مجلة الرسالة/العدد 385/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 385/البريد الأدبي
أغلاط نحوية وصرفية
قرأت في (الرسالة) كلمة للأستاذ محمد عبد الغني حسن عن استهانة الجمهور بقواعد اللغة العربية، وقد ضرب الأمثال بما يقع من الأغلاط النحوية والصرفية في الإعلانات، وتلطف فقدم إلي تلك الأمثال (هدية متواضعة) لأطبْ لها ونظائرها في المدارس الأجنبية، كأن إنشاء الإعلانات بالعربية مقصور على المتخرجين في تلك المدارس!
وأجيب بأن الأستاذ قد أشتط في تصور لغة الإعلانات، فمن القبيح حقاً أن ينصب جمع المذكر السالم وملاحقاته بالواو فيقال (ثلاثون) في مكان (ثلاثين) كالذي وقع في الإعلان الذي نص عليه، لكن من الواجب أن نتسامح حين نرى الإعلان يقول:
(نظراً لكونه صنف جيد)
فنصبُ كلمة (صنف) في خبر الكون من الدقائق النحوية، وهي لا تُطلب من موظف صغير في مخزن بنزيون أو مخزن سمعان، وكيف وهي من الألغاز عند طلبة الأزهر الشريف؟
ولو أن الأستاذ تأمل لعرف أن الموظف الذي نصب ثلاثين بالواو لم يقصد إلا الإفصاح، فهو يسمع الناس جميعاً يقولون ثلاثين، ومن هنا صح عنده أنها لا تكون منحاة إلا إن كانت (ثلاثون) لأنه يتوهم أن العامي هو الذي يسير على ألسنة الناس!
ومثل ذلك ما وقع في الإعلان عن رواية سينمائية أسمها:
(الرجل ذو الوجهان)
وما رسمها الخطاط كذلك إلا لتوهمه أن (الوجهين) عامية لأن الجمهور لا ينطقها في لغة التخاطب إلا بهذه الصورة في جميع الأحوال.
والحق أننا نسرف في محاسبة الناس على الأغلاط النحوية والصرفية، ولو أنصفنا لعرفنا أن التمكن من النحو والصرف لا يتيسر لجميع الناس. وإلى هذا الصديق أسوق العبرة الآتية:
كان من عادتي حين يتحدث رجل مسئول في الإذاعة اللاسلكية أن استمع وبيدي قلم وأمامي قرطاس لأسجل ما يقع في الحديث المذاع من الأغلاط النحوية والصرفية، ثم أطلب المتحدث بالتليفون فأنبهه إلى تلك الأغلاط برفق، إن كان من الأصدقاء أو أشير إليها في مقالاتي إن كان (أيضاً) من (الأصدقاء).
ثم اتفق أن أذاع الأستاذ الدمرداش مراقب الامتحانات بوزارة المعارف حديثاً عن رحلة في (وادي دجلة) شرقي المقطم فاستمعت وبيدي قلم وأمامي قرطاس، وما زلت أعد الأغلاط النحوية والصرفية حتى مللت، مع أني أصبر الرجال على المكاره وأقدرهم على تحمل الأرزاء.
فكيف كانت حالي بعد ذلك؟
هل تراني نفضت يدي من الثقة بكفاية الأستاذ الدمرداش مراقب الامتحانات بوزارة المعارف؟
وكيف وهو رجل فاضل بشهادة الجميع؟
لم يتغير رأيي في الأستاذ الدمرداش من حيث أنه موظف كبير يؤدي واجبه بنشاط ملحوظ، وإنما اكتفيت بإضافته إلى من تصعب عليهم مراعاة قواعد اللغة العربية في الخطابة والحديث وهل أدعى الأستاذ الدمرداش أنه من أقطاب الأدب العربي حتى نحاسبه على الخطأ في النحو والصرف؟
يكفي أن يستطيع مثل هذا الرجل الفاضل أن يؤدي أغراضه بعبارة واضحة جلية، وإن خلت من الدقة في التعبير، لأن الدقة في التعبير لا تطلب ولا تنتظر إلا من أعيان البيان، ومن كان في مثل عقله لا يدعي ما لا يطيق.
قد يقال إن من حق التلامذة أن يطلبوا التغاضي عما يقع في أجوبتهم من أغلاط يقع في مثلها مراقب الامتحانات بوزارة المعارف.
