مجلة الرسالة/العدد 438/من أدب الغرب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 438/من أدب الغرب

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 11 - 1941



صفات زوجة

للدوق فرنسيسكو دي كفيدو

بقلم الأديب يوسف روشا

هذه رسالة بعث بها (ألدون فرنسيسكو دي كفيدو) في سنة

1633 إلى (ألدونا اينا دي فونسيسكا) وصيفة ملكة أسبانيا،

ضمنها الصفات التي يود أن تكون عليها زوجته، إذا ما قدر

أن تكون له زوجة. والرسالة مكتوبة بأسلوب ممتع، فيها شيء

كثير من الفكاهة، ويغلب عليها تلك الروح الشرقية التي قد

تكون من بقايا ما خلفه العرب في الأندلس من الأخلاق

والعادات، بعد أن دالت دولتهم

كل الذي أنشده في الزوجة - لشرفي وراحة ضميري - أن تكون قد تثقفت في رعاية مولاتي، ونشأت وترعرعت في خدمتها، واعتادت طاعتها لتحظى برضاي. أما إذا رأت مولاتي وأصرت على أني جدير بزوجة أرقى من هذه، فنزولاً على رغبتها وتلبية لطلبها سأحاول في هذه الرسالة تبيان الصفات التي يجب أن تتحلى بها تلك الزوجة التي قد ينعم الله بها عليّ، وذلك بواسطة مولاتي ومولاي الأمير. على أني لا أبغي - علم الله - من وراء ذلك تنوير مولاتي، بل تسليتها.

أما أنا، فعديم الأهمية، لولا مولاي الأمير الذي هذبني وقومني ونشلني من الهوة السحيقة التي ترديت فيها. وإذا كنت أتمتع الآن بشيء من الحظوة وسعة العيش، فذلك لأني عزفت، والحمد لله ولمولاي الأمير، عما كنت عليه سابقاً من الموبقات

لقد كنت شريراً ماكراً، وبالرغم من أني قد تركت تلك الصفات الآن، فإنني لم أصلح ك الصلاح بعد. ذلك لأني لم أهجر شروري وآثامي عن ندم وتوبة، وإنما نبذتها لأني ضقت ذرعاً بها

أنا رجل من أرومة طيبة في بلدي كما تعلم مولاتي. وإن لي داراً في الجبال، وأنا ابن والدين عزيزين أفخر بهما، ولهما عندي أطيب الذكر، على حين أن أعمالي - ولا ريب - تزعجهما وتسبب لهما حزناً عميقاً. . .

يصفني أعدائي بأني أعرج. وكل ما في الأمر أني أبدو كذلك لعدم اهتمامي بنفسي. ولا يستطيع أحد أن يجزم هل أنا أعرَجُ أو أحني ركبتي. ومهما يكن من أمر، فليراهن من يشاء على عرجي

أما سحنتي، فلا أقول إنها ترضي من يراها، ولكنها على كل حال ليست دميمة أو شتيمة إلى درجة تبعث على السخرية أو الاشمئزاز

والآن وقد أتيت على وصف نفسي وكشف النقاب عن وجهي، أنتقل إلى وصف المرأة التي أرتضيها لنفسي إذا ما من الله بها عليَّ. على أني أعترف أنه لولا مشيئة مولاتي ورغبتها الملحة، لكان من الحمق لمن كان مثلي في حقارة الشأن وضعة النفس أن يقبل على أمر كهذا، وليس ثمة امرأة ترضى به بعلاً. . .!

أود قبل كل شيء أن تكون زوجتي كريمة المحتد، عفيفة حصيفة؛ والصفة الأخيرة لازمة، إذ لو كانت غبية لما عرفت كيف تحتفظ أو تستفيد من صفتيها الأخريين. ثم إني أرجو أن تكون دمثة الأخلاق، خفيفة الروح، وأن تكون فضائلها فضائل امرأة متزوجة لا ناسكة متقشفة، لأن الاهتمام بزوجها وبيتها أخلق بها من سماع الوعظ وإقامة الصلاة. أما إذا كانت على شيء من العلم والمعرفة، فأفضل عليها الغبية، لأن العيش مع زوجة جاهلة أفضل وأسلم من العيش مع زوجة مغرورة

وأريدها وسَطا لا بشعة ولا جميلة؛ لأن المرأة الدميمة مصدر خوف وفزع ولا تصلح رفيقة حياة؛ والمرأة الجميلة تزعج أكثر مما تسر. أما إذا لم يكن بد من أن أختار إحداهما، فعليَّ بالجميلة، لأن الهم أهون عليَّ من الخوف، ولأن تكون لي زوجة أحرسها، أحبُّ إلي من أن تكون لي زوجة أفرُّ منها!

