مجلة الرسالة/العدد 300/كتاب السياسة
مجلة الرسالة/العدد 300/كتاب السياسة
للوزير نظام الملك
للدكتور عبد الوهاب عزام
نظام الملك أبو علي الحسن بن إسحاق: وزير السلاجقة من أعظم الوزراء الذين عرفهم تاريخ الإسلام. ووزير للسلطان محمد ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه ثلاثين سنة (455 - 485) هـ.
كان أبوه أحد دهاقن طوس، وذهبت بماله الحادثات فولد نظام الملك في بيت فقير سنة 408. وماتت أمه وهو رضيع. ونشأ نجيباً زكياً فتعلم العربية والفقه وسمع الحديث. وتقلبت به صروف الزمان في أرجاء الأرض، حتى استقر في بلخ عند أحد عمّال داود والد السلطان ألب أرسلان. ثم تولى أعمال ألب أرسلان ووزر له قبل السلطنة. فلما خلف ألب أرسلان عمه طغرل بك دبّر نظام الملك أمور الدولة، وظهرت كفايته، وشاع ذكره؛ فاستقل بسياسة الملك طوال عهد ألب أرسلان وعهد ابنه ملكشاه. وتولى أبناؤه، وكانوا أثنى عشر، المناصب الرفيعة في الدولة. فتمكن سلطانهم، وعظم جاههم، وانقادت لهم الأمور حتى فاقوا البرامكة في أيامهم.
يقول ابن الأثير:
(كان عالماً جواداً عادلاً حليما كثير الصفح عن المذنبين طويل الصمت. كان مجلسه عامراً بالقراء والفقهاء، وأئمة المسلمين، وأهل الخير والصلاح. أمر ببناء المدارس في سائر الأمصار والبلاد، وأجرى لها الجرايات العظيمة، وأملى الحديث بالبلاد وببغداد وغيرها. وكان يقول: إني لست من أهل هذا الشأن، ولكني أحب أن أجعل نفسي على قطا نقلة حديث رسول الله ﷺ)
وما زالت الأمور في تصريفه، والأحوال مواتية له، إلى أن قتل سنة 485.
وذلك إنه كان مسافراً مع السلطان ملكشاه من أصفهان إلى بغداد، فنزلا على مقربة من نهاوند. قال ابن الأثير:
(فلما كان بهذا المكان بعد أن فرغ من إفطاره، وخرج في محفة إلى خيمة حرمه أتاه صبي ديلمي في صورة مستميح أو مستغيث، فضربه بسكين كانت معه، فقضى عليه وهرب، فعثر بطنب خيمة فأدركوه فقتلوه).
وقد شاع بين الناس أن الملاحدة دبروا لقتله إذ كان يبغضهم وكتب في كتابه سياستنامه فصلاً في بيان مفاسدهم. ويقال إن ملكشاه هو الذي أوحى بقتله وكان قد نقم منه ومن أولاده تمكنهم في عظم المناصب، وجاههم، وأوغرت صدره عليهم امرأته تُركان خاتون، وكانت تسعى ليخلف ابنها الطفل محمود أباه على الملك، وكان نظام الملك يؤثر بركيا روق أخا محمود الأكبر. إذ يقال إن جمال الملك بن نظام الملك قتل مسخرة للسلطان كان يحاكي نظام الملك في المجلس السلطاني، فنقم عليه السلطان وأمر من دس له السم في شربة فقاع
ويروي ابن الأثير أن السلطان أرسل أحد قواده شحنة إلى مرو وكان يتولى أمورها حينئذ عثمان بن جمال الملك ومفيد نظام الملك. فوقع نزاع بين الشحنة وعثمان فحبسه عثمان ثم أطلقه فذهب إلى السلطان شاكياً؛ فأرسل السلطان إلى نظام الملك يسأله أأنت شريكي أو وزيري ويذكر استيلاء أبنائه على المناصب وتجاوزهم الحد
فلما بلغت الرسالة الوزير الكبير غضب وقال للرسول (قولوا للسلطان إن كنت ما علمت أني شريكك في الملك فاعلم، فانك ما نلت هذا الأمر إلا بتدبيري ورأيي. أما يذكر حين قتل أبوه فقمت بتدبير أمره وقمعت الخوارج عليه. . . فلما قدت الأمور إليه وجمعت الكلمة عليه وفتحت له الأمصار القريبة والبعيدة، وأطاعه القاصي والداني، أقبل يتجنى لي الذنوب ويسمع في السعايات! قولوا له عني إن ثبات تلك القلنسوة معذوق لهذه الدواة وأن اتفاقهما رباط كل رغبة وسبب كل غنيمة، ومتى أطبقْت هذه زالت تلك).