وأجيب بأن هذا اعتراض مردود، فالأستاذ الدمرداش بعُد عهده بقواعد النحو والصرف، ولا يُطلب فيمن كان في مثل حاله غير الوصول إلى الغرض بأسلوب مفهوم وإن كان غير دقيق.
ولم يكن الأستاذ الدمرداش أول من حار بين الخطأ والصواب، وإنما اتخذت الشاهد مما وقع في حديثه الجميل، لأنه رجل تهمه الدقة في كثير من الشؤون، ولأنه بحكم وظيفته العالية يسره - أو لا يؤذيه - أن يكون النقد صدقاً في صدق أما بعد فهل يكون اعتذاري عن الأستاذ الدمرداش إيذاناً باني أبيح حرية الخطأ في النحو والصرف؟ هيهات هيهات، فلن يكون جميع المخطئين في منزلة هذا الرجل المفضال!
زكي مبارك
الانتحار
سيدي الأستاذ الجليل رئيس تحرير مجلة الرسالة الغراء:
يبالغ بعض الكتاب مبالغة غير معقولة في التنويه بما بين الانتحار وبين المشاعر السامية من صلات، حتى لقد قال أحد الشعراء العصريين:
وحدثت نفسه عيسى بقتلهما ... وكاد أحمد يقضي غير مذكور
وفي أعداد الصحف الأخيرة رسائل لكثيرين من الأدباء ينظرون فيها إلى الانتحار كأنه بعض فضائل المنتحر، وذلك بمناسبة انتحار أدبيين من أدباء الإسكندرية شملتهما رحمة الله.
ولقد نشرت كبرى الصحف اليومية أن أحدهما لم يمت منتحراً بل كان يجرب مسدسه فانطلق. والقول منسوب إلى رجال من أسرته في الذروة العليا من المجتمع المصري الكريم.
وسواء أكان ذلك أم كان غيره فإن الفاضل فاضل والنابه نابه بسبب أعماله وأقواله الطيبة لا بسبب انتحاره، والانتحار إن كان سبباً للإشفاق والرثاء، فما يصلح أن يكون سبباً للإعجاب ولا يجوز اعتباره عذراً عاذراً
ينسب إلى أحد الحكماء قول أظن الحكمة في عكسه. وهذا القول هو أن الناس لا يموتون بل ينتحرون، وهو يعني أن الموت الطبيعي إنما يكون نتيجة لخطأ
وأحسب القول الصحيح أن المنتحرين لا ينتحرون بل يموتون، لأن الانتحار لا يقع إلا والمرء مسلوب الحيوية فاقد التدبير فهو في حكم الميت حين اختار لنفسه الموت
على أن العرف لا يقف عند هذا الحد من تقديره، وبعض القوانين تنظر إليه نظرة أقسى
ومهما تكن النظرة إليه فإن التغاضي عن استنكاره يوشك أن يكون أذى لطائفة يبلغ بها العجز مبلغ التفكير في الانتحار للكاتب في نجواه أن يجامل أفراداً ولكن عليه ألا ينسى أن المقال المنشور موجه إلى سواد القراء لا إلى نفر من الأصدقاء والأهلين، وأن المقال المنشور يجب أن يصف شعور الكاتب نفسه نحو الحياة لا شعور من فارقوا الحياة نحوها
فإلى الذين قرءوا كلمة الأديب عبد العزيز سالم في العدد الأخير من الرسالة بعنوان (الأدب والانتحار) تلك الكلمة التي تعقد العلة بين الأدب وبين الانتحار وتحذر الأدباء من هذا المصير، إليهم أقول:
يا شاكياً عنت الدنيا وقسوتها ... دع لي الشقاء ودع لي فسحة الأجل
وإليهم أقول:
لو مدَّ عمر الكون في عمري ... لرميت هذا العمر بالقصر
وإليهم أقول:
انشق نسائمها فلم يك راحل=عنها لينتشق النسيم عليلا
أسأل الله أن يطيل أعمارهم وعمري وأن يهبنا التدبير للخروج من المآزق من غير هذا الطريق، ولا أسأل الله رد القضاء ولكني أسأله اللطف فيه
عبد اللطيف النشار
إلى الأستاذ النشار
إن العبارة التي تعود العامة أن يعبروا بها حين يريدون وصف السكران بأنه شديد السكر وهي قولهم (سكران طينة) قد وردت أيضاً في كتاب (شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل) لشهاب الدين الخفاجي
قال في الكتاب المذكور ص 126 ما يأتي:
(سكران طينة) تقوله لمن سكر سكراً شديداً كأنه لوقوعه في الطين، ومن ملح المعمار قوله:
وجرةٍ أبرزوها ... والروح فيها كمينة
شممت طينةَ فيها ... فرُحت سكران طينة
وقد قالوا: الطين غالية السكارى. . . الخ.