ثم إني أريدها ميسورة لا غنية ولا فقيرة، فلا هي تشتريني ولا أنا أشتريها، إذ ليس ثمة فقر ما وجدت العفة والسجاحة. إن المثري الذي يرفض الزواج من امرأة لأنها فقيرة، لهو غني سافل؛ وإن الفقير الذي يخطب امرأة لأنها غنية، لهو فقير حقير

كذلك أريد زوجة بشوشة لا عبوسة، لأن العيش مع هذه شقاء متصل وعذاب مقيم. ثم إني لا أريدها متشائمة تظل قابعة في زاوية من زوايا البيت تنعق كالغراب

ويجب أن تكون حسنة الهندام في غير إسراف، وأن ترتدي ثياباً محتشمة لا تلك التي تخترعها الخليعات من النساء

ويجب ألا تعمل ما يعمله البعض، وإنما تعمل ما يعمله الكل

وأفضّل الزوجة البخيلة على الزوجة المبذرة؛ ذلك أن التبذير شر يجب الابتعاد عنه، على حين أن البخل، وإن كان ذميما، قد ينفع في بعض الأحيان. على أني أعد نفسي سعيداً إذا ظفرت بزوجة سخية

لا يهمني أكانت بشرتها بيضاء أم سمراء، أو كان شعرها أسود أم أشقر، وإنما الذي يهمني هو ألا تجعل شعرها أبيض إذا كان أشقر، لأن ذلك يبعث على الغيرة وقد لا تحمد عقباه. ولا يهمني أيضاً أكانت زوجتي طويلة أم قصيرة، لأن في كعب الحذاء تلافيا لهذا النقص الجسمي؛ والكعب كالموت يسوي بين الناس

أما عن كونها هزيلة أو بدينة، فأقول إنه إذا لم أستطع الحصول على زوجة تكون على الأقل معتدلة الجسم فأنا أفضل الهزيلة. . . أحب أن تكون زوجتي هيكلاً عظمياً لا قطعة من الشحم واللحم

ثم أريدها مكتملة الشباب لا طفلة ولا عجوزاً، فالفرق بينهما كالفرق بين المهد واللحد. ذلك لأني قد نسيت من زمان بعيد أناشيد المهد، وأنا لم أتعلم بعد ترتيل المراثي. حسبي أن تكون امرأة ناضجة، وأن تكون حديثة السن فتلك منة من الله

وأود من صميم قلبي ألا يكون فمها وعيناها ويداها على جمال خارق. ذلك أنها إذا بلغت الكمال في هذه الأعضاء لما احتملها أحد؛ لأنها في هذه الحالة لا تنفك تلعب بيديها لتعرضهما على الناس، ولا تني تدير مقلتيها ليلحظهما الناس، ومما يصعب احتماله أن ترى امرأة دائمة الضحك والتثاؤب لا لشيء سوى أن تريك أسنانها اللؤلؤية. إن القلق يذهب بالجمال، وإن الإهمال يخفي العيوب ولن أتزوج واحدة قد مات عنها أبواها، وذلك لأتخلص من وجوب إحياء ذكرييهما؛ كما أني لا أرغب أن يكون كل أهلها أحياء. ليدخل أبوها وأمها بيتي على الرحب والسعة؛ أما عماتها فإلى جهنم وبئس المصير؛ وسأوصي بقراءة الفاتحة على أرواحهن مرة بعد مرة

وسأحمد الله وأشكره إذا ما منحني زوجة ثقيلة السمع، معقودة اللسان؛ ذلك أن هاتين الحاستين كثيراً ما تضجران الأصحاب وتقطعان الزيارات. كما أن من دواعي سروري واغتباطي أن تكون زوجتي سيئة الطبع؛ لأن المرأة الكيسة لا تنفك تضرب على وتيرة واحدة متمنية أن لو كانت كباقي النساء وإن طبيعتها السجيحة هي المسؤولة عما تلاقي من الغبن

وأختم رسالتي هذه جاداً متوخياً الحقيقة كما بدأتها، ومؤكداً لمولاتي أن الزوجة التي تحقق رغباتي هذه ستحظى عندي بأعظم منزلة. على أني أعرف كيف أصبر على بلائها إن هي قلبت لي ظهر المجن. ذلك أني قد لا أكون موفقاً في زواجي، ولكني لن أكون زوجاً فظاً بحال من الأحوال. أطال الله حياة مولاتي ومولاي الأمير ومتعهما بالصحة والعافية إنه السميع المجيب

(بغداد)

ترجمها عن الإنجليزية

يوسف روشا