مجلة الرسالة/العدد 303/من برجنا العاجي
مجلة الرسالة/العدد 303/من برجنا العاجي
أذاع المتحف المصري حديثاً في أنحاء العالم من خلال بوقين أحدهما من الفضة، والآخر من النحاس، هما من مخلفات توت عنخ آمون. وقد كانت هذه الإذاعة أول صوت يخرج منهما منذ ثلاثة آلاف عام. قرأت هذا الخبر في الصحف كما قرأه الناس. وجاء الليل فتخيلت هذين البوقين قد أعيدا إلى مكانهما في المتحف، وقد سكنت الأصوات، ونامت الكائنات، فإذا هما ينهضان مستويين كأنهما ثعبانان، وجعلا يتحادثان:
البوق الفضي - عجباً! ما هذه اللغة التي خرجت من فمي هذا اليوم؟
البوق النحاسي - أنها لغة غير مفهومة لعلها لغة بعض العبيد أو الأسرى الذين نأتي بهم إلى أرضنا من آن لآن
البوق الفضي - نعم. إنها ليست لغة توت عنخ أمون! لكن كيف سمح الحراس للعبيد والأسرى أن يحملونا ويدنسوا أفواهنا برطاناتهم!
البوق النحاسي - هذا ما يثير دهشتي
البوق الفضي - يا للعار! فمي الفضي يخرج منه مثل هذه الرطانة! هذا لم يحدث لي من قبل الآن!
البوق النحاسي - وأنا لم يقع لي مثل هذا قبل اليوم قط!
البوق الفضي - وبعد. أنذعن لهذه الكارثة؟!
البوق النحاسي - لا. لا ينبغي أن نذعن
البوق الفضي - وماذا نستطيع أن نفعل؟
البوق النحاسي - نستطيع أن نصيح وأن نرفع أصواتنا في أرجاء المكان ساخطين متضرعين، طالبين صيانة حرمتنا وكرامتنا. فلا ينفخ فينا بعد الآن نافخ بغير لغة توت عنخ آمون. فمن أجلها صنعنا ووجدنا فلتخرس أفواهنا إلى أبد الآبدين، إذا نطقت بغير لغة توت عنخ آمون!
البوق الفضي - وإذا أجبرنا على النطق بغيرها؟
البوق النحاسي - حقت اللعنة على من يجبرنا على ذلك!
وذهب من أمام عيني شبح البوقين. وثبت إلى نفسي وأنا أقول (أهي لعنة أخرى كلعنة المومياء، مازال أمرها خافياً على العلماء!).
توفيق الحكيم