آنسة سناء محمد
بين الكتاب والقراء
أخذ بعض القراء على الدكتور عبد الوهاب عزام أنه حين روى هذا البيت في مقالة أخلاق القرآن:
ولم أر في عيوب الناس شيئاً ... كنقص القادرين على التمام
نسبه إلى (أبي الطيب) ويرى أن الصواب أن ينسب إلى (المتنبي)
وأخذ قارئان آخران على صاحب مقال (شعر الزواج) أنه نسب البيتين الآتيين:
تقول التي من بينها خف محملي ... عزيز علينا أن نراك تسير. الخ
إلى (الحسن بن هانئ) والصواب أنهما (لأبي نؤاس)
وتحب (الرسالة) أن تذكر للقراء الأفاضل أن (أبا الطيب) هو (المتنبي). وأن (أبا الحسن بن هانئ) هو (أبو نؤاس).
دار الثقافة بالسودان
جاء في جريدة (المؤتمر) السودانية ما يأتي:
افتتحت أبواب دار الثقافة بالخرطوم ليجتمع بها السوداني والمصري والبريطاني جنباً لجنب يتناظرون ويبحثون في العلوم والفنون والآداب، وينهلون من بحر مكتبة ضافية بالمراجع العلمية في شتى ما وصل إليه الفكر الإنساني من المعارف
وحكومة السودان كانت حريصة كل الحرص لنشر الثقافة العامة عن طريق هذه الدار، وما زال أعضاء هذه الدار يواصلون محاضراتهم - منذ أن أنشئت - في مختلف الشؤون التي تهم الرجل المثقف. والدار فوق ذلك يراد بها أن تكون حلقة اتصال ثلاثي بين إنجلترا ومصر والسودان، أو إن شئت فقل محور ثلاثي ولكن للتعاون الثقافي وخلق التفاهم بين عناصر قد يكون من الخير لها جميعاً أن تتفاهم فكرياً حتى يأتي اليوم الذي تتفاهم فيه على أمور حيوية أخرى، ونحن نأمل أن يكون قريباً إن شاء الله
وكثيراً ما سمعنا همسات وكلمات لا ينقص بعضها الصراحة نشرت في الجرائد اليومية عن هذه الدار وعن الأغراض التي أنشئت من أجلها، ولست أرى معنى للتخوف والتردد في كل أمر جديد إذا اقتنعنا بأننا أفراداً أو جماعة لا يمكن أن يغرر بنا أو نساق سوق البهائم ما دمنا مدفوعين برأي وعقيدة!
لكن هناك مسألة أراها جديرة بالذكر والتعقيب تلك المسألة هي خوف بعض الناس على (ثقافتنا التقليدية) أن تطغى عليها تيارات أخرى غريبة عنا في وسط لا تتكافأ فيه عناصر المحور الثلاثي، ومع احترامي لهذا الرأي فلست أرى وجهاً لهذا التخوف للسبب الآتي:
تقوم دعائم الثقافة السودانية على أسس عربية إسلامية وهذا هو الوضع الطبيعي لبناء الثقافة في قطر كالسودان يدين بالإسلام ويمت إلى العروبة بوشائج الدم والرحم - والإسلام كما يعرف الناس جميعاً هو عقيدة وحضارة معاً ولا يمكن لأي حضارة أخرى مهما بلغ سلطانها واجتمع نفوذها أن تطغى معالم الحضارة الإسلامية - والثقافة في رأينا تمثل جوانب عامة من النواحي العقلية والنفسية وأساليب العيش والتفكير التي تفرضها عادة الحضارة على الناس
ولست أريد هنا أن أتعرض لمن يتوهمون بأن السودانيين والشرقيين عامة يمكن أن يتخذوا الثقافة الغربية ثقافة عالمية تشمل الشرق والغرب وتقرب أوجه النظر بين الشعوب والأجناس المختلفة، ذلك وهم ساد بعض العقول فظنت أنه حقيقة وأنكرت ميراث الناس واختلاف بيئاتهم ونزعات عقولهم ومناط تفكيرهم وما لهذه العوامل من الأثر الفعال في خلق الثقافة العامة وتوجيهها في الطريق الطبيعي الذي تسلكه
إن ثقافة هذا الشعب عربية إسلامية، وهذه الثقافة قد كتب لها البقاء والتغلب لأن من خصائصها أنها تأخذ وتعطي في وقت معاً فهي لا تأبى الأساليب الجديدة والأفكار والمبتكرات والاتجاهات بل تأخذ هذه كلها ثم تصهرها في قوالبها الخاصة وتزيل عنها عوامل الضعف والفساد مما لا يتمشى مع روحها العام ثم تعيدها مرة ثانية وهي حرة خالصة عميمة النفع سليمة الأصل.
