مجلة الرسالة/العدد 495/العيد
مجلة الرسالة/العدد 495/العيد
للأستاذ محمد عرفة
- 2 -
ماذا جرى للعيد، أو ماذا جرى لنا في العيد!
أتغير العيد، فلم يعد هذا الذي كان يبعث فينا السعادة: أم تغيرنا نحن، فلم نعد نصلح مهبطاً للسعادة؟
لقد كنا نحيا في العيد حياة أهل الجنة في الجنة؛ وكنا نفرح بالثوب الجديد فرح الفاتح المنتصر، ونرى في الدريهمات التي يمنحنا إياها أهلونا ثروة وأي ثروة؛ وكنا بامتلاكها كأنما نملك الدنيا، وكنا نرى في العيد كل شئ ضاحكاً زاهياً، وكنا نشعر أن الأنهار والوديان والنبات والحيوان والأرض والسماء تشاركنا كلها في سعادتنا وفرحنا؛ ثم أصبح العيد يقبل كما تقبل سائر الأيام، ويذهب كما تذهب، لا يهزمنا عاطفة ولا نرى فيه معنى جهيداً
لقد صرنا نملك الضياع والدور فلا تستخرج منا من السرور ما كان يستخرجه ثوب جديد، وصرنا نملك المال فلا يسعدنا إسعاد هذه الدريهمات التي كنا نأخذها يوم العيد؛ ولقد كان هذا الفرح بما نملك من ثوب ودريهمات فيه معنى الرضا والقناعة، فصار هذا الوجوم وهدم الشعور بما نملك فيه عدم الرضا وعدم القناعة
الحق أننا كنا نفرح بالعيد صغاراً، لأننا كنا على الفطرة الطيبة التي خلق الله الناس عليها، فلما انحرفنا عن هذه الفطرة أخطأنا الفرح بالعيد بقدر هذا الانحراف، وكان علينا أن نحافظ على روح الطفولة البريئة فينا، لنسعد بالأيام، ولا نشقى بالعيش والحياة. كان علينا أن نحتفظ بسرورنا، لنحتفظ بنشاطنا، وتقوى على ملاقاة أحداث الحياة. فالسرور استجمام واستعداد، والقلب المسرور المغتبط المستبشر أقوى على تحمل الحوادث من القلب الحزين المنقبض المكتئب. وإن الأمم التي تفرح كثيراً أقوى على تحمل الشدائد وعلى النجاح في الحياة من الأمم التي يقل نصيبها من الفرح والبشر والمسرة
وإنكم لتجدون في هذه الأيام أمماً تحمل من الشدائد ما تنوء به الجبال، ولا تتململ ولا تضجر، ولا تهن ولا تستكين، لأنها قوت أعصابها بالسرور، فجعلها أقوى على الاحتمال.
وما أظن هذا الإخفاق الذي يصيب بعض أمم الشرق في عصرنا الحديث إلا من هذه الكآبة المستولية على نفوس الشرقيين، والتي تعم وديانه الضاحكة، وربوعه الجميلة
نعم، إنك تجد القوة حيث تجد الفرح والسرور، والأمم العظيمة تشعر بالقوة لأنها أشعرت قلبها المرح والسرور
أيها الناس، افرحوا بالعيد، واعتدوه عيد النصر على النفس وشهواتها، وأعظم بذلك من نصر في ميدان الجهاد
روى أن رسول الله (ص) قال وقد رجع من غزوة: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)؛ يعني جهاد النفس، فإذا كان جهاد النفس أكبر الجهادين كان النصر عليها أكبر النصرين
ألا إن الإسلام يدعوكم إلى الفرح والسرور، ولذلك سن لكم الأعياد. إلا أن الإسلام يدعوكم إلى الفرح والسرور في يوم العيد بما يهديكم إليه نبي الإسلام من قول وعمل
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزأمير الشيطان في بيت رسول الله (ص) وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله: يا أبا بكر أن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا
نعم، فلتلتهموا السعادة التهاماً، ولتغتنموا المسرة البريئة اغتناماً، فلقد بينا لكم من معنى العيد ما يعينكم على جلب المسرة، وبينا لكم من تعاليم الإسلام ما ينفي عنكم الحرج في المسرة؛ ولتبتعدوا عن السرور بالإثم والباطل، فإنه مسرة تعقبها ندامة، وفرح تتلوه الكآبة، وبشر مصيره إلى يأس وقنوط وخذلان
إنما الفرح عنوان الأمل والرجاء، ومظهر الحياة والأقدام، ودليل الرجولة العاملة الفائزة
وما خلق الله النجوم المتلألئة بأنوارها لنشقى بل لنسعد
وما خلق الله الرياض الضاحكة بأزهارها لنشقى بل لنسعد
وما خلق الله الطيور المغردة بألحانها لنشقى بل لنسعد
وما خلق الله الأشجار الراقصة بأغصانها لنشقى بل لنسعد
وما خلق الله الأنهار المصفقة بأمواجها لنشقى بل لنسعد وما خلق الله هذا الكون البديع الجميل لنشقى بل لنسعد
كل ما في الكون يوحي بالمسرة والسعادة فلماذا الكآبة والشقاء؟
محمد عرفة