مجلة الرسالة/العدد 321/حول نعيم الجنة
مجلة الرسالة/العدد 321/حول نعيم الجنة
بين الحسية والروحية
للدكتور محمود علي قراعة
نحن لم ننكر ما في وجوه أهل الجنة من نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم متكئين على أرائك منصوبة على أطراف أنهار مطردة بالخمر والعسل واللبن، محفوفة بالغلمان والولدان، مزينة بالحور العين، وان فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ولكنا إن آمنا بهذا كله، فإنا اكثر إيماناً بان لذة النظر إلى وجه الله تعالى تفوق كل اللذات، وأن لذة اللقاء والرضى أسمى نعيم. وإنا نرى أن اللذات الأخرى الثانوية لذات حسية تسموا بالروح أو لذات روحية معنوية تطربها، لذلك قال مجاهد في قوله تعالى (وأزواج مطهرة) قال من الحيض والغائط والبول والبصاق والنخامة والمني والولد، فارتفع بلذة الأكل والشرب والنكاح من المستوى البهيمي إلى مرقاة الروح. وأنت في هذه الدنيا إذا جلست إلى مائدة فخمة، فتحركت فيك شهوة الطعام وسررت بألوانه المختلفة أمام ناظريك، تستطيع إن تضع على المائدة الأزهار والرياحين الجميلة، ووجودها لا يلهب الرغبة في الطعام، بل يجعلها شريفة ويوجد حولها جواً روحياً يسمو بها بعض السمو. ولذلك نرى الغزالي وهو حجة في الإسلام يجعل للأكل صفة اجتماعية منظمة، فيرى أن من آدابه إن يكثر الإنسان الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده، وان يغسل اليد لان اليد لا تخلو عن لوث في تعاطي الأعمال فغسلها اقرب إلى النظافة والنزاهة، ولان الأكل لقصد الاستعانة على الدين عبادة، وان يبدأ باسم الله في أوله وبحمده في أخره. ولا ريب في إن القصد من هذا السمو بلذة الأكل وإحاطتها بأجواء روحية تخرجها بقدر الإمكان عن ماديتها. فإذا قلنا بروحية اللذات في الجنة وبان الحسي منها يعززه الإشعاع الروحي، فإننا إنما نعبر أصدق تعبير عن روح الإسلام (ولو كره الأستاذان جويق وحمدان). وكذلك يمكن القول عن الصلة بين المرء وزوجه، هل يمكن قصرها على الصلة البهيمية وأبعاد الصلة القلبية الروحية، أم أن الصلة القلبية الروحية هي الأصل، وما عداها تابع؟ ثم لماذا ننكر خطر الإشعاع الروحي؟ أما القول بأن السمو الروحي للذات الحسية يعترضه أن كل شخص لا يمكن أن يتعدى درجته من النعيم، فمردود بأنه لن يتعدى درجته لأن ما حوله من نعيم يهيئ له السمو الروحي للدرجة المقدرة له. هذا إذا جاريناهم لنستدرجهم، لأنه لم يقل أحد بتحديد اللذة وإن كنا نختلف في درجات النعيم، فكما أنك في الدنيا لك أن تستعمل ملكك في كل أوجه الاستعمال إلا الاستعمال المنافي للقانون أو الذي فيه إساءة لاستعمال الحق أو التعدي على الغير، فأقل ما يتصور أن تكون كذلك في الآخرة لا يحد من استعمالك إلا بعد هذا الاستعمال عن جو السمو الروحي الذي يشع على المؤمنين. ثم إن تحديد الدرجات لا يمنع أن أتمتع بكل ما أستطيع من النشوة الروحية، لأن الممنوع ليس الصعود في نشوتي بل الرقي عن درجتي. ثم إن الذي يحدد هذه الدرجة هو