ومن عجائب الاتفاق أن السلطات مات بعد شهر من قتل الوزير واضطربت الدولة اضطراباً شديداً
ومهما يقل من أسباب النفور التي وقعت بين السلطان والوزير فأنا بعد أن يدبر الملك لقتل وزيره الشيخ الذي كان يثق به ويعتمد عليه ويستصحبه في حضره وسفره.
كتب نظام الملك كتاب السياسة (سياستنامه) قبل موته بسنة واحدة، وضمنه علمه وتجاربه وآراءه في سياسة الملك وترتيب الدولة، وإنصاف الرعية، وقسمه إلى خمسين فصلاً.
وللكتاب مقدمة كتبها ناسخ الخزانة السلطانية يبين فيها سبب تأليف الكتاب فيما يأتي:
(أمر السلطان السعيد أبو الفتح ملكشاه ابن محمد أمين أمير المؤمنين أنار الله برهانه، سنة أربع وثمانين وأربعمائة بعض الكبراء والشيوخ والعلماء أن تفكَّروا في أحوال المملكة وانظروا ماذا من السيئات في عهدنا، وماذا خفي علينا، وماذا فعله السلاطين السابقون ولم نفعله، وأعلمونا به. وكذلك اكتبوا ما تعرفون من سنن الملوك السالفين مما يتعلق بدولة السلاجقة وملكهم، واعرضوه علينا لنتأمّله ونأمر بعدُ أن يسير كل عمل ديني ودنيوي على قاعدته، ويوضع كل شيء في موضعه، وننهي عما لا يُستحسن. فإن الله وهبنا الدنيا وأتم نعمته علينا وقهر أعدائنا فلا ينبغي أن يكون أمر في مملكتنا ناقصاً أو يذهب عمل على غير وجهه أو يخفى علينا شيء.
(أمر بهذا نظام الملك، وتاج الملك، ومجد الملك وطائفة أمثالهم، فكتب كلُ ما تيسر له في هذا الشأن وعرضه على السلطان فلم يعجبه إلا ما كتب نظام الملك فقال: كُتبت هذه الفصول كما أردت فليس في نفسي عليها مزيد. وقد اتخذت هذا الكتاب إمامي وسأعمل به.)
ويقول نظام الملك في خاتمة الكتاب: (هذا كتاب السياسة. أمر سلطان العالم خادمه أن يكتب في هذا الموضوع فامتثل أمره. كتب تسعة وثلاثين فصلاً على عجل ورفعها إلى السدة العالية فلقيت قبولاً. وكانت مختصرة فزدت عليها، وأضفت إلى كل فصل ما يناسبه، وبينتها بلغة واضحة، وقد سلمته إلى ناسخ الخزانة السلطانية محمد المغربي سنة أربع وثمانين وأربعمائة ونحن على عزيمة السفر إلى بغداد، وأمرته أن ينسخه بخط جميل، فإذا لم يتح لي الرجوع من هذه السفرة قدمه إلى السلطان.)
وسأتكلم على الكتاب وأترجم فصوله في المقالات الآتية إن شاء الله.
عبد الوهاب عزام