مجلة الرسالة/العدد 455/حاجتنا إلى معهد أثنولوجي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 455/حاجتنا إلى معهد أثنولوجي

مجلة الرسالة - العدد 455
حاجتنا إلى معهد أثنولوجي
ملاحظات: بتاريخ: 23 - 03 - 1942



بجامعة فؤاد الأول

للأستاذ محمد جلال عبد الحميد

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

2 - كيف نبتدئ في تكوين المعهد الأثنولوجي؟

قد يبدو غريباً أن نطالب الحكومة بإنشاء مؤسسة علمية جديدة بجامعة فؤاد الأول في هذا الوقت وخصوصاً وقد أصبح من المتعذر استدعاء العلماء الأخصائيين من أوربا وغيرها، وأنه أصبح من الصعب أيضاً توفير المال اللازم لتنفيذ مثل هذا المشروع، ولكنا إذا توسعنا في التفكير والبحث عن أقرب الطرق وأسهلها مع توخينا البساطة في التنفيذ ظهر لنا الأمر على عكس ما كنا نتوهم

من حيث هيئة التدريس وتكوين أعضائها فإن من السهل انتداب بعض الأساتذة من كليات جامعة فؤاد الأول وغيرها من المؤسسات العلمية بمصر. ففي كلية العلوم مثلاً يمكن استدعاء أستاذي البيولوجيا والفزيولوجيا لمعالجة هاتين المادتين بالمعهد؛ وكذلك يمكن انتداب أستاذ علم التشريح من كلية الطب لمعالجة مسائل الجنس البشري. ومن السهل أيضاً أن يقوم أساتذة علم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا واللغات لمعالجة المسائل الاجتماعية وأثر البيئة الجغرافية في تحديد النشاط المادي والروحي للجماعات البشرية المحدودة المدنية؛ ثم البحث عن معالم مدنياتها وآثار ما قبل التاريخ في الجهات التي تسكنها

فكما نشاهد فيما بعد أن المواد الرئيسية التي يتكون منها علم الأثنولوجيا هي ضمن اختصاص جماعة من العلماء لهم معاملهم وتجاربهم وأوضاع بحوثهم المستقلة. ولما كان الغرض الأول من معالجة تلك المواد بمعهد الأثنولوجيا هو رسم صورة عامة للتكوين الاجتماعي والأسس الدينية والأوضاع الاقتصادية، وتحديد المميزات الرئيسية للأجناس البشرية المحدودة المدنية؛ فليس من الصعب أن نبدأ من الآن فنعمل على إنشاء معهد للبحوث الأثنولوجية وأن تكون هيئة التدريس فيه من الأساتذة المصريين والأجانب الموجودين بمصر الآ وأما مشكلة التجارب الأثنولوجية وكيفية تهيئة المعامل اللازمة لها، فليس فيها تعقيد أو صعوبة لا يمكن تخطيها، لأنه من السهل استدعاء بعض الأطفال والأولاد من المدارس الإلزامية والابتدائية، وأما الرجال والنساء، فيؤتى بهم من بعض وحدات الجيش والمستشفيات والسجون لوصف وأخذ أقيسة مختلفة لأعضائهم وتحليل الدم عندهم لتحديد مجموعاته المختلفة. ويمكن أيضاً إجراء مثل هذه التجارب على الهياكل البشرية التي يمكن الحصول عليها من كلية الطب

ومن ضمن التجارب الأثنولوجية أيضاً القيام ببعض زيارات لمتحف الأثنولوجيا والمتاحف الأخرى الموجودة بمصر للوقوف على كيفية ترتيب المعروضات فيها، ثم القيام بوصف وتحليل بعض هذه المعروضات لمعرفة طريقة تكوينها واستخلاص الأسس الفنية والغاية التي أنشئت من أجلها

3 - منهج الدراسة

أولا - الدراسة النظرية

تتناول هذه الدراسة نشأة الإنسان ومميزاته الرئيسية والمؤثرات الخارجية المحيطة به واتصال ذلك بنظام تطوره العام، وأبواب هذه الدراسة هي:

(ا) نشأة الإنسان ومميزاته

1 - باليونتولوجيا

نستعين بهذه الدراسة في معرفة آثار الحياة في المخلوقات البسيطة التركيب وغيرها والتي وجدت في عصور جيولوجية قديمة سبقت عهد ظهور الإنسان مع العمل على تحديد المناطق الطبيعية لتلك الحيوانات وتعيين اتجاه هجرتها في تلك العصور، ثم تعيين المناطق الأولى التي ظهر فيها الإنسان

2 -

وعند الإلمام ببعض مبادئ علم الحياة نستطيع أن نعرف التطورات والتغيرات التي تنشأ داخل جسم الإنسان وتعتريه في حياته، ثم العمل على تحديد العوامل الوراثية وأثرها في انتقال المميزات الرئيسية للجنس البشري

3 - فزيولوجيا

ونقصد من هذه الدراسة الوقوف على كيفية ومدى تأثير البيئة الجغرافية وطرق التغذية ووسائل العمل في اختلاف الأجناس البشرية.

4 - أنتروبولوجيا

يتناول هذا العلم دراسة الصفات الرئيسية لجسم الإنسان وتحديد المميزات المختلفة للأجناس البشرية كلها مع الإلمام التام بتاريخ نشأة كل منها.