معرفة الله، فبقدر معرفته سبحانه ستكون درجات النعيم، وبقدر معرفته سبحانه ستكون اللذة. ولعل الذين ينكرون هذه الفكرة، يفهمون قول التلمساني إن من شئون النفس أنها كلما قل اشتغالها بالبدن انبسطت وأعطت قواها، وأنها كلما ازدادت علماً فعلمت به، ازدادت قوة على ما هو أغمض وأرفع، فلا هي تنحصر ولا الأمر ينتهي. ولذا رأى المناوي أنه على من أراد أن ينزع عن عالم الحس ويرجع إلى ذاته، أن يعمل على ركود حواسه الظاهرة ليقوى على أن يحس بما لا يقع عليه الحس. فإذا فهموا معنا أن النفس الإنسانية كما قال الغزالي ليست جسماً ولا جسمانية بل هي جوهر مجرد (أي ليست قوة جسمانية حالة في المادة ولا جسماً بل ولا مكانية لا تقبل الإشارة) متصرف في البدن تصرف التدبير من غير أن تكون داخلة فيه بالجزئية والحلول، استطاعوا أن يعرجوا مثل فيثاغورس إلى العالم العلوي (إذا سما جوهرهم) وأن يسموا مع أرسطو وأفلاطون إلى درجة الخروج عن البدن كأنهم مجردون لا أبدان لهم، فيرون أنفسهم داخلين في ذواتهم خارجين عن سائر الأشياء، ويروا في نفوسهم المتجردة من أثقال البدن أنواعاً من الحسن والبهاء، ما تعجب وتريهم أنهم من الجوهر الأعلى الأفضل الشريف وأنهم ذوو حياة فعالة كما قال العلامة مسعود التفتازاني فيفهمون مع الصوفيين أن كل المخلوقات بأسرها مظاهر صفات الله وطريق إلى القرب منه وزيادة معرفته. فإذا ما فهموا معنى هذا فإنا لا نبخل عليهم في أن نضرب لهم مثلاً لحسيات تسمو بأرواحهم، وأسمى مثل هو مثل الصور الجميلة الآدمية وهي حسيات تدعو الكثيرين إلى أحط أنواع اللذات الحسية، ولكنهم إذا أتبعوا السمو الذي ذكرنا، فأنهم واصلون إلى فهم أن هذه الصور موصلة إلى معرفة معانيها، وما معانيها إلا إدراك قدرة الله تعالى وعظيم شأنه وجليل جماله، فإذا ناجى المخلوق صورة آدمية جميلة فهو لا يناجيها هي بالذات وإنما يناجي خلقه البادي جماله ومظاهر قوته في معانيها. ولذا نجد أبن الفارض يقرر في تائيته الكبرى أن حسن كل مليح ومليحة معار من حسن الذات الإلهية، وأن قيساً حينما هام بلبنى، وأن مجنون ليلى حينما هام بليلى، وأن كثير عزة حين هام بعزة، وأن كل العشاق حين يهيمون بمعشوقيهم لا يهيمون بهم على الحقيقة، وإنما هم يهيمون بالذات الإلهية التي صورت تلك الصور فأحسنت خلقها، وأن الله مرئي وأن تلك الصور الجميلة المختلفة وإن تعددت إنما تعبر عن معنى واحد وهو الجمال الإلهي، وأن العشاق جميعاً ينضوون تحت لواء لأنهم جميعاً يعشقون معنى واحداً. وبعد أن ذكر في شعره شوقه اللذات الإلهية كلما رأى حسناً وكلما هاجه حب، فيشاهدها فكره بطرف تخيله، ويسمعها ذكره بمسمع فطنته، فينتشي في ظاهره ويطرب في باطنه، ويرقص قلبه وتشدو روحه، ويراها ماثله في معاني الحسن والجلال - خرج من ذلك إلى أن الإنسان يمثل الله على أرضه لأن فيه معنى من معاني جلال الرب. وكما أن من شاهد نفسه في مرآة بدت له صورتها، وأن من تكلم بأكناف القصور سمع صوت نداه، فكذلك كل مظاهر القوة والجمال في