مجلة الرسالة/العدد 407/في العقد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 407/في العقد

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 04 - 1941



لأستاذ جليل

صاحب البيت الثاني: (ولرب مأخوذ بذنب عشيره) هو غير صاحب البيت الأول: (جانيك من يجني عليك. . .) وإذا كان قد قاله كما روى صاحب (العقد) والشريشي شارح (المقامات) فقد سار مع العروض التامة. ويظهر أن أديباً استطال الصدر فاستبدل به: (ولرب مأخوذ بلا قرف) - واقترف في هذا المعنى أكثر - فخرج بذلك من (العروض التامة والضرب الأحذ المضمر) إلى (العروض الحذاء المضمرة والضرب الأحذ المضمر) ولم يذكروا هذه العروض، ولم ترد في أشعارهم، وإذا جاءت فإنما تجيء في مطالع القصائد مصرَّعة كما قال صاحب (العقد) في مقطوعة (عروضية):

عينيّ، كيف غررتما قلبي ... وأبحتماه لوعة الحب؟!

يا نظرة، أذكت على كبدي ... ناراً قضيت بحرها نحبي!

خلوا جوى قلبي أكابده ... حسبي مكابدة الجوى حسبي!

عيني جنت من شؤم نظرتها ... ما لا دواء له على قلبي!

جانيك من يجني عليك وقد ... تعدى الصحاح مبارك الجرب

ولا تصريع في بيتينا

وقد يقال: إن أديباً آخر فطن لذلك الخروج في (بلا قرف) فبدل به (بلا ترة) فأقبلت النغمات متوائمة وإن لم يبن البيت هنا إبانته في تينك الروايتين

وبعد فإن رواة البيت: (جانيك. . .) في كتب اللغة والأدب قد غلطوا في روايته فالبيت مرفوع لا مخفوض، ولا إقواء فيه، وقد قصد صاحب اللسان (وتبعه صاحب التاج) جبره بهذه الرواية:

جانيك من يجني عليك وقد ... تعدى الصحاح فتجرب الجرب

فما انجبر، و (مُبارك) في البيت ليست مرفوعة وإنما هي منصوبة

وقد شاء الله أن يكون الفضل في إعلان الرواية الصحيحة المحققة لهذا البيت لمجلة (الرسالة) في هذا الزمان؛ والإفضال على الأدب العربي في كل جزء، في كل أسبوع، هو هجيراها، هو دأبها، وحسبها وحسبنا تلك (الأولى) لربها فيه البيت لذؤيب بن كعب في مقطوعة (ستة أبيات) قالها في يوم تياس، وهو من أيام العرب، وقد ذكره صاحب (العقد) مختصراً، وأورد ثلاثة أبيات من المقطوعة. وروى الخبر أتم والمقطوعة كاملة أبو عبيدة في تعاليق (النقائض)، وستظهر تعليقة البيت حقيقة الرواية. وقد رأيت أن انقل الخبر والأبيات والتعليقة لندور تلك الطبعة الغربية في الشرق. ومحقق (النقائض) وناشرها هو العرباني الأستاذ (ا. ا. بيفن)

قال أبو عبيدة: (كانت قبائل بني سعد بن زيد بن مناة، وقبائل بني عمرو بن تميم التقت بتياس، فقطع غيلان بن مالك ابن عمر بن تميم رجل الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة، فسمي الأعرج، فطلبوا القصاص، فأقسم غيلان ألا يعقلها ولا يقصها حتى تحشى عيناه تراباً وقال:

لا نعقل الرجل ولا نديها ... حتى ترى داهية تنسيها

فالتقوا فاقتتلوا، فجرحوا غيلان حتى ظنوا انهم قتلوه، ورئيس عمرو كعب بن عمرو، ولواؤه مع ابنه ذؤيب، فجعل غيلان يدخل البوغاء في عينيه ويقول: تحلل غيل، حتى مات. فقال ذؤيب بن كعب لأبيه كعب:

يا كعب، إن أخاك منحمق ... إن لم تكن بك مرة كعب

أتجود بالدم ذي المضنة في ال ... جليّ، وتلوي الناب والسقب

فالآن إذ أخذت مآخذها ... وتباعد الأنساب والقرْب

أنشأت تطلب خَطة غبناً ... وتركتها ومسدُّها رأب

جانيك من يجني عليك وقد ... تعدى الصحاحَ مباركَ الجرب

والحرب قد تضطر جانيها ... إلى المضيق ودونها الرحب

قال أبو عبيدة: أنشدني داءود أحد بني ذؤيب: (الصحاحَ مباركُ الجرب) فرفعوا مبارك، وجروا الجرب، وذلك أقواه

قال أبو الخطاب: إن عامة أهل البدو ليس تفهم ما يريد الشاعر، ولا يحسنون تفسيره، وإنما أتى إقواء هذا من قلة فهم الذين رووه، وإنما عنى الشاعر (وقد يعدي الأجربُ الصحيحَ مبركا) فلما وجدوه مقدماً ومؤخراً لم يحسنوا تلخيصه، ووجدوا مبارك لا ينصرف، فأظلم عليهم المعنى، وإنما أراد: وقد تعدى الصحاحَ مباركَ الجربُ) قلت: (الصحاح مبارك) التي لم يفهمها البدو في ذلك الوقت. . . هي مثل الحسن وجهها في قصة (الصفة المشبهة) ذات الستة والثلاثين وجهاً. . .!

ومن أبيات الكتاب:

فما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشُّعري رقابا

قال الشنتمري: (نصب الرقاب بالشعرى على حد قولك الحسن وجهاً، ويجوز فيه (الشُّعرِ الرقابا) على ما أنشده بعده وهو كقولك: الحسن الوجه بالنصب على الشبه بالمفعول به. وصف فزارة بالغمم وهو كثرة شعر القفا ومقدم الرأس، لأنه عندهم مما يتشاءم به ويذم، والمحمود عندهم النزع، وهو انحسار الشعر عن مقدم الرأس، والشعري مؤنث الأشعر، وهو منه كالكبرى من الأكبر، وأنثه لتأنيث القبيلة، والشعر جمع أشعر، فجمع لأنه جعل كل واحد منها أشعر، فجمع على المعنى)

وأختم هذه الأسطر بالشكر للأستاذ المفضال عبد السميع صبري

  • * *