(ب) مؤثرات خارجية

1 - البيئة الجغرافية والبشرية:

بعد معرفة العناصر المختلفة للبيئة الجغرافية من حيث الطقس ودرجة خصوبة الأرض والتغيرات المناخية يمكن تحديد تأثير تلك العوامل الطبيعية في التكوين الاجتماعي والنشاط المادي والروحي للأمم المختلفة.

2 - اتصال الأجناس والمدنيات:

إذا تغلبت أمة على أمة أو طغت مدنية على مدنية أخرى فقد يؤثر ذلك في حجم الأمة المغلوبة إما بزيادة عدد أفرادها أو بنقص هذا العدد. وللمدنية الغابة الحق والقدرة على توجيه رأي الجماعة والتعبير عن شعورها وتحديد طرق معيشتها. وعلى هذا فمن الضروري أن نهتم كثيراً بدراسة تأثير المدنيات بعضها في بعض، ومعرفة النتائج المادية والمعنوية للاستعمار البشري والاتصال المدني. ويكمل هذه الدراسة بحوث يقصد منها تحديد مناطق المدنيات وعصورها واتجاهاتها ومميزاتها الرئيسية.

(ج) النشاط الإنساني

1 - علم النفس

يقصد من هذه الدراسة الإلمام بمعرفة الظواهر الأولى لنشأة الحياة الفكرية والإحساس والشعور وطرق التعبير عنهما لدى الإنسان ومقارنة تلك الظواهر بما تشابهها لدى الحيوانات الراقية

2 - علم اللغة

ونستعين بهذه الدراسة في معرفة القوانين العامة لاختلاف اللغات واللهجات والإلمام بالطرق العلمية لجمع عناصرها ومعالمها بين الجماعات المختلفة

3 - علم الاجتماع

يقصد من هذه الدراسة معرفة الأسس والتعاريف العامة للظواهر الاجتماعية والدينية والاقتصادية

4 - أتنوجرافية

وغاية علم الإتنوجرافيا دراسة الطرق المختلفة التي يجب اتباعها في جمع معالم ولم شتات المدنيات لدى الأمم المحدودة المدنية

5 - علم آثار ما قبل التاريخ

نبغي من وراء هذه الدراسة معرفة المميزات الأساسية للإنسان الأول ومعرفة آثاره المادية والروحية والعمل على جمعها وترتيبها حسب مواطنها وعصورها المختلفة

ثانيا - الدراسة العملية

1 - تجارب أنتروبولوجية

يقوم الطلبة بإجراء تجارب مختلفة، كوصف جسم الإنسان وأخذ أقيسة لأعضائه، وأن تجرى هذه التجارب على الرجال والنساء والأولاد والأطفال؛ وذلك في بيئات وطبقات اجتماعية مختلفة. هذا وأن تجرى نفس التجارب على الهياكل البشرية والحيوانية

2 - تجارب بسيكولوجية

يتمرن الطلبة على استعمال الآلات الحديثة الخاصة بقياس قوة النظر وسرعة الإحساس، مع الإلمام بمعرفة الطرق العلمية المستعملة في قياس قوة الذاكرة 3 - تجارب انتوجرافية

يقوم الطلبة بعدة زيارات لمتحف الأتنولوجيا والمتاحف الأخرى بالقاهرة وغيرها للوقوف على كيفية ترتيب وضع المعروضات فيها ووسائل حفظها والعناية بها. وأن يتدرب الطلبة أيضاً على وصف هذه الأشياء ومقارنتها بنظائرها

4 - رحلات

يقوم الطلبة برحلات وزيارات لكثير من القرى المصرية والسودانية لدراسة نظام تكوين القرية ووصف الحياة فيها ويقوم الطلبة أيضاً بزيارة المناطق التي اكتشف فيها آثار ما قبل التاريخ

وقبل أن أنتهي من الحديث عن منهج الدراسة بمعهد البحوث الأتنولوجية أريد أن ألفت النظر إلى أنه يشترط في طالب الالتحاق به أن يكون من خريجي كليات الآداب والحقوق والتجارة والطب وأن تكون مدة الدراسة فيه سنتين

هذا وإننا نرى أن متحف الأتنولوجيا يكون جزءاً متمماً للمعهد فيجب أن يبدأ في تكوينه مع المعهد

يظهر لنا مما تقدم أن بوادي النيل كثيراً من الجماعات البشرية تختلف عن بعضها من حيث جنسها ونوع تكوينها الاجتماعي ودرجة مدنياتها، وأن البحث عن معالم تلك المدنيات لم يتسع ميدانه ولم تتنوع أبوابه بعد، فيجب أن نشرع في إنشاء معهد ومتحف الأتنولوجيا لنتابع بذلك تقدماً مطرداً في نهضتنا العلمية الحديثة والتي تبغي لها انسجاماً في جميع نواحيها. وإذا نظرنا إلى ماضي نهضتنا على الأخص هذه وجدنا أن في عنقنا ديناً نحو العلم الذي أصبح اليوم يزهق من زفرات أوربا المحرقة والتي شردت العلماء في فيافي الأرض بعد أن تفككت أواصر مجتمعاتهم وانقلبت أوضاع معاملهم، وأن شعورنا بهذا الواجب يحتم علينا أن ننهض ونضحي ونهيئ للعلم وطناً كما فعل السابقون من أبناء هذا الوادي

محمد جلال عبد الحميد