مجلة الرسالة/العدد 344/شيطانة تتفلسف!!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 344/شيطانة تتفلسف!!

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 02 - 1940



للأستاذ محمود كامل حبيب

(إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة واحدة، فان استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها)

حديث شريف

هي شيطانة شابة فتانة، تخرجت في مدرستها بعد أن نالت حظاً من الأدب والفلسفة والمنطق، وشدت طرفاً من الكيمياء والطبيعة والرياضة، وغذت خيالها بألوان من قصص الحب وروايات الغرام؛ ووعت علم السيما فما تنسى منه حرفاً؛ وتعلمتْ - فيما بين المدرسة والبيت - فنوناً شيطانية خلابة أرسلت الشاب في إثرها يتلمس إليها الطريق - الفينة بعد الفينة - وهي بين الطمع والخوف لا تدفعه إلى اليأس ولا تجذبه إلى الملل

ودار الفلك دورة فإذا هي مُسماة على هذا الفتى. ثم خطبت له

وجلست الشيطانة المتعلمة إلى نفسها - ليلة الزفاف - تتفلسف. . . وتناهي إليّ الحدث كله. وهاأنذا أنقله إلى قراء (الرسالة) الغراء، لا يعبث عقلي برأي ولا يعيث قلمي في خاطرة إلا أن أدير الأسلوب - وهو عَرَض - على طريقة لا أمس بها الجوهر. . .

قالت:

يا صاحبي لا تلمني فإنها جِبلّتي الشيطانية هي التي توحي إليّ

لقد عرفتك فتى ريِّق الشباب، بهيّ الطلعة، لا يعوزك المال ولا العلم، فآثرتُ أن تكون. . .

ولجّ بك الهوى على حين كنتُ أمكر بك وأوسوس لك عَلي أنال بُغيتي

لشدّ ما أفظعني - وأنا في المدرسة - أن أرى أستاذتي العجوز الشمطاء قد خذلها العلم وضيَّعها الدرس، فتناثرت زهرة شبابها وهي تتخبَّط في عَماء الحياة لا تستطيع أن تأوي إلى ركن. . .

وأفزعني أن أكون - بعد سنوات وسنوات - صورة منها، فذهبتُ أتحسس منك

يا صاحبي لا تلمني فما بي هوى لك، ولكن حب نفسي لنفسي

إن المرأة المتعلمة تتفلسف في الحب فإذا هو نظرية فلسفية ذات طرفين: الأنانية والخداع

والحب - في عيني المرأة - هو خداع الرجل عن نفسه وأهله وماله هو التضحية العظمى التي أردتك عليها

لقد سلكت إلى قلبكُ سبلاً ضللت أنت فيها، لأجذبك إليّ

أنا لا أحبك، غير أني سأجد في الحب والغيرة مادة عَمى تترهَّج أنت في قَتَمها. . .

وكيف أحبك - يا زوجي - وأنا لا أستطيع أن أنفذ إلى أعماق تاريخك؟ لست أنت من ذوي قرباي فينجذب إليك دمي، ولست رفيق صباي فأرى فيك الذكرى، وأجد في الذكرى نشوة ولذة؛ ولست تِرْبي فأضنّ بك. إنْ هي إلاّ نزوة من نزوات الشباب طارت ثم استقرت فيك!

وبعد، فأنا لا أستبطن لك بُغضاً، لأنه يتراءى لي أن نفسك صافية طيبة.

ولكن. . . ولكن كتابك الذي تعتز به، هو عدوي الذي أفرق منه. . .!

سأستلبه منك بحيلة شيطانية، فلا تفزع!

لا جرم - يا صاحبي - إن المرأة لا تستطيع أن تكون زوجة إلا أن تكون بلهاء، أو يكون زوجها مغفلاً!

فلا معدل لي عن أن أتغفّلك بالرياء، وأغترّك بالتصنُّع، وأخدعك بالحيلة لتكون ابناً لأمي لم تلدك، وولداً لأبي لم يُربِّبْك!

إن أمي تتشوق إلى فتى يملأ الدار حياة، وأبي يتشوَّف إلى شاب يضطلع بأعبائه، وقد كبرتْ سنه. . .

فتعال أنت لتشفي غلّة أمي، وتنقع صدى أبي!

يا صاحبي، إن تنازع السيادة في الدار - بين الرجل والمرأة - صَفَاة تتكسر عليها السعادة

والمرأة الجاهلة تستأسر لزوجها في سهولة، وتتصاغر أمامه في ذلّة، لأن عقلها الفاسد لا يستطيع أن ينفذ إلى قلبه إلا أن ينشر على عينيه ضعفها النسويّ الوضيع

أما أنا فتنسمتُ روح الحرية، وعشتُ عمري سيدة نفسي، لا أخضع لأمر أبي ولا أستسلم لرأي أمي. . . ثم وجدت حلاوة الطاعة حين استذلك جمالي وأسرك حديثي

فهل تطمع في أن تتعبّدني؟

لا ضير، فسأعيش عند رأيك ساعة ليطمئن قلبك؛ ثم أمكر بك المكر الأعظم فأحصّ جناحك فلا تنفلت من لدني إلاّ أن يؤذن لك ثم أترفق بك فأنتزعك - رويداً رويداً - من بين سُجراء نفسك وأحباء قلبك، لتكون لي وحدي

وأبذر غراس الشقاق بينك وبين أهلك فأصرفك عنهم لتكون ابن أمي وأبي

يزعم الناس - يا صاحبي - أن البيت سجن المرأة

حقاً، غير أني سأحيله بنفثة شيطانية إلى قفص أدفعك بين قضبانه، وأطير أنا إلى حيث يحلو لي

وإذا ورم أنفك وطأتك بابتسامة تصدع كبرياءك

وإن ثرتَ نثرتُ بين يديك ضعفي القوي. . . عبراتي، فتتخاذل لها لأنك تحبني

وإن نازعتني الأمر - بعد هذا وذاك - وأصررتَ على رأيك واستكبرتَ، سْعرتُ في دارك ناراً حامية تعصف بسعادتك، ثم أنفلت أنا لأجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة

وابني. . . ابني الذي يتراءى لك - من وراء حجب الغيب - قرة عين، هو عينيّ مادة شقاء لك إن سولت لك نفسك أمراً

وإذن تسقم معي بالعافية، وتفتقر بالمال، وتشقى بالسعادة، وتضيقُ نفسك بالفَرَج، وتزلّ بالرأي الصواب، وأعيشُ أنا إلى جانبك - أو في منأى عنك - داءك الذي لا تبرأ منه

وإن شئتَ ولدتُ لك كل يوم فلسفة شيطانية تلقي بك في تيهاء مظلمة تحار أنت فيها، وأنا أرى وأبسم

وغداً أدخل دارك أرفل في الحرير والديباج، أتأود في فتنة وأتثنى في كبرياء

فتلقاني - يا صاحبي - بين ذراعي حبك

لأنك لا تعلم بما توسوس به نفسي

ولا تلمني فإنها جبلتي الشيطانية هي التي توحي إلي

(طبق الأصل)

كامل محمود حبيب