هذا العالم ليست غير المعنى الإلهي الذي أودعه فيها. فالعبد على هذا إذا ناجى ربه فإنما يناجي علة وجوده، والرب إذا ناجى عبده فإنما يناجي خلقه وصنعه، فالصلة بين العبد وربه إذن صلة موجود وموجد، وما دام الموجود أصل الموجود، والموجود لا يوجد إلا بهذا الموجد فالعبد عند معرفته نفسه ووقوفها على سموها ورفعتها إنما يعرف في ذلك ربه. والصورة الجميلة على ذلك إذا نوجيت وإذا عشقت وإذا هيم بها، فإنما يهام بها وتناجى وتعشق لهذا المعنى. هذا مثل نضربه للسادة الحسيين. وإذا أرادوا أمثله أخرى فليرجعوا إلى لكتابينا مملكة الجمال والحق والخير، ومناجاة الجمال، ليجدوا أنا نرى أن الذي يشوق هو الحياة في العيون، حياة بريقها وحياة سحرها، والحياة في الحديث والحياة في الابتسامة، وأن خفة الروح هي الني تحبب ألينا الجميل، تحبب ألينا حديثه فتجعله مغناطيسياً جاذباً لقلوبنا، وتبعث ألينا فتنته فتور عينيه، وترسل ألينا تحيته ابتسامته وأنها صلة روحية يعوزنا لتذوقها أن نتفهمها لتحول بينها وبين البهيمية ولنقدس بها المنعم علينا بها. وأحب بعد ذلك من هؤلاء الحسيين أن يجولوا معنا في كتاب تهذيب الأخلاق لأبن مسكويه جولة قصيرة ليقفوا أمام قوله: (وقد ضن قوم أن كمال الإنسان وغايته هما في اللذات الحسية، وأنها هي الخير المطلوب والسعادة القصوى. وظنوا أن جميع قواه الأخرى إنما ركبت فيه من أجل هذه اللذات والتوصل إليها، وأن النفس الشريفة التي سميناها ناطقة إنما وهبت له ليرتب بها الأفعال ويميزها ويوجهها نحو هذه اللذات لتكون الغاية الأخيرة هي حصولها على النهاية والغاية الجسمانية. وظنوا أيضاً أن قوى النفس الناطقة أعني الذكر، والحفظ والروية كلها تراد لتلك الغاية، قالوا وذلك أن الإنسان إذا تذكر اللذات التي حصلت له بالمطاعم والشارب والمناكح، اشتاق إليها وأحب معاودتها، فقد صارت منفعة الذكر والحفظ إنما هي اللذات وتحصيلها، ولأجل هذه الظنون التي وقعت لهم جعلوا النفس المميزة الشريفة كالعبد المهين وكالأجير المستعمل في خدمة النفس الشهوية، لتخدمها في المآكل والمشارب والمناكح وترتبها لها وتعدلها اعدالاً كاملاً موافقاً. وهذا هو رأي الجمهور من العامة الرعاع وجهال الناس السقاط. والى هذه الخيرات التي جعلوها غايتهم، تشوقوا عند ذكر الجنة والقرب من بارئهم عز وجل وهي التي يسألونها ربهم تبارك وتعالى في دعواتهم وصلواتهم، وإذا خلوا بالعبادات وتركوا الدنيا وزهدوا فيها، فإنما ذلك منهم على سبيل المتجر والمرابحة في هذه بعينها، كأنهم تركوا قليلها ليصلوا إلى كثيرها، وأعرضوا عن الفانيات منها ليبلغوا إلى الباقيات , إلا انك تجدهم مع هذا الاعتقاد وهذه الأفعال إذا ذكر عندهم الملائكة والخلق الأعلى الأشرف وما نزههم الله عنه من هذه القاذورات، علموا بالجملة انهم أقرب إلى الله تعالى وأعلى رتبة من الناس وأنهم غير محتاجين إلى شيء من حاجات البشر، بل يعلمون أن خالقهم وخالق كل شيء الذي تولى إبداع الكل هو منزه عن هذه الأشياء متعال