشكل
في هذه النقطة يمهد صاحب النظرية الطريق للفكر لتسوغ نظريته، وذلك بإلقاء حقائق جغرافية ثابتة يرى أنها تساعد على فهم نظريته إذا ما أراد البرهنة عليها. وهاهو ذا بعد ذلك يريد أن يعلل سبب اتخاذها الشكل الهرمي دون سواه مستعيناً في ذلك بحقائق جغرافية أخرى. فيقول: (باطن الأرض لا زال حاراً منصهراً يبرد بالتدريج، وهو يقل حجماً بالبرودة. ولما كانت القشرة الأرضية صلبة لا يمكنها تقليل حجمها تبعاً لذلك فإنها تتقلص وتغير من شكلها تبعاً لانكماش باطن الأرض فتتخذ الشكل الهرمي).
أي أن باطن الأرض حارٌّ ملتهبٌ منصهر، ولكنه يبرد بالتدريج، فسيجيء وقت مستقبل يصل فيه إلى أقص درجة، أي لدرجة التجمد، وعندها يقل حجمه تبعاً لقانون الانصهار. وبما أن الحيز الذي كان شاغلاً له قبل التجمد سيكون جانب كبير منه بعد ذلك شاغراً، فان القشرة الأرضية أو الغلاف الخارجي سيضطر بفعل الفراغ الداخلي أن يغير من شكله لملئ هذا الفراغ مع عدم تغير في حجمه. وقد وجد الأستاذ صاحب النظرية أن الأرض سائرة في هذه الطريق، وأنها ستتخذ الشكل الهرمي دون سواه لحقائق جغرافية تبرهن على صدق قوله وصحة اعتقاده. ولظنه أن هذا الشكل يمكن القشرة الخارجية من التمشي مع وصول الباطن إلى اقل حجم ممكن دون المساس بحجم الغلاف الخارجي.
(ولو أنني أعرف جيداً أن المعضدين لهذه النظرية أقلية صغيرة إلا أنني أقول إن هناك حقائق جغرافية كثيرة تؤيد وجهة نظري وتبرهن على صحة نظريتي:
أولاً: تركز اليابسة حول مساحة مائية في النصف الشمالي من الأرض.
ثانياً: كل مساحة مائية في جهة يقابلها كتلة أرضية في الجهة الأخرى.
ثالثاً: وجود ثلاثة مناطق مرتفعة تكون عقداً أو أحزمة أرضية شمالية وجنوبية يفصل بعضها عن بعض منخفضات هي منخفضات المحيط الأطلسي والهادي ومنخفض الكاسبيان.
والشكل رقم (1) يساعدنا على فهم ذلك.
وتفسيراً لذلك نقول. أنه لما كانت الأرض في حالة الليونة الأولى وكانت تدور حول محورها بسرعة، أخذت الشكل الكرويكأي جسم لين يدور حول محور، وانبعجت عند خط استوائها ثم تفرطحت عند القطبين بفعل قوة الدوران.
وكانت الأرض في العصر الأيوزوي أقرب في شكها من الكروية التامة تغطيها المياه. فلما أخذت تبرد بدأت القشرة الخارجية في التقلص فظهرت أراضٍارتفعت عن المياه المغطاة بها (شكل 2 أ). وفى العصر ألباليوزوي مساحة اليابس تتزايد وأخذت الأرض شكلاً كما يقول العلماء عبارة عن هرمين غير كاملين متصلين ببعضهماوكانت الأحزمة أو الكتل الأرضية بدلاً من اتجاهها من الشمال للجنوب (مثل الأمريكتين) كما هو حادث الآن. متجهة من الشرق إلى الغرب. وكانت عبارة عن كتلتين أو حزامين كما يطلق عليهما إحداهما شمالاً والآخر جنوبا يفصل سطحيهما مساحة مائية عظيمة. ولما كانت الأرض لازالت آخذة في البرودة بالتدريج فان الكتلة الجنوبية قد بدأت في الانكماش وكادت تختفي، وأخذت الأرض تسير نحو تكوين شكل هرمي واحد هو تكملةللكتلة الأرضية الشمالية (شكل 2 جـ)
هذا هو شرح صاحب النظرية لفكرته وهو شرح واضح وافٍ نعرف منه أن الأرض التي نعيش عليها سائرة في طريقها إلى تكوين شكل هرمي. وقد يعترض معترض فيقول لم لا تأخذ الأرض أي شكل آخر غير هذا الشكل الهرمي؟ ولم كان هذا الهرم مقلوب الوضع، أي أن قاعدته من أعلى. وردي على ذلك بسيط للغاية. لأن الحقائق الجغرافية والخرائط التي أمامنا يظهر عليها أن اليابس يتركز في الجزء الأعلى، وأنه من الممكن جداً أن ندخل شكل اليابس داخل أضلاع المثلث. وهذه الظا هرة إن دلت على شيئ فلا أقل من أن الجزء الأعلى يكون القاعدة. ثم إن هناك نقطة أخرى وهي أننا نلاحظ جميعاً أن القارات الجنوبية ينتهي أغلبها بأشكال مدببة، فأمريكا الجنوبية وأفريقيا وأستراليا بمجموعة جزائرها تكون أشكالاً تنتهي بمدببات، ومن جهة أخرى فأن الشكل الهرمي كما سبق ذكره يمكن القشرة الأرضية من التشكل تبعاً لنقص حجم باطن الأرض بالبرودة دون أي مساس بحجمها هي. وفي قوله هذا شرح أو رد للاعتراض الثاني أي أن شكل الأرض الآن على ماهي مرسومة عليه في الخرائط يبين أن القاعدة من أعلى لا من أسفل.
وفى هذه النظرية يقول البروفسور و. هـ. هوبز ما معناه (إن الكرة الأرضية لا يمكن أن تعتبر بأي حال من الأحوال كرة تامة التكوير إذ لابد من أن تعاقب العصور الجيولوجية المختلفة قد أثر في شكلها التأثير البين وحور فيه. وهي تقترب في الوقت الحالي نحو الشكل الهرمي. ويجب ألا ننسى أن الزوايا الحادة قد استدارت، وأن الشكل الهرم قاعدته من أعلى، يبرهن لنا على صحة ذلك رحلتا نانس أولا، وبيري ثانيا، إلى القطب الشمالي إذ أثبتت وجود كتلة أرضية في الشمال يزيد ارتفاعها على 10 آلاف قدم عن سطح البحر يمكن اعتبارها أكبر مساحة أرضية على سطح الأرض إذا ما ضمت إليها مساحة ثلاجاتها وجزرها.)
هذه هي النظرية أقدمها لحضرات علماء الجغرافيا في مصر راجياً الإدلاء برأيهم فيها. على أنه يجدر بي أن أذكر أن هذا التغير والتطور في شكل الأرض هو تغير تدريجي، بطيء يحتاج لآلاف السنين، وأنه لذلك يمكن اعتبار الأرض التي نعيش عليها كروية أو قريبة للكروية ولو أنها في الحقيقة سائرة في طريقها إلى تغيير شكلها الذي نعرفه.