مجلة الرسالة/العدد 495/خزانة الرءوس

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 495/خزانة الرءوس

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 12 - 1942



في دار الخلافة العباسية ببغداد

للأستاذ ميخائيل عواد

(تتمة)

9 - تغريق الرءوس في دجلة

رأس علي بن محمد بن الفرات، رأس المحسن بن علي بن محمد الفرات

كان بنو الفرات الوزراء، زينة الدولة العباسية خاصة في أيام المقتدر، فقد تقلد علي بن الفرات الوزارة ثلاث مرات، وكاد يتقلدها رابعة. وكان واسع الثروة حتى قال صولي في حقه وكان شاهداً ومشرقاً على أخباره: (ما سمعنا بوزير جلس في الوزارة، وهو يملك من العين والورق والضياع والأثاث ما يحيط بعشرة آلاف ألف عير ابن الفرات)؛ ومع ذلك كله لم يكن ليتحرج أو يتهيب من مد يده إلى خزانة الدولة، حتى أفرط في الأمر هو وابنه المحسن وأخوه العباس، فأضافوا كثيراً من ضياع السلطان إلى أملاكهم. وقد ساق هلال الصابئي خبراً غريباً مؤداه أن علي بن الفرات (سرق في عشر خطوات سبعمائة ألف دينار)، ففتحت هذه الأمور وغيرها عليه وعلى أهله وأصحابه باب الطن والضغينة من أعدائه وحساده، فحركوا قلب المقتدر عليه، حتى نكبه غير مرة، وفي النهاية قضى عليه وعلى ابنه المحسن، وشتت شمل عائلته، ونكب أصحابه وأعوانه. قال عريب في صفة مقتلهما: (. . . فأمر المقتدر بقتل ابن الفرات وابنه، وتقدم إلى نازوك بأن يضرب أعناقهما في الدار التي كانت لابن الفرات ويوجه إليه برأسيهما، فنفذ ذلك من وقته، وبعث بالرأسين في سفط، ثم رد السفط إلى شفيع اللؤلؤي، فوضع الرأسين في مخلاة وثقلهما بالرمل وغرقهما في دجلة)

10 - صيانة الرءوس من التلف

كان الرسم عند إحضار الرأس إلى دار الخلافة، أن يسلم إلى الموكل، فيعمل هذا على غسله وتنظيفه وإصلاحه، فيفرغ منه المخ، ويستأصل كل الأعضاء القابلة للفساد، ثم يغسله ببعض الأدوية المعقمة المعروفة يومذاك، وكذلك بماء الطيب أو بماء الورد؛ حتى إذا فرغ من هذا كله، يحشيه بالقطن المخلوط بمواد مختلفة من شأنها إطالة بقاء الرأس، ثم يطليه من خارجه ببعض الأطلية الماسكة لأجزائه.

ودنك رأي طبيب بهذا الشأن، كان عائشاً في حدود سنة 305هـ، وهو المعروف بابن حمدان الطبيب الذي حكى: (أدخلت على أبي الفضل، فوجدت بين يديه أطباقاً عليها رءوس جماعة؛ فسجدت له كعادتهم والناس حوله قيام وفيهم أبو طاهر، فقال لأبي طاهر: إن الملوك لم تزل تعد الرءوس في خزائنها فسلوه - وأشار إلي - كيف الحيلة في بقائها بغير تغيير، فسألني أبو طاهر فقلت: إلهنا أعلم ويعلم إن هذا الأمر ما علمته؛ ولكن أقول على التقدير إن جملة الإنسان إذا مات يحتاج إلى كذا وكذا صبر وكافور والرأس جزء من الإنسان فيؤخذ بحسابه فقال أبو الفضل ما أحسن ما قال)

وبهذه المواد والأطلية، كان طُلي جسم وصيف الخادم حيث بقي مدة طويلة دون أن يعتريه الفساد والبلى. قال المسعودي: (وفي أول يوم من المحرم وهو يوم الثلاثاء من سنة تسع وثمانين ومائتين توفي وصيف الخادم وأُخرج وصلب على الجسر بدناً بلا رأس. . . وطلي بدنه بالصبر وغيره من الأطلية القابضة الماسكة لأجزاء جسمه، فأقام مصلوباً على الجسر لا يبلى إلى سنة ثلاثمائة في خلافة المقتدر بالله أو نحو هذه السنة. . .)

الخاتمة

يبدو لنا من تتبع هذا الموضوع أن اتخاذ خزانة الرءوس في دار الخلافة ببغداد، كان في صدر الدولة العباسية، غير أننا لم نتحقق من السنة التي بدأوا فيها بحفظ الرءوس.

وما قلناه عن بدء أمر الخزانة؛ نقوله في تعيين زوال ظلها، فإن التاريخ يحيلنا إلى سقوط بغداد في سنة 656 للهجرة؛ أفلا تكون خزانة الرءوس هذه ذهبت بذهاب بغداد ودار خلافتها؟

(بغداد)

ميخائيل عواد