عنها غير موصوف باللذة والتمتع مع التمكن من إيجادها، وإن الناس يشاركون في هذه اللذات الخنافس والديدان وصغار الحشرات والهمج من الحيوان، وإنما يناسبون الملائكة بالعقل والتمييز. . .) وبذا نراه وضع لنا أساساً سامياً نبيلاً في تقدير اللذات، وأن أسماها ما كان ربانياً. ثم جل معنا إلى أن نصل إلى قوله: (إن الإنسان ذو فضيلة روحانية يناسب بها الأرواح الطيبة التي تسمى ملائكة، وذو فضيلة جسمانية يناسب بها الأنعام لأنه مركب منها، فهو بالخير الجسماني الذي يناسب به الأنعام مقيم في هذا العالم السفلي مدة قصيرة ليعمره وينظمه ويرتبه حتى إذا ظفر بهذه المرتبة على الكمال أنتقل إلى العالم العلوي وأقام فيه دائماً سرمداً في صحبة الملائكة والأرواح الطيبة). ثم تراه يقرر أنه ليس يعني بالعلوي المكان الأعلى في الحس، ولا بالسفلي المكان الأسفل في الحس، بل كل محسوس فهو أسفل وإن كان محسوساً في المكان الأعلى، وكل معقول فهو أعلى وإن كان معقولاً في المكان الأسفل. ثم نراه يذكر لنا أن للحسن لذة عرضية على حدة، وأن للعقل لذة ذاتية على حدة، وأن من لا يعرف اللذة الذاتية لا يعرف اللذة بالحقيقة ولا يلتذ بها. وهو يسمي اللذة الناقصة التي تشاركنا فيها الحيوانات لذة انفعالية، ويسمي التامة التي يختص بها الحيوان الناطق لذة فعلية أي فاعلة، وسمى اللذات الحسية المقترنة بالشهوات عرضية لأنها تزول سريعاً وتنقضي وشيكاً بل تنقلب لذاتها فتصير غير لذات بل تصير آلاماً كثيرة أو مكروهة بشعة مستقبحة، أما اللذة الذاتية فتسمى كذلك لأنها لا تصير في وقت أخر غير لذة ولا تنتقل عن حالتها بل هي ثابتة أبداً. وخرج من هذا الحكم بأن السعيد تكون لذاته ذاتية لا عرضية، وعقلية لا حسية، وفعلية لا انفعالية، وإلهية لا بهيمية. ثم يحدثنا بعد ذلك عن الجوهر الإلهي الذي في الإنسان وأنه إذا صفا من كدورته التي حصلت فيه من ملابسة الطبيعة ولم تجذبه أنواع الشهوات وأصناف محبات الكرامات، اشتاق إلى شبيهه ورأى بعين عقله الخير الأول المحض الذي لا تشوبه مادة؛ فأسرع إليه وحينئذ يفيض نور ذلك الخير الأول عليه، فيلتذ به لذة لا تشبهها لذة، ويصير إلى معنى الاتحاد، استعمل الطبيعة البدنية أم لم يستعملها، إلا انه بعد مفارقته الطبيعة بالكلية أحق بهذه المرتبة العالية، لأنه ليس يصفو الصفاء التام إلا بعد مفارقته الحياة الدنيوية. فترى من هذا كله إعزاز الجانب الروحي في الدنيا، وهو بلا ريب في الآخرة أعز، وفي الجنة أوفى، فأحب أنا إذا ذكرنا الحور العين مثلاً وأنهن كما ذكر الغزالي غنجات عاطرات آمنات من الهرم والبؤس مقصورات في الخيام، وإذا ذكرنا انه يطاف على المؤمنين وحورهم بأكواب وأباريق وكأس من معين بيضاء لذة للشاربين وأن الذين يطوفون خدام وولدان كأمثال اللؤلؤ المكنون في مقام أمين في جنات وعيون في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر (كما جاء في القرآن في سورة الرحمن والواقعة، وغيرهما) أحب إن يكون فهم لذة هذا كله ما ذكرنا من تقديس