مجلة الرسالة/العدد 427/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 427/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 427
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 08 - 09 - 1941



من جديد

يقول الأستاذ الجليل (ا. ع) إن قول بعضهم: (من جديد) إنما هو تركيب غير عربي (مما جناه جهلة المترجمين، وأن كتابنا وبلغاءنا قبلوه من غير تفكير ولا بحث فوشج بلغتنا)

ثم هو يدعم حجته برد هذا التعبير إلى اللفظة الإنجليزية:

ولكني وجدت الحسن بن رشيق القيرواني (390 - 463هـ) قد أورد هذا التعبير في شعره، إذ أثبت المترجم له في مقدمة كتابه - العمدة - قوله في إحدى قصائده:

قد أحكمتْ مني التجار ... بُ كل شيء غير جودي

أبداً أقول: لئن كسب ... تُ لأقبضنَّ يديْ شديد

حتى إذا أثريت عُد ... تُ إلى السماحة من جديد

فيتضح من ذلك أن التعبير قديم الاستعمال، أو هو - على الأقل - لا ينتمي إلى التعبير الإنجليزي الحديث في شيء نعم أن ابن رشيق ممن لا يحتج بكلامه، ولكن ورود هذا التركيب في شعره مما ينفي عنه تهمة (الترجمة الخاطئة) ويميل بنا إلى الجزم بانتمائه إلى العربية الصحيحة، فما رأي أستاذنا الجليل (ا. ع) في ذلك؟

(جرجا)

محمود عزت عرفة

1 - فرية قتل الإمام الشافعي

نشر بعضهم كلمات في (جريدة الأهرام) يؤيدون فيها خبر أن الإمام الشافعي مات مقتولاً، ورد بعضهم ذلك، وإني مثبت هنا ما يستبين منه كذب هذا الخبر. قيل أن أشهب المالكي ضرب الشافعي فشجه فمرض حتى مات. وقيل إن الذي ضربه هو فتيان المالكي: أما نسبة ذلك إلى أشهب ففرية صريحة، وإن ذكرها الشمس البرماوي من غير سند، بل هذا لا يصدر من عالم قطعاً، على ما حققه العلامة ابن حجر العسقلاني في (توالي التأسيس). وأن نسبتها إلى فتيان فإنك أيضاً. قال الحافظ بن حجر في كتابه المذكور: (لم أره من وجه يعتمد)، وقال العلامة أبو عبد الله الراعي في كتابه (انتصار السالك) (لم يصح ولم يرد من وجه يعتمد عليه)

وفي الخبر نفسه ما ينقض عزو ذلك إليه، لأنه عاش سنة كاملة بعد وفاة الشافعي، ومات حتف أنفه سنة 205، فلو كان قتله بمفتاح حديد - كما قيل - لما وني الوالي (وهو السري ابن الحكم) عن الاقتصاص منه، لأنه كان قد عزره تعزيراً شديداً لما بلغه أنه سب الأمام الشافعي في مناظرة بينهما، فكيف لو قتله؟!

وإنما هي أفائك مكشوفة من دعاة الفتنة، يعكرون بها صفو الإخاء بين المذاهب. ولم يقع من صميم رجال المذاهب ما يشين ناصع أعمالهم في دور من أدوار التاريخ مطلقاً؛ وإنما ذلك من المتطفلين البعيدين عن الفقه وأهله. ومرض الشافعي بالباسور الشديد متواتر الخبر بأسانيده في (توالي التأسيس) وغيره.

2 - جميل نخلة المدور

قال الأستاذ محمد عبد الغني حسن (في العدد 426): أما نسبة جميل نخلة المدور إلى العراق فهي شائعة عندنا في مصر. والحق أني لم أقرأ ترجمة لهذا الباحث العظيم

وفي (الأعلام للأستاذ الزركلي) ترجمة موجزة له نتعلل بها إلى أن يسمح الأستاذ البحاث كوركيس عواد بترجمة مبسوطة: جميل بن نخلة المدور (1279 - 1325 للهجرة): متأدب، من أهل بيروت، وسكن مصر فتوفى فيها، اشتهر بكتابيه (حضارة الإسلام في دار السلام) و (تاريخ بابل وأشور)، وكان الشيخ إبراهيم اليازجي يصحح له ما يكتبه. وفي أصحابهما من يرى أن (حضارة الإسلام) لليازجي، وأنه نحله جميلاً في أيام ادقاع الأول وإثراء الثاني.