لهذا لا خوف على (ثقافتنا التقليدية) من هذا الاختلاط ما دمنا مدفوعين بعقيدة، وهذه العقيدة هي أننا أبناء أمة ناشئة تريد أن تبني مجدها على ميراثها العربي الإسلامي، وأن لا تتخلى عن مثقال ذرة من هذا الميراث الذي يأخذ ويعطي بطريقته الخاصة، والذي غالب الزمن فغلبه، وما زال حياً باقياً وسيظل كذلك ما دامت في الدنيا حياة حول تفسير بيتين
قرأت في الرسالة الغراء أن الأستاذ السعيد جمعة رأى لزاماً عليه أن يتقدم لتفسير هذين البيتين
بذكر الله تزدادُ الذنوب ... وتحتجب البصائر والقلوب
وترك الذكر أفضل منه (حالاً) ... فإن الشمس ليس لها غروب
والتفسير الذي تقدم به مقطوع الاتصال بالمعنى المطلوب. والذي أراه أن لرجال التصوف نظرات عكسية تقلب الحقائق المعلومة إلى حقائق أخرى عليا لا يدركها غير أهلها. فالشاعر يشير إلى علمه بعيوب بشريته ومساقط نفسه ويرى أن مقام العزة الإلهية أجل وأعلى وأرفع من أن يتلوث بذكر لسان غير منزه عن فحش القول ويرى أن جرأته على ذكر العظمة القدسية وهو في دائرة عيوبه النفسية ذنب، وهذا المعنى العكسي ينبعث من مقام تنزيه الألوهية عن الحاجة إلى التنزيه
أما الشطر الثاني فليس المراد به ذكر اللسان الذي يترك القلوب مطموسة والبصائر مغلقة. وإنما المراد به وصف (الحال) في أرفع مقامات الشهود حيث يكون الذكر نفسه حجاباً للذاكر عن مذكورة.
وهذا ما يشير إليه في البيت الثاني بأنه راسخ القدم في (الحال) الشهود الرفيع الشأن كما تشهد الشمس عياناً فتستغني بشهود ذاتها عن ذكر أسمها. وهو في مقام شهوده لا يشهد في ذاته غير أنه عين شمس الوجود فشمسه ليس لها غروب. ويشير الأستاذ السعيد جمعه إلى هيام رجال التصوف باللغز والرمز وأنهم يشيرون بمثل قولهم (معبودكم تحت قدمي) و (ما في الجبة غير الله) إلى مذهبهم في الحلول. وما هي حيلتنا مع من يتهمنا بما لا يعلم. فأهل الحقيقة ليس لهم مذهب يسمى (الحلول) لأن (الحلول) يستلزم الظرفية بقولك (حل في كذا) وهذه الظرفية باطلة فلا يشهدون في الوجود غير الله إذ لا غيرية ولا أثنينية، فهو الله الظاهر والباطن إلّه واحد لو كنتم تعلمون.
أحمد فهمي الباجوري
جريدة الواجب في عامها الخامس عشر دخلت جريدة الواجب التي تصدر عن المنصورة لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ أحمد جاد جمعة في عامها الخامس عشر وبالرغم من تلك الأزمة التي انتابت الصحف بسبب ما وصلت إليه حالة الورق، ستظهر الواجب على عهدها صباح الاثنين من كل أسبوع في ثوب قشيب بالألوان والصور مدبجة بأقلام مجموعة من كبار الكتاب والأدباء.