خالق هذه الصور وهذه الجنات وهذه الأنهار، وفهم أن اللذة الروحية التي يتمتع بها المؤمنون من كل هذا هي أسمى مما يصوره بعضهم من أن المقصود هو أن يباضع المؤمن كل هذه الحور وأنه يؤتى قوه عجيبة إذ ذاك على الجماع. ولا أنكر أن يكون هذا في الجنة لأنه لذة وإن كانت لذة حسية إلا أنها لذة لها حبها والرغبة فيها. ولكن الذي أنكره وأنكره بكل قواي أن يكون هذا الأمر الثانوي هم أهل الجنة أو أن يفهم بعضهم من ذكر الوالدان الفهم السقيم الذي سبق أن ذكرناه وعارضنا فيه بعض العلماء، وأرى أن أسمى جزء في التمتع هو التمتع بالفكرة الروحية، وأن يكون المؤمنون في مقعد صدق عند مليك مقتدر ينظرون فيها إلى وجه الله الكريم وقد أشرقت في وجوههم نضرة النعيم، لهم فيها كل ما يشتهون، وأنهم كل يوم بفناء العرش يحضرون، وأنهم ينالون النظر من الله ما لا ينظرون معه إلى سائر نعيم الجنان. هذا وقد ذكر الأستاذ داود حمدان البعث والنشور، والرأي أنه سواء أخذنا بإعادة المعدوم في الكل أو جمع ما تفرق منه، فإنها إذا أعيدت في الآخرة فلا بد أن يجعلها الله تعالى في نشأة أخرى مستعدة للبقاء غير قابلة للفناء مهيأة لما تلقاه من النعيم أو العذاب، وتكون الأرواح فيها قوالب الأبدان والأبدان من جنس أرواحها كما ذكره أبن القيم، وإن جميع الإدراكات من سمع وبصر ولذة وألم لا تكون متفرقة في مواضع البدن كما هي في نشأة الدنيا بل يوصف كل جزء بأنه سميع بصير متلذذ متألم كما تقتضيه نشأته (وننشئكم فيها لا تعلمون) ومعنى (كما بدأنا أول خلق نعيده) أنا نعيد أول خلق ممثلاً للذي بدأناه؛ والتشبيه يقتضي المغايرة (كما ذكر أستاذنا المرحوم الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوى في كتابه أحكام الروح ص 98) فهذا لا ينافي إعزاز اللذة الروحية. وكذلك ذكر الأستاذ جويق رؤية الله تعالى، والرأي أنه جل شأنه لا يرى ولا يحس إلا بعين مخلوقة له ومجلي لائق باستعداد الرائي كما نقله الألوسي عن بعض المحققين في تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناضرة) أنه إذا رفع الحجاب بينه تعالى وبينهم ينظرون إليه وينظر إليهم وجل. وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية فيرونه سبحانه لكن لا من حيث عز ذاته البحت ولا من حيث كل تجل حتى تجليه بنوره الشعاعي الذي لا يطاق، بل بتجل مطاق لهم وملائم لاستعدادهم وأن هذا الحجاب (كما ذكر أستاذنا مخلوف في أحكام الروح ص 102) غير الحجاب المشار إليه في حديث (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه (أنواره وجلاله وعظمته التي منها خر موسى صعقاً وتقطع الجبل دكاً لما تجلى عليه) كل شي أدركه بصره، فلا معنى لرؤية ذاته تعالى عند المحققين إلا رؤية حجابه (حجاب التنزل والتجلي) كما أنه لا معنى لرؤية ذواتنا إلا رؤية ألوانها وأضوائها، وهذه لذة روحية عند من يفهمون الروحانيات. جعلنا الله رجال روح، ومتعنا في الجنة بحسياتها ومعنوياتها نعيم روح أبدى سرمدي.
محمود علي قراعة