مجلة الرسالة/العدد 338/ليلى المريضة في العراق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 338/ليلى المريضة في العراق

مجلة الرسالة - العدد 338 المؤلف زكي مبارك
ليلى المريضة في العراق
ملاحظات: بتاريخ: 25 - 12 - 1939


للدكتور زكي مبارك

هذا كتاب يأخذ موضوعه من التاريخ والعلم والأدب والشعر والحب والبغض والخير والشر، فهو كما يقول المؤلف الفاضل (تاريخ يفصل وقائع ليلى بين القاهرة وبغداد من سنة 1926 إلى سنة 1938، ويشرح جوانب من أسرار المجتمع، وسرائر القلوب).

ولا شك أن قراء الرسالة الكرام يعرفون بعض الشيء عن كتاب ليلى المريضة في العراق، نعم بعض الشيء فإن الدكتور الفاضل قد نشر صدراً منه في الرسالة، ثم أمسك على بقية الحديث، وطوى جوانحه على ما بقي من الشؤون والشجون.

ولقد يبدو هذا الكتاب هيناً في تقدير بعض الناس، على حين تجد بعضهم يمجده حتى ليرتفع به عالياً عالياً. . . إلى السماء، ولا غرو في ذلك، فقديماً كان كتاب (كيلة ودمنة) لمن يقف عند الظاهر ملهاة وتسلية، ولعلم موعظة وحكمة، وللأديب جمال وجلال. وكذلك كتاب صديقنا الدكتور، فهو في ظاهره شيء، وهو في دلالته ومغزاه أشياء. . . ثم هو في التقدير الصحيح صورة لما في الإنسان من عواطف الخير والشر، وما يصطرع في عالم الناس ودنيا الأدباء من الحلم والجهل، والرشد والغي، والهدى والضلال.

إنها آفاق من المعاني يتحاماها كتاب العصر الحديث، ولقد أراد الدكتور زكي مبارك أن يكفر عن سيئات أولئك الكتاب فيتحمل المشاق في ارتياد تلك المجاهيل، يقول الدكتور: (ولقد اقتحمت تلك الآفاق بلا زاد ولا ماء، وأنا أعرف أني أعرض سمعتي للأقاويل والأراجيف، لأن الناس عندنا لا يفهمون كيف يدخل الطبيب على نفسه ليشرح على حسابها أهواء النفوس والقلوب والعقول.

اقتحمت تلك المهلك وليس لي إلا سناد واحد هو الشعور بأني أؤدي خدمة للأدب والطب!! وهل كنت أملك الفرار من الصنع الذي صنعت).

وصدقني أيها القارئ أن الدكتور ما كان يلك هذا الفرار ولو استطاع ذك لنكص على عقبيه وكان بذلك من القاعدين الغانمين، ولكنه رجل ابتلاه الله بالصراحة والصدق، فهو لا يدين بمذهب (النفعية) في شيء، ولو استطاع زكي مبارك - كما يقول أستاذنا الزيات - أن يتملق الظروف، ويصانع السلطان، ويحذق شيئاً من فن الحياة في المواربة والمداورة، لاتقى كثيراً مما جرته عليه بداوة الطبع، وجفاوة الصراحة.

ولكن أيفلت مني الدكتور فلا أمسكه بشيء؟ كلا! فأنا أحب أن أسأله عن ذلك التكرار، وتلك الكركرة (الطهوية) إذ يقول: من الذي يستطيع أن يتعقب حركات العقول والأهواء في القاهرة؟ من الذي يستطيع أن يحاور في الصباح والمساء رجال الصحف الصباحية والمسائية؟ من الذي يتسع وقته لمسامرة الصحفيين القاهريين بعد نصف الليل؟ من الذي يستطيع أن يسجل حركات القاهريين قبل الشروق؟ من الذي يفهم أن أهل القاهرة يموتون قبل الأوان بسبب الإفراط في الكدح والكفاح! من الذي يصدق أن من أهل القاهرة من يملأ الدنيا بالنشط والحركة وفي جوفه خمسون علة؟ من الذي يصدق أن في القاهرة ألف خطيب في فصاحة سحبان، من الذي يصدق أن الأمان ذهب من القاهرة بسبب الإفراط في المنافسة والنضال؟ من الذي يصدق أن زكي مبارك سيؤلف كتاباً في مثالب زكي مبارك؟

أما أنا يا دكتور فذوقي لا يحتمل كل هذه (المنمنة)، وأنا أسألك ولا أريد الجواب، فإني أعلم أن أزمة الورق ستردك إلى ما كنت عليه من الإيجاز في التعبير، والقصد في البيان!

م. ف. ع