أحمد صفوان

(تصويب): وقع في كلمتي في العدد (426) غلطتان

مطبعيتان، صوابهما: (الهذلي) و (البطليوسي)

تصويبات سريعة

عرض الأستاذ وجدي في الجزء السابع من مجلة الأزهر لبعض كتب النبي صلى الله عيه وسلم والردود عليها واستهل مقاله بأنها كانت في السنة السادسة من النبوة، ثم شك في ردود ثلاثة مستدرجاً في شكه حتى أنكرها وسماها مفتريات ساذجة. وإحقاقاً للحق وإنصافاً للسيرة والتاريخ - نشير في هذه العجالة إلى الصواب؛ ونهيب بالأستاذ وهو رجل مسئول أن يعطي السيرة بعض عنايته واهتمامه حتى لا يورط القارئ في مهاوي الشكوك بعد:

1 - الصواب أن إرسال الكتب كان في السنة السادسة من الهجرة والتاسعة عشر من النبوة

2 - وأن هرقل والمقوقس كانا يعلمان من الكتب القديمة أن نبياً سيظهر. وموضوع التبشير بالنبي معروف مستفيض جاء به القرآن الكريم وغيره مما لا يدع مجالاً لشك الأستاذ ولا استبعاده. وإنما لم يذعنا له خوفاً على الملك والسلطان، ولا عبرة بتصديق لا إذعان معه ولا إسلام

3 - ثم حسبك دليلاً على إسلام النجاشي أصحمة أن النبي نعاه، وصلى عليه صلاة الغائب، وأنه أكرم المهاجرين إليه في الهجرتين إكراماً، وأنه زوج النبي أم حبيبة بنت أبي سفيان وأصدقها عنه أربعمائة دينار، فكيف تنكر بعد هذا إسلامه وتستبعد رده بشبهة ظهور الصنعة فيه؟ ولئن سلمنا هذه الصنعة إن الرد مترجم قطعاً. وللمترجم أن يتصرف في الألفاظ ما شاء ما دام أميناً على المعنى حفيظاً عليه

هذه تصويبات خاطفة ومن ابتغى المزيد فليرجع إلى السيرة الحلبية، والى كتاب الجنائز في البخاري، والى شرح المواهب اللدنية ص346 ج3. وكفى بهن دليلاً

طه محمد الساكت

المدرس بمعهد القاهرة

إلى الدكتور زكي مبارك

الحسن والفضل منفوسان على أصحابهما. لهذا ما تراني في هذه الكلمة متصدياً للرأي الطريف الذي ارتأيت في أحد (شجون الأحاديث) التي تحدث قراءك كل أسبوع في الرسالة الغراء. إن للأفكار الحسان عشاقاً يحومون حولها كما يحوم حول الحسان من بنات حواء كل عاشق ولهان. فاسمح لي إذاً أن أحوم قليلاً حول ما ارتأيت من رأي في حديث (ما علمتني الأيام).

ارتأيت ألا يبدي أحداً رأياً في مسائل الأخلاق والدين والاجتماع إلا مكتوباً، فيأمن مغبة التزيد الشنيع الذي يتزيد بعض خساس الناس على الأحاديث ترسل إرسالاً في المجالس والنوادي والمجتمعات. وذلك أن الكلمة المكتوبة، خلافاً للكلمة الملفوظة، لا تقبل التزيد ولا التحريف المقصود، أو غير المقصود، وإن ركب أحد المعاندين المكابرين رأسه وحاول أن يزيد أو ينقص أو يحرف فيما كتبت ونشرت، فأنت بما تملك من سلاح المنطق والرجوع إلى الحقائق والاحتكام إلى الرأي العام خليق أن ترده إلى محجة الصواب أو تلقمه حجراً إن كان لا يسد فاه إلا حجر. ولا أنكر أن للرأي قوته وإغراءه وللنصيحة ما تستأهله من إصغاء تام، لا سيما وهذه الأيام هي الأيام التي تروج فيها سوق الرواة المتزيدين المحرفين المشنعين. ولكن، ولا بد من لكن هنا، هل ينجو صيارفة الفكر وصاغة الكلام من مساوئ التشنيع والتزيد والتحريف لو اعتصموا بالصمت ولاذوا بالسكوت كما تنصح لهم أن يفعلوا يا دكتور؟! أما أنت فقد أجبت جواب الموقن أنه ما على المرء لينجو من مساوئ التزيد والتحريف إلا أن يطبق شفتيه ويطلق قلمه ينقل إلى القارئين آراءه وأفكاره فلا تعبث بها الأهواء الخبيثة والذواكر العابثة. أما أنا، وأني على أشد اليقين مما أقول، فلا أرى الاعتصام بالسكوت في النوادي والمجالس الخاصة أو العامة منجياً من أذى التزيد والتشنيع لسبب واحد بسيط يكاد لبساطته وشيوعه لا يخفى على أحد: فقد تنجح في أن تروض نفسك على ألا تبدي رأياً في شؤون السياسة والدين والاجتماع إلا مكتوباً، ولكن ما حيلتك في هذا النفر الذين لا يعنيهم أن يسمعوا رأيك خارجاً من شفتيك أو مدوناً في صحيفة أو كتاب فيمضون يشيعون أنك قلت كيت وكيت وارتأيت زيت وزيت؟

هذا شيء، والشيء الآخر وجوب الكلام أننا قد نفيد في عرض أفكارنا على غيرنا قبل إثباتها على الورق فائدة التمحيص لهذه الأفكار وإزالة الفضول، فنعدل عن الفكرة الجائرة، وتعدل الفكرة الحائرة ونثبت على الفكرة الصائبة

وشيء ثالث أن كثيراً من المفكرين لا يجدون الوسيلة إلى التدوين، أما لأنهم خطباء مرتجلون أو لأنهم لا يجدون الصحيفة تنشر لهم ما يرتأون، فهل يصمت هؤلاء أو يتكلمون؟! بناءً على هذه وبناءً على أن الله خلق الحنجرة والشفتين واللسان قبل أن يخلق الورق والمداد والأقلام وحتى لا تصبح المجالس والنوادي ميادين تتبارى فيها فنون الملق والتدجيل والرياء أرى أن يتكلم كل ما أطاق لسانه وحنجرته الكلام، ولكن في حدود اللياقة والمنطق والاحتشام

هذا ولما كان الحديث ذا شجون فقد استرعى انتباهي من شجون حديثك ما ارتأيت من أن الكفايات يجني بعضها على بعض، وهي قولة حق يحس صدقها كل من عانى التعبير عن هواجس النفس وخوافي الحس بطريق غير الطريق الذي اعتاده؛ ولكن هذا لا يعني أن نخضع للأمر الواقع ونترك هذه الكفايات يبتلع بعضها بعضاً حتى لا تبقى إلا الكفاية الواحدة تستبد بصاحبها أبلغ الاستبداد، ولا تدع له أن يقول قولاً أو يبدي رأياً أو يدون هاجسة من هواجسه إلا عن طريقها وبأسلوبها، وقد يكون بين الكفايات المكبوتة ما هو أولى بالبروز وأخلق بالرعاية وأحق بالترويض من الكفاية التي زاحمت ما عداها من الكفايات فزحمتها وردتها ذليلة مقهورة. ثم يجب ألا يفوتنا أن الممارسة والمران كفيلان بأن يزيلا عن الكفاية المكبوتة ما قد بحسه صاحبها من العسر عند أول ما يحاول استغلالها. فالكفاية العالية المهملة كالجواد الكريم طال ارتباطه وحرم أن يسعى أو يجول في طريق أو ميدان، فيجد راكبه صعوبة في تصريفه أول الأمر، ولكنه لا يلبث طويلاً حتى يعود إلى ما هو خليق بالعتق والأصل الكريم من التبريز في غير عسر ولا عناء.

أديب عباس